الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحديث ضعيف بهذا الإسناد، حسن بطرقه]
(1)
.
نوقش هذا الحديث:
الحديث ليس على شرط البخاري، ومقصود البخاري في ذكره ما كان موصولًا منه، وهو حديث (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)
(2)
.
(1)
سيأتي من خلال مناقشة الحديث بيان طرق الحديث، والكلام عليه إن شاء الله تعالى.
(2)
جاء في تهذيب السنن (9/ 171): «انفرد بإخراجه البخاري، وقد استدرك عليه روايته له عن الحي، وهم غير معروفين، وما كان هكذا فليس من شرط كتابه» .
وبين ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام أن البخاري لم يقصد إخراج هذا الحديث، وإنما كان مقصوده إخراج حديث عروة المتصل، والذي هو على شرطه:(الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)، فجرى في سياق القصة من قصة الدينار ما ليس من مقصوده، ولا على شرطه مما حدث به شبيب، عن الحي، عن عروة، وهذا نص ابن القطان رحمه الله تعالى في بيان الوهم والإيهام (5/ 164 - 165):
«يجب أن تعرف أن نسبة الخبر إلى البخاري كما ينسب إليه ما يخرج من صحيح الحديث خطأ، فإنه رحمه الله قد يعلق ما ليس من شرطه إثر التراجم، وقد يترجم بألفاظ أحاديث غير صحيحة، ويورد الأحاديث مرسلة، فلا ينبغي أن يعتقد في هذه كلها أن مذهبه صحتها، بل ليس ذلك بمذهب إلا فيما يورده بإسناده موصولًا على نحو ما عرف من شرطه.
ولم يعرف من مذهب البخاري تصحيح حديث في إسناده من لم يسم، كهذا الحديث، بل يكون عنده بحكم المرسل، فإن الحي الذي حدث شبيبًا لا يعرفون، ولا بد أنهم محصورون في عدد، وتوهم أن العدد الذي حدثه عدد يحصل بخبرهم التواتر، بحيث لا يوضع فيهم النظر بالجرح والتعديل يكون خطأ، فإذن الحديث هكذا منقطع؛ لإبهام الواسطة فيه بين شبيب وعروة، والمتصل منه هو ما في آخره من ذكر الخيل، وأنها معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، ولذلك أتبعه الأحاديث بذلك من رواية ابن عمر، وأنس، وأبي هريرة، وكلها في الخيل، ولنورد ما أورده بنصه ليكون تبيين ذلك ما أمكن:
ذكر في باب سؤال المشركين أن يريهم آية، فأراهم انشقاق القمر أحاديث فيها إخباره عما يكون، فكان منها: حدثنا علي بن عبد الله، حدثنا سفيان، حدثنا شبيب بن غرقد، قال: سمعت الحي يتحدثون عن عروة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارًا، يشتري له به شاة، فاشترى له شاتين، فباع إحداهما بدينار وشاة، فاشترى له شاتين، فباع إحداهما بدينار، =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= فجاءه بدينار وشاة، فدعا له بالبركة في بيعه، وكان لو اشترى التراب لربح فيه. قال سفيان: كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه، قال: سمعه شبيب من عروة، فأتيته، فقال شبيب: إني لم أسمعه من عروة، قال: سمعت الحي يخبرونه عنه، ولكن سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، قال: وقد رأيت في داره سبعين فرسًا .... وبعده عنده (أي البخاري) عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم: الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة.
وبعده عن أنس، عن النبي صلى الله عليه وسلم:(الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)
وبعده عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم:(الخيل ثلاثة: لرجل أجر، ولرجل ستر، وعلى رجل وزر .... ) فقد ترى من هذا أن الأحاديث تتضمن الخيل في نواصيها الخير، فأورد به حديث عروة، وما بعده، واعتمد في إسناد سفيان، عن شبيب بن غرقدة، قال: سمعت عروة، وجرى في سياق القصة من قصة الدينار ما ليس من مقصوده، ولا على شرطه مما حدث به شبيب عن الحي، عن عروة، فاعلم ذلك» انتهى كلامه رحمه الله، وهو كما قال.
وساق المنذري دليلًا آخر على أن مراد البخاري ليس قصة الدينار، وإنما حديث الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة، لو أراد البخاري مسألة بيع الفضولي لأوردها في كتاب البيوع.
وتعقب الحافظ ابن حجر رحمه الله كلام ابن القطان والمنذري، وهذا نصه:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وأنا أميل إلى ترجيح كلام ابن القطان، فإن البخاري في صحيحه لم يخرج حديثًا قط على شرطه اعتمادًا على تلقي الناس له بالقبول، أو اعتمادًا على كثرة العدد في الإسناد، مع العلم أن القطع بأن العدد كثير جدًا هو من باب الظن لا أكثر، بل كان اعتماد البخاري على الإسناد، ولعل الحافظ لم ير أن الحديث على شرط البخاري، ولذلك قال الحافظ تعقيبًا على كلام ابن القطان:«وهو كما قال» وقد نقلنا عبارته فيما سبق، فإن كان قوله: وهو كما قال: بأن الحديث ليس على شرط البخاري فهذا هو ما أردت بيانه، وإذا حكمنا على أن الحديث ليس على شرط البخاري، وأن في إسناده مبهمًا، كما قال الحافظ:«الصواب أنه متصل في إسناده مبهم» وبمقتضى القواعد يكون إسناد الحديث ضعيفًا، ويبقى النظر في صحة الحديث بالنظر إلى الطرق الأخرى، والتي سوف نستكشفها إن شاء الله تعالى في السطور التالية.
فالحديث أخرجه سفيان بن عيينة، واختلف عليه فيه:
فأخرجه الشافعي في مسنده (1/ 252).
وأحمد (4/ 375) في مسنده.
والحميدي (841) في مسنده، ومن طريق الحميدي، أخرجه الطبراني في الكبير (17/ 158) برقم 411، 412.
والبخاري (3642) حدثنا علي بن المديني، ومن طريق البخاري أخرجه البيهقي (6/ 112).
وأبو داود (3384) حدثنا مسدد.
والبيهقي (6/ 111) من طريق سعدان بن نصر، كلهم عن سفيان بن عيينة، عن شبيب ابن غرقدة، حدثني الحي، عن عروة.
وخالفهم أبو بكر بن أبي شيبة، فرواه في مصنفه (7/ 303) رقم: 36293، ومن طريق ابن أبي شيبة أخرجه ابن ماجه (2402)، والطبراني في الكبير، عن سفيان، عن شبيب بن غرقدة، عن عروة البارقي، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
«وشبيب قد صرح بأنه لم يسمعه من عروة، كما ذكر البخاري في صحيحه، وإن كان قد سمع منه حديث الخيل معقود في نواصيها الخير، وقد سبق الكلام في هذا فلا حاجة إلى إعادته.
الطريق الثاني: الحسن بن عمارة، عن شبيب، عن عروة.
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (14831) أخبرنا الحسن بن عمارة، قال: أخبرنا شبيب ابن غرقدة، عن عروة بن أبي الجعد البارقي. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال البخاري في صحيحه: قال سفيان: كان الحسن بن عمارة جاءنا بهذا الحديث عنه، قال: سمعه شبيب من عروة، فأتيته، فقال شبيب: إني لم أسمعه من عروة، قال: سمعت الحي يخبرونه عنه .. ».
فتبين من هذا أن إسناد الحسن بن عمارة إسناد منكر لمخالفة الحسن من هو أوثق منه، ولكون شبيب أنكر ما رواه عنه، وقد قال الحافظ في الحسن بن عمارة:«هو أحد الفقهاء المتفق على ضعف حديثهم» . فهذا الإسناد لا يزيد الحديث قوة، لأن مداره على شبيب، وقد صرح شبيب بأنه لم يسمعه من عروة.
الطريق الثالث: سعيد بن زيد، عن الزبير بن خريت، عن أبي لبيد، عن عروة.
أخرجه أحمد (4/ 376)، وأبو داود (3385)، وابن ماجه (2402)، والترمذي (1258)، والطبراني في الكبير (17/ 421)، والبيهقي في السنن (6/ 112) من طريق سعيد بن زيد به.
وسعيد بن زيد هو أخو حماد بن زيد، وقد ضعفه جماعة، وقواه آخرون، جاء في ترجمته:
قال أحمد: ليس به بأس. الجرح والتعديل (4/ 21).
وقال علي بن المديني: سمعت يحيى يعني القطان ضعف سعيد بن زيد أخا حماد بن زيد في الحديث جدًا. المرجع السابق.
قال سليمان بن حرب: حدثنا سعيد بن زيد، وكان ثقة. المرجع السابق.
وقال ابن حبان: كان صدوقًا حافظًا، ممن كان يخطئ في الأخبار، ويهم في الآثار، حتى لا يحتج به إذا انفرد. المجروحين (1/ 320).
وقال النسائي: ليس بالقوي. الضعفاء له (275).
وقال الذهبي في الكاشف: قال جماعة ليس بالقوي، ووثقه ابن معين.
قلت: قال عثمان بن أبي شيبة: سألت يحيى بن معين عن سعيد بن زيد، فقال: ضعيف. ضعفاء العقيلي (2/ 105).
وقال العجلي: ثقة. معرفة الثقات (590).
وقال البخاري: قال مسلم: حدثنا سعيد بن زيد، أبو الحسن، صدوق حافظ. التاريخ الكبير (3/ 472).
وقال ابن عدي: ولسعيد بن زيد غير ما ذكرت، أحاديث حسان، وليس له متن منكر لا يأتي به غيره، وهو عندي في جملة من ينسب إلى الصدق. الكامل (3/ 377).
ولخص حاله الحافظ في التقريب، فقال: صدوق له أوهام. =