الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فرع
الأثر الفقهي في تقسيم المال إلى مثلي وقيمي
عرفنا في المبحث السابق تعريف المثلي والقيمي، كما عرفنا قبله أثر هذا التقسيم لدى الفقهاء في تحديد المبيع من الثمن، ولم يكن هذا هو الأثر الوحيد نتيجة هذا التقسيم، بل يوجد آثار كثيرة في أبواب متفرقة، كالضمان، والقرض، والقسمة، وإليك بيانها.
الأول: في تحديد المبيع من الثمن
سبق لنا في مبحث سابق أن المعقود عليه إذا كان أحدهما مثليًا، والآخر قيميًا، فإن الحنفية يرون أن المثلي، هو الثمن لثبوته في الذمة.
وأن القيمي: هو المبيع. وقد ذكرنا الخلاف، ودليل كل قول، فأغنى عن إعادته هنا.
ثانيًا: في استقراض المال
إذا كان المال مثليًا صح أن يكون دينًا في الذمة بالاتفاق، لأنه ينضبط بالصفة، كما جاء في الحديث:(من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم) متفق عليه
(1)
، على خلاف بين العلماء في بعض الأموال هل هي مثلية، أو غير مثلية، كالخلاف في الحيوان.
[م - 114] وأما المال القيمي، فهل يثبت دينًا في الذمة؟
اختلف العلماء في هذه المسألة:
(1)
صحيح البخاري (2241)، ومسلم (1604).
فقيل: المال القيمي لا يثبت دينًا في الذمة، وهو مذهب الحنفية، وأصح القولين في مذهب الشافعية»
(1)
.
(1)
انظر في مذهب الحنفية: الدر المختار (5/ 113)، مجمع الأنهر (2/ 95)، البحر الرائق (6/ 160 - 161)، تبيين الحقائق (4/ 105) و (8/ 339)، فتح القدير (8/ 339)، المبسوط (13/ 20 - 21).
وقال في البحر الرائق (6/ 133): «ويجوز القرض فيما هو من ذوات الأمثال كالمكيل والموزون والعددي المتقارب كالبيض والجوز؛ لأن القرض مضمون بالمثل ولا يجوز في غير المثلي لأنه لا يجب دينا في الذمة .. » .
وقال ابن عابدين في حاشيته (5/ 161): «لا يصح القرض في غير المثلي؛ لأن القرض إعارة ابتداء حتى صح بلفظها، معاوضة انتهاء؛ لأنه لا يمكن الانتفاع به إلا باستهلاك عينه فيستلزم إيجاب المثلي في الذمة وهذا لا يتأتى في غير المثلي» .
وفي المذهب المالكي، قال الدردير في الشرح الكبير مطبوع بهامش حاشية الدسوقي (3/ 222): «يجوز قرض ما يسلم فيه، أي كل ما يصح أن يسلم فيه، من عرض وحيوان مثلي .... أي دون ما لا يصح السلم فيه، كدار وبستان وتراب معدن، وصائغ وجوهر نفيس فلا يصح فيه القرض
…
».
قلت: قد سبق أن رجحت أن جلود الميتة تطهر بالدباغ، فلا حرج في جعل الجلود دينًا في الذمة إلا أن يمنع من بيعها مانع لا لأنها جلود مدبوغة، ولكن لكونه مثلًا أضحية فهذا باب آخر.
وفي مذهب الشافعية، قال في السراج الوهاج (ص: 211): «وما لا يسلم فيه كالذي يندر وجوده، أو لا ينضبط لا يجوز إقراضه في الأصح. ومقابله يجوز» . وانظر التنبيه (ص: 99)، المهذب (1/ 303)، مغني المحتاج (119).
وقيل: يجوز قرض كل شيء إلا الجواري، وهو قول في مذهب المالكية
(1)
.
وقيل: يجوز قرض غير المثلي، ويرد بدلًا منه قيمته، وهو قول في مذهب الشافعية
(2)
،
(1)
الذخيرة (5/ 287)، التمهيد (4/ 66).
واقتراض الجواري فيها خلاف بين الفقهاء،
فقيل: المنع مطلقًا، وهو مذهب الجمهور
وقيل: يجوز اقتراض الجواري، ولكن إن وطئها رد غيرها حتى لا يرد موطوءته، انظر الذخيرة للقرافي (5/ 287).
وقيل: يجوز اقتراض الجواري إذا كان لا يؤدي ذلك إلى الوطء، كما لو كانت الجارية في سن لا يوطأ مثلها، أو المقترض صغيرًا إذا اقترضها له وليه، أو كانت المقترض امرأة، أو ذا رحم منها، أو محرمًا عليه وطؤها لقرابة.
ودليلهم أن المنع إنما كان من أجل ألا يؤدي ذلك إلى إعارة الفروج، وهنا العلة منتفية.
وقيل: يجوز استقراض الإماء مطلقًا، وهذا اختيار المزني، وداود بن علي، وأبي جعفر الطبري، انظر التمهيد (4/ 66)، المحلى (8/ 82 - 83).
وهو الصحيح؛ لأن الأصل الحل، ولا يجوز المنع إلا بدليل من كتاب الله وسنة رسول صلى الله عليه وسلم، ولا يوجد دليل يمنع من ذلك.، وإذا اقترض الرجل عينًا فقد ملكها، وجاز له التصرف فيها بالبيع وغيره، وإذا جامعها فقد جامع ملك اليمين، وهذا جائز بنص القرآن، وإنما المحذور أن يطأ جارية غيره. والقاعدة الفقهية تقول: ما جاز بيعه جاز قرضه، والله أعلم. وسوف يأتي إن شاء الله تحرير الخلاف فيها بشكل موسع، مع بيان الراجح في باب القرض، أسال الله سبحانه وتعالى أن يبلغنا إياه بحوله وقوته.
(2)
قال في المهذب (1/ 303): «ويجوز قرض كل مال يملك بالبيع، ويضبط بالوصف؛ لأنه عقد تمليك يثبت العوض في الذمة، فجاز فيما يملك ويضبط بالوصف كالسلم، فأما ما لا يضبط بالوصف كالجواهر وغيرها ففيها وجهان:
أحدهما: لا يجوز؛ لأن القرض يقتضي رد المثل، وما لا يضبط بالوصف لا مثل له.
والثاني: يجوز؛ لأن ما لا مثل له يضمنه المستقرض بالقيمة، والجوهر كغيرها في القيمة». وانظر السراج الوهاج (ص: 211).