الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الرابع
استلام الشيك هل يقوم مقام القبض لمحتواه
تعريف الشيك:
الشيك: عبارة عن ورقة تحرر وفقًا لشكل معين، تتضمن أمرًا صادرًا من شخص يسمى (الساحب) إلى شخص آخر يسمى (المسحوب عليه) بدفع مبلغ معين إلى شخص ثالث يسمى (المستفيد)
(1)
.
وسيأتي مزيد من البحث عن الشيك في كتاب المعاملات المصرفية، بلغنا الله ذلك بحوله وقوته.
[ن- 8] والبحث هنا يتعلق بقبض الشيك، هل يعتبر تسلم الشيك قبضًا لمحتواه، خاصة فيما يعتبر القبض شرطًا لبقائه على الصحة، كبيع الذهب بالعملة الورقية، أو بيع العملات الورقية بعضها ببعض، فإذا أعطى أحدهما شيكًا بقيمة الذهب أو الفضة، أو بقيمة العملة الورقية، فهل يعتبر قبض الشيك قبضًا لمحتواه، بحيث يتحقق القبض الشرعي لصحة المعاملة، أو لا؟
اختلف العلماء على النحو التالي:
فقيل: يعتبر تسلم الشيك قبضًا لمحتواه مطلقًا، وعلى هذا الرأي كثير من الباحثين المعاصرين
(2)
.
(1)
انظر الأوراق التجارية في النظام السعودي - عبد الله محمد العمران (ص: 30).
(2)
يقول الشيخ سعود الثبيتي في رسالته (القبص تعريفه، أقسامه، صوره، وأحكامها (ص: 58): «وقد ذهب كثير من الباحثين المعاصرين إلى أنه يكفي قبض الشيك عن قبض محتواه، منهم الشيخ ستر الجعيد، والدكتور سامي حمود
…
».
ويقول الشيخ سعد الخثلان في كتابه أحكام الأوراق التجارية (ص: 288): «حاصل ما قيل في ذلك يرجع إلى ثلاثة أراء - يعني في مسألة هل قبض الشيك قبض لمحتواه - الرأي الأول: أن تسلم الشيك وما في معناه يعتبر قبضًا لمحتواه
…
وعلى هذا الرأي أكثر الباحثين».
ويقول الشيخ ابن منيع كما في مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 1/689): «وقد بحث مسألة قبض الشيك قبض لمحتواه مجموعة من علماء الشريعة والاقتصاد، منهم الدكتور علي السالوس، والدكتور سامي حمود، والأستاذ ستر الجعيد وغيرهم، وكلهم اتفقوا على أن قبض الشيك قبض لمحتواه، وقد صدرت فتوى من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بذلك» .
والحق أن فتوى اللجنة تشترط أن يكون الشيك مصدقًا، وسأنقل هذه الفتوى لاحقًا.
وانظر: مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 1/ص: 658) وما بعدها، الأوراق النقدية والتجارية - الشيخ ستر الجعيد (ص: 333)، قبض الشيكات في استبدال النقود والعملات - دراسة مقارنة - عبد الوهاب حواس (ص: 42).
وقيل: لا يعتبر تسلم الشيك قبضًا لمحتواه مطلقًا.
وهذا القول منسوب لشيخنا ابن عثيمين يرحمه الله
(1)
، واختاره بعض الباحثين
(2)
.
وقيل: التفريق بين الشيك المصدق وبين غيره، فتسلم الشيك المصدق يعتبر قبضًا لمحتواه، بخلاف الشيك غير المصدق، وبه قال مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي
(3)
، واللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
(1)
القبض وأحكامه في الفقه الإسلامي - عبد الله الربعي (1/ 89) رسالة دكتوراه لم تطبع، وقد نقل ذلك من مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب (ص: 14)، ومن حوار خاص مع فضيلته مسجل لدى الباحث بتاريخ 9/ 11/1415 هـ، والموجود في أسئلة بيع وشراء الذهب خلاف ما نقل الأستاذ عبد الله الربعي، فأخشى أنها لا تصح نسبة هذا القول لشيخنا، وسوف أنقل كلامه بنصه.
(2)
قبض الشيكات في استبدال النقود والعملات - عبد الوهاب حواس (ص: 44)، أحكام الأوراق التجارية في الفقه الإسلامي (ص: 290).
(3)
قرار رقم (55/ 4/6) بشأن القبض، صوره، وبخاصة المستجدة منها، وأحكامها، وفيه:« .... إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا ...... تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه، وحجزه للمصرف» .
بالسعودية
(1)
، واختاره شيخنا ابن عثيمين
(2)
.
هذه هي الأقوال في المسألة، وقد ذكرنا حجة كل قول في كتاب الصرف، تحت عنوان: هل ينوب استلام الشيك عن قبض بدل الصرف، فانظره هناك، وترجح لي أن الشيك إن كان مصدقًا، فهو لا شك أنه سالم من العيوب والمخاطر التي يتعرض لها الشيك غير المصدق، إذ يعتبر التصديق للشيك حجز لمحتوى الشيك لصالح المستفيد، فإذا استلم الشيك كان ذلك بمنزلة القبض لما يحتويه، فلا يستطيع الساحب التصرف فيه، ولا الرجوع فيه إلا بموافقة المستفيد.
(1)
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع وترتيب أحمد الدرويش (13/ 494)، وفي الفتوى: «
…
قبض البائع للشيك في حكم قبضه للثمن إذا كان الشيك مصدقًا».
(2)
جاء في مجموعة أسئلة في بيع وشراء الذهب، السؤال الخامس عشر، وهو موجود في كتاب: من فقه وفتاوى البيوع، جمع أشرف بن عبد المقصود (ص: 391): «سئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله: ما حكم التعامل بالشيكات في بيع الذهب إذا كانت مستحقة السداد وقت البيع، حيث إن بعض أصحاب الذهب يتعامل بالشيكات خشية على نفسه، ودراهمه أن تسرق منه؟
فأجاب: لا يجوز التعامل بالشيكات في بيع الذهب أو الفضة، وذلك لأن الشيكات ليست قبضًا، وإنما هي وثيقة حوالة فقط ...... إلا إذا كان الشيك مصدقًا من قبل البنك، واتصل البائع بالبنك، وقال: ابق الدراهم عندك وديعة لي، فهذا قد يرخص فيه، والله أعلم».
قلت: الشيك المصدق لا يتطلب اتصالًا بالبنك ليبقى في حساب المستفيد، فهو محجوز له من حين التصديق، والقول: ابق الدراهم وديعة لي، ليس دقيقًا، بل هي تبقى قرضًا وليست وديعة، لأن البنك يتصرف فيها، ويرد بدلها، وربما قال شيخنا ذلك مجارة للمصطلح الشائع.
أما إذا كان الشيك غير مصدق، فهل يعتبر قبضه قبضًا لمحتواه؟
الذي أميل إليه هو ما اختاره الشيخ سعد الخثلان:
أن الشيك إذا قرب من الشيك المصدق، بحيث يكون في دولة تتوفر فيها حماية كبيرة جدًا له من الناحية التشريعة، والتنفيذية بحيث لا يجرؤ أحد على كتابة شيك بدون رصيد، فإن الشيك وإن لم يكن مصدقًا فإنه بمنزلة القبض لما يحتويه، أما إذا لم يتوفر للشيك الحماية المطلوبة فإنه لا يكون في معنى القبض لما يحتويه، ولا تكفي الحماية من الناحية التشريعية، بل لا بد أن تكون الجهات التنفيذية فيها من الإجراءات الصارمة والحازمة والرادعة ما تعزز ثقة الناس في الشيك، فعلى سبيل المثال بلغت قيمة الشكاوى المقدمة للغرفة التجارية بالرياض للشيكات بدون رصيد فقط عام 1417 هـ أكثر من مليار، و 200 مليون ريال
(1)
، ورغم ضخامة هذا العدد إلا أنه نادرًا ما نسمع بتنفيذ عقوبة في حق مصدر شيك بدون رصيد، ولهذا الوضع لا نستطيع أن نقول: إن استلام الشيك غير المصدق يعتبر قبضًا لما يحتويه خاصة في بلادنا وقت تحرير البحث، والله أعلم
(2)
.
* * *
(1)
جريدة الرياض، العدد (10706)، 15/ 6/1418 هـ وجريدة عكاظ، العدد (11436) 8/ 1418 هـ نقلًا من كتاب أحكام الأوراق التجارية للخثلان (ص: 297).
(2)
انظر أحكام الأوراق التجارية للشيخ سعد الخثلان (ص: 296).