الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الرابعة
الغلط بسبب الجهل بالحكم الشرعي
الجهل: هو اعتقاد الشيء على خلاف ما هو به
(1)
.
وقيل: عدم العلم ممن شأنه العلم
(2)
.
وهو نوعان: مركب وبسيط:
فالمركب: هو عبارة عن اعتقاد جازم غير مطابق للواقع، بمعنى أنه لا يدرك أنه جاهل، فهذا من الجهل المركب.
والبسيط: انتفاء العلم بالمقصود، بأن لم يدرك أصلًا، و يعلم أنه لا يعلم، وهذا ليس عيبًا في الأصل، قال تعالى:{وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل: 78].
تأثير الغلط بسبب الجهل بالحكم الشرعي (أو الجهل بالقانون)
[م - 101] قال القرافي: «كل من فعل فعلًا أو قال قولًا، أو تصرف تصرفًا من المعاملات أو غيرها، لا يجوز له الإقدام عليه حتى يعلم حكم الله تعالى في ذلك. فإن تعلم، وعمل أطاع الله تعالى طاعتين: بالتعلم الواجب، وبالعمل إن كان قربة، وإلا فبالتعلم فقط. وإن لم يتعلم، ولم يعمل فقد عصى الله معصيتين: بترك التعلم، وبترك العمل إن كان واجبًا، وإلا فبترك التعلم فقط.
وإن تعلم، ولم يعمل أطاع الله تعالى بالتعلم الواجب، وعصى بترك العمل
(1)
كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (4/ 330).
(2)
البحر المحيط (1/ 100).
إن كان واجبًا وإلا فلا. ونقل الإجماع على هذه القاعدة الشافعي رضي الله عنه في رسالته، والغزالي في إحياء علوم الدين .. »
(1)
.
والأصل أن الجهل يرفع الإثم.
قال السيوطي: «اعلم أن قاعدة الفقه أن النسيان والجهل مسقط للإثم مطلقًا .. »
(2)
.
(3)
.
وهل يرفع الجهل الحكم المترتب، كما لو باع بيعًا يشترط في صحته القبض، ولم يتقابضا جهلًا منهما بوجوبه؟ أو زنى جاهلًا، أو قَتَلَ شخصًا جاهلًا، فهل يحد أو يقتل، أو يسقط عنه ذلك بسبب جهله؟
وللجواب على ذلك نستطيع أن نقول: إنه ليس هناك قاعدة مطردة في أمور التكاليف، بحيث نقول: الجهل يرفع الحكم، أو لا يرفع، فهناك أمور متفق على أن الجهل يرفع الحكم، وهناك أمور على عكسها، وفيه أمور محل خلاف، فهناك نصوص تدل على العذر بالجهل، كالمسيء صلاته لم يطلب منه إعادة تلك الصلوات، ومثله المستحاضة حيث كانت تتوهم أنها حيض، فجاءت إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي تشكو أنها حبستها عن الصلاة والصيام، ولم يطلب منها
(1)
الذخيرة للقرافي (6/ 28).
(2)
الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 188).
(3)
إعانة الطالبين (1/ 223)، حاشية البجيرمي على الخطيب (2/ 82).
الرسول صلى الله عليه وسلم فعل الصلوات التي تركتها، ومنها صلاة عمار حين أجنب مع أنه لم يأت بالصفة المشروعة في التيمم، وإنما تمرغ كما تتمرغ الدابة، ومنها صاحب العقالين عندما أكل متوهمًا أنهما الخيط الأبيض والخيط الأسود، ولم يؤمر بالقضاء، ومنها لما أفطر الصحابة في يوم غيم ظنًا منهم أن الشمس قد غربت، ثم طلعت الشمس، ولم ينقل أنهم قضوا، ونصوص كثيرة، فالاقتصار على هذه النصوص فقط نزعة ظاهرية، وفتح الباب على الإطلاق قال الشاطبي:«خرق لا يرقع، والاقتصار فيه على بعض النصوص دون بعض تحكم يأباه العقل والنقل»
(1)
.
(2)
.
وقال أيضًا: «الجهل قسمان: منه ما يتعذر الاحتراز منه غالبًا، أو فيه مشقة، فجعله الشارع عذرًا لمن ابتلي به .... ومنه ما ليس كذلك، فلا يعذر به
…
وإلا فالأصل أن الجهل لا يجدي خيرًا، ولا يكون عذرًا»
(3)
.
ومن الصعوبة أن أتتبع جميع فروع المسائل في كتاب يبحث في باب المعاملات فقط، ولكني سأشير إلى أهم ما يكشف غموض هذا الباب، وما لم يذكر يقاس على ما ذكر.
(1)
الموافقات (1/ 168).
(2)
الفروق (2/ 149 - 150).
(3)
الذخيرة (6/ 29).