الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثانية
في قبض الثمار على الشجر
[م - 191] الثمر على الشجر ألحقته في قبض ما لا ينقل بناء على مذهب الجمهور الذين يجيزون بقاءه إلى أوان الجذاذ،
وقد اختلف العلماء في قبض الثمر على الشجر:
فقيل: قبضه بالتخلية، وهذا مذهب الحنفية
(1)
، والشافعية
(2)
، والحنابلة
(3)
.
قال العز بن عبد السلام: «الثمار على الأشجار إذا أينعت وبدا صلاحها، الأصح، أن تخليتها قبض لها»
(4)
.
وقيد بعض الشافعية ذلك بكون الثمرة المبيعة قبل أوان الجذاذ، أما إذا اشتراها وقت قطعها، فحكمها في القبض حكم المنقولات.
(1)
انظر عمدة القارئ (12/ 8)، وجاء في حاشية ابن عابدين (5/ 70):«ويصح تسليم ثمار الأشجار، وهي عليها بالتخلية، وإن كانت متصلة بملك البائع» . وقد مر معنا في باب: شمول المبيع، وما يدخل فيه بالبيع: أن مذهب الحنفية يرون أن المشتري لا يملك إبقاء الثمر على الشجر، وإنما موجب العقد عندهم القبض الناجز بكل حال، فإذا رأوا أن التخلية كافية في القبض، فهو متسق مع مذهبهم في أن المشتري لا يحق له أن يبقي الثمر على الشجر، بخلاف مذهب الجمهور الذي يرى أن المشتري له أن يبقي الثمر إلى أوان الجذاذ.
(2)
أسنى المطالب (2/ 108)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 84)، تحفة المحتاج (4/ 467)، نهاية المحتاج (4/ 153)، غاية البيان بشرح زبد ابن رسلان (ص: 187)،.
(3)
كشاف القناع (3/ 247 - 248)، كشف المخدرات (ص: 406)، شرح منتهى الإرادات (2/ 85)، مطالب أولي النهى (3/ 202).
(4)
قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 84).
(1)
.
ويرى بعض المالكية وبعض الحنابلة أن التخلية ليست قبضًا، أو ليست قبضًا تامًا، وأن قبض الثمار على الشجر لا يكون إلا بتمام الاستيفاء، وذلك إنما يكون بتمكن المشتري من جذاذها؛ لأن الثمار على الشجر لا يجوز بيعها قبل بدو صلاحها، فإذا بدا صلاحها جاز بيعها، ولمشتريها أن يبقيها إلى أوان الجذاذ، فقبل جذاذها لا يعتبر قد تمكن من استيفائها، والقبض التام لا يكون إلا بتمام الاستيفاء، ولذلك إذا تلفت بآفة سماوية كانت من ضمان البائع، ولو حدث الاستيفاء لكانت من ضمان المشتري.
(1)
فتاوى الرملي (2/ 144)، وانظر تحفة المحتاج (4/ 410)، نهاية المحتاج (4/ 93).
يقول ابن تيمية رحمه الله: «إن اشترى ثمرًا قد بدا صلاحه، فأصابته جائحة أتلفته قبل كمال صلاحه، فإنه يتلف من ضمان البائع ..... والحديث قد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: إذا بعت من أخيك ثمرة فأصابتها جائحة، فلا يحل لك أن تأخذ من مال أخيك شيئًا. بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق؟
والاعتبار يؤيد هذا القول، فإن المبيع تلف قبل تمكن المشتري من قبضه، فأشبه ما لو تلفت منافع العين المؤجرة قبل التمكن من استيفائها. فإذا قيل: هذه الثمرة تلفت بعد القبض؟ قيل: قبض الثمرة التي لم يكمل صلاحها من جنس قبض المنافع؛ فإن المقصود إنما هو جذاذها بعد كمال الصلاح
…
»
(1)
.
وقال الباجي في المنتقى كلامًا نحو هذا، حيث يقول:
(2)
.
ويرى ابن قدامة أن تخلية الثمار على الشجر قبض غير تام، قال في المغني:
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى (30/ 260).
(2)
المنتقى (4/ 232).
(3)
المغني (4/ 86).
وقال البهوتي في كشاف القناع في معرض بيانه بوضع الجوائح:
«وإن تلفت ثمرة
…
بجائحة سماوية .... ولو كان التلف بعد قبضها وتسليمها بالتخلية؛ لأنها ليست بقبض تام، فوجب كونه من ضمان البائع، كما لو لم يقبض، رجع المشتري على بائع الثمر التالفة»
(1)
.
ويفهم من هذا الكلام أن القبض منه ما هو تام، ومنه ما هو ناقص، وقد اعترف الحنفية بهذا التقسيم للقبض ولكن خصوه فيما فيه حق توفيه فقط، كما تقدم، قال الكاساني:«إن أصل القبض يحصل بالتخلية في سائر الأموال، واختلفوا في أنها هل هي قبض تام فيها، أم لا؟»
(2)
.
وسوف نناقش مسألة وضع الجوائح، ومسألة الضمان، وارتباطه بالتصرف في مسألة مستقلة إن شاء الله تعالى.
* * *
(1)
كشاف القناع (3/ 285).
(2)
بدائع الصنائع (5/ 244)، والفرق بين تقسيم الحنفية وتقسيم المالكية والحنابلة أن الحنفية جعلوا التخلية قبضًا ناقصًا في المبيع الذي لا يجوز فيه للمشتري التصرف فيه بالبيع قبل قبضه، وإن كانت التخلية تؤدي إلى نقل الضمان من البائع إلى المشتري، بينما المالكية والحنابلة جعلوا التخلية قبضًا ناقصًا في مبيع الثمر على الشجر من جهة كون الضمان على البائع، وليس على المشتري، وإن كان له أن يتصرف فيه بالبيع ونحوه.