الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحنفية
(1)
.
وقد سبق ذكر أدلة كل قول في المجلد الأول.
التنبيه التاسع:
هذا فيما يتعلق بالضوابط، أما أقوال المذاهب في هذا:
[م - 104] فقد ذهب الحنفية أن الجهل بحكم الشرع ليس بعذر، وفرقوا بينه وبين النسيان. قال في بدائع الصنائع: «الجهل بحكم الشرع ليس بعذر، والنسيان عذر، ألا ترى أن من ظن أن الأكل لا يفطر الصائم، فأكل، بطل
(1)
انظر الإحالات في القول الأول.
صومه، ولو أكل ناسيا لا يبطل»
(1)
.
وقيده في العناية في كون الجهل في دار الإسلام، فقال:«الجهل بحكم الشرع في دار الإسلام ليس بعذر»
(2)
.
وخالفهم المالكية، قال الشاطبي: «عمدة مذهب مالك، بل عمدة مذاهب الصحابة اعتبارُ الجهل في العبادات اعتبارَ النسيان على الجملة، فعدوا من خالف في الأفعال أو الأقوال جهلًا على حكم الناسي، ولو كان المخالف في الأفعال دون القصد مخالفًا على الإطلاق لعاملوه معاملة العامد، كما يقول ابن حبيب ومن وافقه، وليس الأمر كذلك، فهذا واضح في أن للقصد الموافق أثرًا، وهو بين في الطهارات والصلاة والصيام والحج، وغير ذلك من العبادات، وكذلك في كثير من العادات كالنكاح والطلاق والأطعمة والأشربة وغيرها.
ولا يقال: إن هذا ينكسر في الأمور المالية، فإنها تضمن في الجهل والعمد؛ لأنا نقول الحكم في التضمين في الأموال شيء آخر؛ لأن الخطأ فيها مساو للعمد في ترتب الغرم في إتلافها»
(3)
.
وفي مذهب الشافعية اعتبر الجهل بمنزلة الخطأ والنسيان.
قال السمعاني في قواطع الأدلة: «وأما الجهل فمثل الخطأ والنسيان، فإن الجهل بالحق لا يكون إلا بالجهل بدليله، وسبب وجوبه، فيكون الإعراض عن إقامته لا عن قصد العصيان والخلاف، بل كما يكون في المخطئ والناسي،
(1)
بدائع الصنائع (5/ 50)، وانظر حاشية ابن عابدين (6/ 299)، البحر الرائق (2/ 282)، المبسوط (11/ 239).
(2)
العناية (3/ 460)، وانظر الفتاوى الهندية (6/ 239).
(3)
الموافقات (3/ 51)، وقد ذكر القرافي في الذخيرة سبع مسائل لا يعذر فيها بالجهل، انظر الذخيرة (7/ 380 - 381).
ويكون الجاهل عاجزًا حكمًا كالناسي، ويكون الجهل عذرًا يؤخر حكم الخطاب، ولا يسقط الوجوب أصلًا كالخطأ، والنسيان»
(1)
.
ولم يطَّرد الحنابلة في العذر بالجهل فتجد أنهم قبلوا دعوى الجهل بتحريم الزنا، وشرب الخمر، إذا كان مثله يجهل لحداثة عهده بالإسلام، أو لكونه نشأ في البادية، ولم يجعلوا الجهل عذرًا في بعض الأحكام، فالجهل في ترك واجب من واجبات الحج يجب فيه عندهم الدم، سواء كان ناسيًا، أو جاهلًا، كما أن قتل الصيد، والوطء وحلق الشعر في الحج يستوي فيه العامد والجاهل والناسي، ومثله ترك الترتيب الواجب في الوضوء، أو في الصلاة، لا يسقط بالجهل.
جاء في شرح منتهى الإرادات: «ولا يحد، ولا يعزر شارب خمر جهل التحريم
…
ولا تقبل دعوى الجهل ممن نشأ بين المسلمين؛ لأنه لا يكاد يخفى»
(2)
.
(3)
.
(1)
قواطع الأدلة (5/ 238).
(2)
شرح منتهى الإرادات (3/ 362)، وانظر الكافي في فقه الإمام أحمد (4/ 201)، شرح العمدة (3/ 403).
(3)
الكافي (4/ 16)، وإذا عرفنا أقوال الفقهاء في الغلط في الحكم الشرعي بسبب الجهل، يقابله في التسمية في القانون ما يسمى (الغلط في القانون)، وهو فهم مسألة قانونية من طريق الخطأ، فإذا بعت بصفتي قيمًا عقارًا مملوكًا للقاصر دون أخذ رضا المحكمة، معتقدًا أن البيع لا تتوقف صحته على إجازة المحكمة، فهذا الغلط يعيب الرضا بمن وقع من جانبه الغلط، وقولنا: يعيب الرضا بمعنى أنه لا يعدمه، فإذا أجازت المحكمة البيع أصبح نافذًا.
يقول القانون المدني المصري في مادته (122): يكون العقد قابلًا للإبطال لغلط في القانون، إذا توافرت فيه شروط الغلط في الواقع طبقًا للمادتين السابقتين، هذا ما لم يقض القانون بغيره.
ويقول القانون الأردني في مادته (154): «للعاقد إذا وقع منه غلط في القانون، وتوافرت شروط الغلط في الواقع طبقًا للمادتين (151، 153) ما لم يقض القانون بغيره» .
ويقول قانون الموجبات اللبناني في مادته (206): إن الغلط القانوني يعتد به، ويعيب الرضا كالغلط العملي.
والصحيح أن الجهل بحكم الشرع عذر إن كان مثله يجهل، إلا ما كان فيه إتلاف فإنه يضمن، احترامًا لأموال الناس، ولدفع الضرر عن الآخرين والله أعلم.
* * *