الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع السادس
في دخول ماء الأرض في بيع الأرض
تحرير محل الخلاف:
[م -151] ليس الكلام هنا في دخول البئر في بيع الأرض، فإنه لا خلاف بين الفقهاء في دخول ذلك:
(ح-76) فقد روى البخاري معلقًا بصيغة الجزم.
قال البخاري: وقال عثمان: قال النبي صلى الله عليه وسلم: من يشتري بئر رومة، فيكون دلوه فيها كدلاء المسلمين، فاشتراها عثمان رضي الله عنه.
وإذا صح شراء البئر على وجه الاستقلال، جاز شراء الأرض، ودخول البئر تبعًا من باب أولى
(1)
.
(1)
وجاء في الفتاوى الفقهية الكبرى للهيتمي (2/ 267): «وسئل عن بيع الآبار المحفورة الحاصل فيها ماء، إذا شهد على المتبايعين بصدور التبايع الصحيح الشرعي فيها، وفي حقوقها، وطرقها، ومشتملاتها بعد النظر والتقليب الشرعي، ولم يتعرض الشهود للماء الحاصل في الآبار، فهل يصح البيع والماء، مع السكوت عن التصريح به، وهل يشترط في بيعها بيع الماء معها، وهل الإشهاد المذكور كاف في إدخال الماء، وهل إذا اختلف المتبايعان في ذكره، فاحتج المدعي لدخوله بالإشهاد المذكور يكفيه ذلك، أو لا بد من بينة تشهد بصريح ذكره؟
فأجاب بقوله: لا يصح بيع الآبار، إلا إن نص على دخول مائها في البيع، بخلاف ما لو نفاه، أو أطلق، ولا يكفي عن النص عليه قولهما: بحقوقها، على ما قد يقتضيه كلامهم، لاسيما كلام الأنوار، وقد يوجه: بأن الماء ليس من حقوق البئر، فهو كمزارع القرية الخارجة عنها معها، فإنها لا تتناولها، وإن قال بحقوقها. قالوا: لأن العرف لا يقتضي تناولها، لكن يشكل على ذلك قولهم: لا تتناول الأرض مسيل مائها، وشربها من نحو قناة مملوكة حتى يشرطه، أو يقول بحقوقها، إن كان خارجًا عنها، كما صرح به جماعة، فالذي يتجه أن قولهما: بحقوقها بمنزلة النص على دخول الماء قياسًا على ما ذكروه في الأرض مع مسيل الماء ونحوه، بل أولى؛ لأن الحقوق إذا تناولت نحو المسيل والشرب، مع خروجهما عن الأرض، ومع إمكان الانتفاع بها بدونهما، وعدم دخولهما في مسماها، فأولى أن يتناول الماء؛ لأنه ليس بخارج عن البئر، ولا يمكن الانتفاع بها بدونه، ولدخوله في مسماها، وبذلك يفرق بينه وبين ما مر في مزارع القرية معها، فاتجه إلحاق الماء بالمسيل والشرب دون المزارع، على أن قولهما ومشتملاتها ظاهر أو صريح في شمول الماء، إذ هو بمعنى ما اشتملت البئر عليه، ومن جملة ما اشتملت عليه الماء الذي فيها، فحينئذ لا يتوقف في الصورة المسئول عنها، أن الماء يدخل فيها، وإنما الذي فيه نوع توقف، ما لو اقتصر على قوله بحقوقها، إذا تقرر ذلك فبيع الآبار المذكورة في السؤال صحيح، والإشهاد المذكور كاف في دخول الماء، فلا يحتاج المحتج به إلى بينة تشهد بصريح ذكره الماء في العقد».
[م - 152] كما أنه يجوز بيع الماء وحده إذا حازه الإنسان في إناء مثلًا:
(1)
.
وقال المازري في المعلم: «اعلم أن من الناس من زعم أن الإجماع قد حصل على أن من أخذ من دجلة ماء في إنائه، وحازه دون الناس أن له بيعه إلا قولًا شاذًا ذكر في ذلك، لا يعتد بخلافه عنده
…
»
(2)
.
(1)
المفهم (4/ 441).
(2)
المعلم بفوائد مسلم (2/ 189)
يقصد بذلك - والله أعلم - قول ابن حزم، فقد قال رحمه الله في المحلى (7/ 488) مسألة (1512):«ولا يحل بيع الماء بوجه من الوجوه، لا في ساقية، ولا من نهر، أو من عين، ولا من بئر ولا في بئر ولا في صهريج ولا مجموعًا في قربة ولا في إناء .. » .
وخلاف ابن حزم رحمه الله بل خلاف الظاهرية لا شك أنه يعتد به، وهم من جملة المسلمين الذين قال الله تعالى فيهم {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين} [النساء: 115].
ولا يعاب عليهم في الفقه إلا نفيهم للقياس، وقد قالوا ذلك عن اجتهاد، والأخطاء في مذهبهم إذا قورنت بالأخطاء الموجودة في المذاهب الأخرى لم تزد عليها، فالصواب ليس حكرًا على مذهب دون آخر، فكل يصيب ويخطئ، والترجيح بين الأقوال إنما هو بحسب قربه من الدليل الشرعي، ومن قواعد الفقه، ومقاصد الشارع، وإن كان مذهب الظاهرية في المعاملات أضعف منه في العبادات، وذلك لأن الأول أحكامه معللة، والقياس يجري عليها بخلاف الثاني.