الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويجاب عنه:
بأن تصرف الفضولي في حقيقته، هو وكالة معلقة على الإجازة، فهو يبيع المال لمصلحة مالكه، وليس لمصلحته هو حتى يقال: كيف يبيع ما ليس عنده، وإذا كان يبيعه نيابة عن صاحبه فإنه لا يصح أن يقال: إن المبيع ليس مملوكًا لبائعه، ولو باع الفضولي السلعة المعينة لحظ نفسه بناء على أنه سوف يشتريها من صاحبها فيما بعد لم ينعقد البيع إجماعًا؛ لأنه باع ما لا يملك.
قال ابن قدامة: «ولا يجوز أن يبيع عينًا لا يملكها، ليمضي، ويشتريها، ويسلمها رواية واحدة، وهو قول الشافعي، ولا نعلم فيه مخالفًا
…
ثم ذكر حديث حكيم: لا تبع ما ليس عندك»
(1)
.
وقد أجاب بعضهم عن حديث حكيم بن حزام وحديث عبد الله بن عمرو، بأن النهي عن بيع ما ليس عندك يقصد به النهي عن البيع النافذ الذي تجري فيه أحكام البيع بمجرد انعقاده، أما البيع الموقوف على إجازة المالك فلم يتضمنه
(2)
.
[م - 111] وقد اختلف الناس في تفسير حديث: «لا تبع ما ليس عندك «إلى ثلاثة أقوال، ذكرها ابن تيمية في مواضع من كتبه، ونقله عنه تلميذه ابن القيم موافقًا له
(3)
، خلاصتها:
أحدها: ما ذهب إليه الشافعي رضي الله عنه إلى أن حديث حكيم بن حزام إنما هو في النهي عن بيع المعين والربح فيه قبل تملكه
(4)
.
(1)
المغني (4/ 145)، وانظر الكافي (2/ 20 - 21)، الذخيرة (5/ 134)، المهذب (1/ 262).
(2)
انظر المبسوط (13/ 14)، فتح القدير (6/ 52).
(3)
زاد المعاد (5/ 811)، أعلام الموقعين (2/ 19).
(4)
وقال ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام (3/ 178): «الصورة الرابعة دل عليها قوله صلى الله عليه وسلم (ولا بيع ما ليس عندك) مثاله: أن يبيع منه متاعًا لا يملكه، ثم يشتريه من مالكه، ويدفعه إليه، وهذا فاسد؛ لأنه باع ما ليس في ملكه حاضرًا عنده، ولا غائبًا في ملكه، وتحت حوزته، قال العلامة البغوي في شرح السنة: هذا في بيوع الأعيان، دون بيوع الصفات، فلذا قيل: السلم في شيء موصوف، عام الوجود عند المحل المشروط يجوز، وإن لم يكن في ملكه حال العقد
…
». وانظر الأم (3/ 97)، ومختصر المزني (ص: 90).
وهذا لا يختلف الفقهاء في منعه، وقد سبق نقل الإجماع.
الثاني: اختيار الجمهور، وهو أن النهي عن بيع ما ليس عند الإنسان، يشمل:
بيع المعين مما ليس مملوكًا له. وفي هذا موافقة للشافعي رحمه الله.
وبيع الموصوف في الذمة إذا كان حالًا، وهو ما يسمى بالسلم الحال
(1)
.
(1)
انظر في مذهب الحنفية: الحجة محمد بن الحسن (2/ 614)، الهداية شرح البداية (3/ 73).
وانظر في مذهب المالكية، (4/ 30)، المعونة (2/ 988) والجامع لأحكام القرآن (3/ 379)، بلغة السالك (3/ 172).
وفي مذهب الحنابلة، قال في الإنصاف (5/ 98): «فإن أسلم حالًا، أو إلى أجل قريب كاليوم ونحوه لم يصح، وهو المذهب، وعليه الأصحاب.
وذكر في الانتصار رواية: يصح حالًا، واختاره الشيخ تقي الدين إن كان في ملكه، قال: وهو المراد بقوله عليه أفضل الصلاة والسلام لحكيم بن حزام رضي الله عنه، (لا تبع ما ليس عندك)، أي ما ليس في ملكك، فلو لم يجز السلم حالًا، لقال: لا تبع هذا، سواء كان عندك أولا .. ». وانظر الكافي (2/ 112)، المبدع (4/ 189).
(1)
.
الثالث: يرى ابن تيمية أن بيع ما ليس عند الإنسان، إن كان عينًا معينة ليست مملوكة له، فهو ممنوع، وإن كانت موصوفة في الذمة اشترط أن تكون عنده في ملكه.
قال ابن تيمية: أظهر الأقوال
…
أن معنى حديث حكيم بن حزام: لا تبع ما ليس عندك، أن يبيعه شيئًا موصوفًا حالًا، وهو لم يملكه، ويربح فيه قبل أن يدخل ضمانه، وقبل أن يكون قادرًا على تسليمه، أما إذا باعه موصوفًا في الذمة حالًا، وهو عند بائعه قادرًا على تسليمه، فلا حرج إن شاء الله تعالى.
وإذا لم يكن جائزًا بيع ما في الذمة مما ليس هو مملوكًا للبائع، ولا يقدر على تسليمه، فبيع المعين الذي لم يملكه أولى بالمنع
(2)
.
وسوف تأتي مناقشة الراجح من هذه الأقوال عند الكلام على مسألة (بيع ما ليس عند البائع) في موانع البيع، فانظره هناك.
وكل هذه الأقوال في تفسير حديث حكيم بن حزام (في النهي عن بيع ما ليس عند البائع) لا يدخل فيها تصرف الفضولي؛ لأن الفضولي لا يبيع ما ليس عنده
(1)
الفصول في الأصول (1/ 345).
(2)
انظر تفسير آيات أشكلت على كثير من العلماء (2/ 692).