الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثامن
هل يقوم القبض السابق مقام القبض اللاحق
[م - 199] قبل الإجابة على هذا، نبين أن القبض ينقسم إلى قسمين:
قبض ضمان. وقبض أمانة.
فقبض الضمان: هو «ما كان فيه القابض مسؤولًا عن المقبوض تجاه غيره، فيضمنه إذا هلك عنده، ولو بآفة سماوية» . كالمغصوب في يد غاصبه، والمبيع في يد مشتريه.
وقبض أمانة: وهو «ما كان فيه القابض غير مسؤول عن المقبوض إلا بالتعدي، أو التقصير في الحفظ» .
ويرى بعض الفقهاء أن قبض الضمان أقوى من قبض الأمانة، إذا علم هذا، فنأتي للجواب على السؤال المطروح، هل يقوم القبض السابق مقام القبض اللاحق المستحق؟
في هذا خلاف بين العلماء:
فرأى الحنفية أن القبض السابق للعقد إذا كان مثل المستحق بالعقد، فإنه ينوب منابه، بمعنى: أن القبضين إذا تجانسا بأن كانا قبض أمانة، أو كانا قبض ضمان تناوبا؛ لأنه إذا كان مثله، أمكن تحقيق التناوب.
مثال ذلك: أن الشيء إذا كان في يد المشتري بغصب، أو كان مقبوضًا بعقد فاسد، فاشتراه من المالك بعقد صحيح، فينوب القبض الأول عن الثاني حتى لو هلك الشيء قبل أن يذهب المشتري إلى بيته، ويصل إليه، أو يتمكن من أخذه، كان الهلاك عليه، لتماثل القبضين من حيث كون كل منهما يوجب كون المقبوض مضمونًا بنفسه.
وكذا لو كان الشيء في يده وديعة، أو عارية، فوهبه منه مالكه، فلا يحتاج إلى قبض آخر، وينوب القبض الأول عن الثاني، لتماثلهما من حيث كونهما أمانة.
أما إذا اختلف القبضان، فإنه ينوب القبض المضمون عن غيره، لا غير.
مثال ذلك: لو كان الشيء في يده بغصب، أو بعقد فاسد، فوهبه المالك منه، فإن ذلك ينوب عن قبض الهبة، لوجود المستحق بالعقد، وهو أصل القبض، وزيادة ضمان.
أما إذا كان المبيع في يد المشتري بعارية، أو وديعة، أو رهن، فلا ينوب القبض الأول عن الثاني، ولا يصير المشتري قابضًا بمجرد العقد؛ لأن القبض السابق قبض أمانة، فلا يقوم مقام قبض الضمان في البيع؛ لعدم وجود القبض المحتاج إليه
(1)
.
وذهب الجمهور إلى أنه لا حاجة إلى تجديد القبض، بل ينوب القبض السابق للعين مقام القبض اللاحق المستحق مطلقًا، سواء كانت يد القابض عليه يد ضمان، أم يد أمانة.
لأن المراد بالقبض المستحق: إثبات اليد، والتمكن من التصرف في المقبوض، فإذا تحقق هذا الأمر فقد وجد القبض، ولا علاقة لكون المقبوض مضمونًا، أو أمانة في حقيقة القبض، ولا يوجد دليل على أنه ينبغي أن يقع القبض ابتداء بعد العقد، إلا أن الشافعية اشترطوا لذلك شرطين:
أحدهما: الإذن من صاحبه إن كان له في الأصل الحق في حبسه،
(1)
انظر مجمع الضمانات (ص: 217)، الفتاوى الهندية (3/ 22 - 23)، بدائع الصنائع (5/ 148، 248).
كالمرهون، والمبيع إذا كان الثمن حالًا غير منقود، أما إذا لم يكن له هذا الحق، كالمبيع بثمن مؤجل، أو حال بعد نقد ثمنه، فلا يشترط ذلك الإذن.
الثاني: مضي زمن يتأتي فيه القبض إذا كان الشيء غائبًا عن مجلس العقد؛ لأنه لو لم يكن في يده لاحتاج إلى مضي هذا الزمن ليحوزه، ويتمكن منه، ولأنا جعلنا دوام اليد كابتداء القبض، فلا أقل من مضي زمن يتصور فيه ابتداء القبض، ولكن لا يشترط ذهابه ومصيره إليه فعلًا
(1)
.
وهذا هو الراجح إلا أن اشتراط الشافعية أن يمضي زمن يتأتى فيه القبض مع كون القبض سابقًا على العقد شرط مرجوح؛ لأن مضي الزمن ليس من توابع القبض، وليس له مدخل في حقيقته.
* * *
(1)
المدونة (6/ 128)، المنتقى شرح الموطأ (6/ 100)، شرح ميارة (1/ 111)، التاج والإكليل (8/ 16)، مواهب الجليل (6/ 52)، أحكام القرآن لابن العربي (1/ 344)، غاية البيان شرح زبد ابن رسلان (ص:195)، مغني المحتاج (2/ 128)، نهاية المحتاج (4/ 255)، السراج الوهاج (ص: 215)، المحرر (1/ 374)، المغني (5/ 381)، الفروع (4/ 642)، الإنصاف (7/ 122).