الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
في معادن الأرض
[م - 146] ذهب عامة الفقهاء إلى أن المعادن إن كانت جامدة، كالذهب، والفضة والنحاس، والرصاص، أنها تدخل في بيع الأرض؛ لأنها تعتبر جزءًا من الأرض
(1)
.
قال ابن قدامة: «فإن كان في الأرض معادن جامدة كمعادن الذهب والفضة والحديد والنحاس والرصاص ونحوها دخلت في البيع وملكت بملك الأرض التي هي فيها ; لأنها من أجزائها فهي كترابها، وأحجارها ولكن لا يباع معدن الذهب بذهب ولا معدن الفضة بفضة ويجوز بيعها بغير جنسها
…
»
(2)
.
وأما مذهب الحنفية، فإنه يمكن أن يستنبط الحكم عندهم من مسألة مشابهة، فإنهم نصوا على أن الإنسان لو اشترى سمكة، فوجد فيها لؤلؤة، فهي للمشتري؛ لأن السمك يأكل الصدف، والصدف فيه اللؤلؤ، فكان بمثابة ما لو اشترى سمكة، فوجد فيها سمكة أخرى. قلت: كذلك الأرض من شأنها أن يوجد فيها معادن جامدة
(3)
.
وجاء في مختصر الإنصاف والشرح الكبير: «وإن ظهر في الأرض معدن، لا
(1)
جاء في حاشية الدسوقي (3/ 171): «وأما ما تخلق فيها من معادن فهو للمشتري
…
»، وانظر الفروق للقرافي (3/ 284)، المهذب (1/ 278)، روضة الطالبين (3/ 547)، الكافي في فقه الإمام أحمد (2/ 74)، المغني (4/ 70)، كشاف القناع (3/ 274)، مطالب أولي النهى (3/ 190).
(2)
المغني (4/ 70).
(3)
بدائع الصنائع (5/ 167).
يعلم به البائع، فله الخيار، وروي أن ولد بلال بن الحارث باعوا عمر ابن عبد العزيز أرضًا، فظهر فيها معدن، فقالوا: إنما بعنا الأرض، ولم نبع المعدن، وأتوا عمر بالكتاب الذي فيه، قطيعة النبي صلى الله عليه وسلم لأبيهم، فأخذه، وقبله، ورد عليهم المعدن، وعن أحمد: إذا ظهر المعدن في ملكه ملكه، وظاهره أنه لم يجعله للبائع، ولا جعل له خيارًا»
(1)
.
وجاء في شرح منتهى الإرادات: «وإن ظهر ذلك في الأرض - يعني المعدن - ولم يعلم به بائع، فله الفسخ»
(2)
.
ويرى أن ثبوت الخيار للبائع لا ينافي القول بأن المعدن من حق المشتري؛ لأنه لو كان للبائع مطلقًا للزم البيع في حق المشتري، ولوجب على المشتري تسليمه للبائع، وإنما ثبوت الخيار للجهل بالمبيع، ألا ترى أن الرجل لو اشترى نخلة قد أبرت، فثمرتها للبائع، ومع ذلك لو ادعى المشتري أنه يجهل الحكم، وأنه اشترى النخلة باعتبار أن الثمرة داخلة معها، ثبت له الخيار إن كان مثله يجهل.
قال في الإنصاف: «لو اشترى أرضًا فيه زرع للبائع، أو شجرًا فيها ثمر للبائع، وظن دخوله في البيع، أو ادعى الجهل به، ومثله يجهله، فله الفسخ»
(3)
. وبهذا يفهم ما جاء عن الشوكاني في السيل الجرار.
جاء فيه (ولا يدخل معدن)
قال الشوكاني في شرح ذلك: «وجه هذا: أن البائع لو علم به لم تطب نفسه
(1)
مختصر الإنصاف (ص: 489).
(2)
شرح منتهى الإرادات (2/ 80).
(3)
الإنصاف (5/ 59).
بالثمن الذي تراضيا عليه، فقد كشف ذلك عن اختلال التراضي، الذي هو المناط في نقل الأملاك، وإذا اختل فلا بيع، فلا بد بعد انكشاف المعدن والدفين ونحوهما من التراضي عن البيع، بثمن تطيب به نفساهما، فإن وقع منهما ذلك كان بيعًا جديدًا، وهكذا الكلام فيما وجد في بطن الشاة أنه مستحق للبائع، وأما التفصيل بين كونه إسلاميًا، أو كفريًا، فلا دخل له في الباب، بل ذلك حكم آخر يعمل البائع فيه بما يقتضيه الشرع، وهكذا حكم العنبر في سمك ونحوه، والحاصل أن من عرف أن مناط أحكام البيع الشرعية هو التراضي لم يستبعد هذا، ومن خفي عليه فمن نفسه أتي»
(1)
.
* * *
(1)
السيل الجرار (3/ 120).