الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
في حكم بيع المكره
المسألة الأولى
في الإكراه بحق
قال ابن عابدين: الإكراه بحق لا يعدم الاختيار شرعًا
(1)
.
وقال البجيرمي: «الفعل مع الإكراه بحق كالفعل مع الاختيار»
(2)
.
وقال الماوردي: الإجبار على بيع الأملاك لا يجوز إلا في رهن أو غريم مفلس
(3)
.
[م - 95] الإكراه على البيع قسمان: إكراه بحق، وإكراه بغير حق.
فالإكراه بحق له أمثلة كثيرة، منها: إكراه الحاكم المدين على بيع ماله لوفاء دينه. فهذا الإكراه لا يؤثر في صحة العقد، ولا يفسد الرضا، لإقامة رضا الشرع مقام رضا المالك، ويصح البيع عند أهل العلم، وحكي فيه الإجماع.
قال ابن تيمية: «من كان قادرا على وفاء دينه وامتنع، أجبر على وفائه بالضرب والحبس ونص على ذلك الأئمة من أصحاب مالك، والشافعي، وأحمد، وغيرهم.
(1)
حاشية ابن عابدين (6/ 128).
(2)
حاشية البجيرمي على الخطيب (4/ 473).
(3)
الحاوي (6/ 124 - 125).
قال أبو العباس: ولا أعلم فيه نزاعًا .... وللحاكم أن يبيع عليه ماله ويقضي دينه»
(1)
.
وقال ابن عابدين: «الإكراه بحق لا يعدم الاختيار شرعًا»
(2)
.
وقال النووي: «القاضي بالخيار إن شاء باع ماله بغير إذنه لوفاء الدين، وإن شاء أكرهه على بيعه، وعزره بالحبس وغيره حتى يبيعه»
(3)
.
وقال ابن رجب في القواعد: «لو امتنع من وفاء دينه، وله مال، فباع الحاكم ماله، ووفاه عنه صح، وبرئ من الضمان»
(4)
.
ومنها بيع الرهن إذا امتنع من عليه دين من الوفاء، فإن الحاكم يجبره على الوفاء، فإن امتنع كان الحاكم مخيرًا إن شاء أجبره على البيع، وإن شاء باعه الحاكم عليه
(5)
.
«ومن الإكراه بحق: إكراه الحاكم من عنده طعام على بيعه عند حاجة الناس إليه .. »
(6)
.
قال الحطاب في مواهب الجليل: «أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام، واضطر الناس إليه، ولم يجدوا غيره أجبر على بيعه، دفعًا للضرر عن الناس»
(7)
.
(1)
الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 397).
(2)
حاشية ابن عابدين (6/ 128).
(3)
المجموع (9/ 186)، وانظر المنثور في القواعد الفقهية (1/ 196).
(4)
القاعدة السادسة والتسعون (ص: 221)، وانظر شرح منتهى الإرادات (2/ 7)، كشاف القناع (3/ 150).
(5)
الإنصاف (5/ 162 - 163).
(6)
حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 196).
(7)
مواهب الجليل (4/ 227).
ومن الإكراه بحق الجبر على بيع الأرض للطريق أو لتوسيع المسجد، ولم أقف على من خالف في جواز نزع الملكية الخاصة للصالح العام بشرط العوض بالقيمة ويدفع ما يلحقه من ضرر
(1)
.
جاء في الدر المختار «تؤخذ أرض ودار وحانوت بجنب مسجد ضاق على الناس بالقيمة كرهًا»
(2)
.
قال ابن عابدين تعليقًا: «وذلك لما روي عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم لما ضاق المسجد الحرام أخذوا أرضين بكره من أصحابها بالقيمة، وزادوا في المسجد الحرام
…
ولعل الأخذ كرها ليس في كل مسجد ضاق بل الظاهر أن يختص بما لم يكن في البلد مسجد آخر؛ إذ لو كان فيه مسجد آخر يمكن دفع الضرورة بالذهاب إليه، نعم فيه حرج، لكن الأخذ كرها أشد حرجًا منه، ويؤيد ما ذكرنا فعل الصحابة إذ لا مسجد في مكة سوى الحرام»
(3)
.
والذي عليه مجلة الأحكام العدلية أن الحكم معلق بالحاجة، وليس بالضرورة، فوجود المشقة على الناس كاف في نزع ملكية أرض صاحبها.
وهذا نص المجلة «يؤخذ لدى الحاجة ملك أي أحد بقيمته بأمر السلطان ويلحق بالطريق ولكن لا يؤخذ ملكه من يده ما لم يؤد له الثمن»
(4)
(1)
حاشية ابن عابدين (6/ 128)، الخرشي (5/ 10)، مواهب الجليل (4/ 248، 253)، حاشية الدسوقي (3/ 6)، المعيار المعرب (1/ 244)، التقرير والتحبير (2/ 207)، المجموع (9/ 186)، المنثور في القواعد الفقهية (1/ 196)، الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 211)، شرح منتهى الإرادات (2/ 7)، كشاف القناع (3/ 150).
(2)
الدر المختار (4/ 379).
(3)
حاشية ابن عابدين (4/ 379)،
(4)
انظر المادة (1216).
(1)
.
وأشار الونشريسي: بأن مالكًا وأصحابه المتقدمين والمتأخرين لم يختلفوا فيه
(2)
.
«وقال ابن هبيرة: رأيت بخط ابن عقيل حكى عن كسرى أن بعض عماله أراد أن يجري نهرًا فكتب إليه أنه لا يجري إلا في بيت لعجوز فأمر أن يشتري منها فضوعف لها الثمن فلم تقبل فكتب كسرى أن خذوا بيتها؛ فإن المصالح الكليات تغفر فيها المفاسد الجزئيات.
قال ابن عقيل: وجدت هذا صحيحًا فإن الله، وهو الغاية في العدل يبعث المطر والشمس فإن كان الحكيم القادر لم يراع نوادر المضار لعموم المنافع فغيره أولى»
(3)
.
(1)
درر الحكام في شرح مجلة الأحكام (3/ 234).
(2)
المعيار المعرب (1/ 244).
(3)
الفروع (4/ 5).
وقال الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية في عصره: «نزع الملكية ليس من باب البيع الحقيقي المتوفرة فيه شروط البيع، وإنما هو اقتضاء إلزامي اقتضته المصلحة العامة لتوسعة شارع وخلافه، وتعويض المالك بهذا العوض»
(1)
.
وإذا جوزنا ذلك فلا بد من مراعاة أمور لا بد من توفرها حتى تكون المعاملة سائغة شرعًا، من ذلك:
(1)
ـ أن يكون في نزع الملكية مصلحة عامة للناس، وليست مصلحة خاصة لأفراد منهم.
(2)
ـ أن يكون تقدير المصلحة تلك إلى محكمة شرعية، وليست الجهة الحكومية المطالبة بنزع الملكية، فإذا قدرت المحكمة الشرعية بأن هناك حاجة عامة إلى هذه الأرض وقضت بذلك كانت الجهة الحكومية المعنية جهة منفذة لا أكثر.
(3)
ـ أن يكون التعويض فيه غبطة للمالك، بحيث يكون مقدار التعويض زائدًا عن ثمن المثل مراعاة للأضرار التي تلحق المالك، فإن المالك إذا خرج من أرضه قد يأخذ وقتًا طويلًا حتى يبني سكنًا آخر يؤويه وعائلته، مع ما يتطلبه البناء من مشقة ووقت، وإذا استأجر سكنًا آخر لحقه في ذلك خسائر مادية
(2)
.
(1)
الاختيارات الجليلة من المسائل الخلافية بهامش نيل المآرب (3/ 8).
(2)
وطلبة العلم لهم في مقدار التعويض ثلاثة أقوال:
أحدها: وهو أضعفها، أن للوالي أن يأخذها بلا ثمن، وهو اختيار الشيخ علي الخفيف رحمه الله. وقد عرض رأيه في ذلك في بحث قدمه إلى المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامية، وانظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي (4/ 2/ص: 1002).
الثاني: الواجب ثمن المثل، وهو ما عليه أكثر الباحثين، ونص عليه قرار مجمع الفقه الإسلامي، وسيأتي نقل القرار بنصه.
الثالث: وهو ما اخترته، أن يكون في الثمن غبطة للمالك بحيث يكون التعويض: ثمن المثل مضافًا إليه الأضرار الحاصلة بانتزاع ملكيته، وذلك أن الإنسان حتى يبني له سكنًا بديلًا سيتحمل أضرارًا، من ذلك أجرة لمكان يأويه وأولاده إلى حين الفراغ من بناء سكنه، مع ما يتحمله من مشاق البناء والقيام عليه، فلا يكفي أن يدفع له ثمن المثل، ولا يكون في ضمن التقدير تلك الأضرار والتكاليف التي سوف يتحملها نتيجة لذلك. وقد قال صلى الله عليه وسلم: لا ضرر، ولا ضرار.
(4)
ـ أن يكون الثمن حالًا، وليس مؤجلًا، فإن الرجل لو طلب أن يشتري بديلًا قد لا يجد من يقرضه إلا أن يكون ذلك برضا المالك.
وبعد أن وضعت هذه الشروط باجتهاد مني، رأيت قرارًا للمجمع الفقهي قد راعى أكثر هذه الشروط، وإن كان المجمع قد اختلف مع بعضها، وزاد عليها، لذا رأيت أن أنقل قرارهم بنصه، ليقارن مع ما تقدم ذكره.
ففي قرار مجمع الفقه الإسلامي رقم (4) د 4/ 08/88.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية، من 18 - 23 جمادى الآخرة 1408 هـ
…
بعد الاطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع انتزاع الملك للمصلحة العامة.
وفي ضوء ما هو مسلم في أصول الشريعة، من احترام الملكية الفردية، حتى أصبح ذلك من قواطع الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، وأن حفظ المال أحد الضروريات الخمس التي عرف من مقاصد الشريعة رعايتها، وتواردت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على صونها، مع استحضار ما ثبت بدلالة السنة النبوية وعمل الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من نزع ملكية العقار للمصلحة
العامة تطبيقًا لقواعد الشريعة العامة في رعاية المصالح، وتنزيل الحاجة العامة منزلة الضرورة، وتحمل الضرر الخاص لتفادي الضرر العام. قرر ما يلي:
أولًا: يجب رعاية الملكية الفردية وصيانتها من أي اعتداء عليها، ولا يجوز تضييق نطاقها، أو الحد منها، والمالك مسلط على ملكه، وله في حدود المشروع التصرف فيه بجميع وجوهه، وجميع الانتفاعات الشرعية.
ثانيًا: لا يجوز نزع ملكية العقار للمصلحة العامة إلا بمراعاة الضوابط والشروط الشرعية التالية:
1 -
أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل، يقدره أهل الخبرة، بما لا يقل عن ثمن المثل.
2 -
أن يكون نازعه ولي الأمر أو نائبه في ذلك المجال.
3 -
أن يكون النزع للمصلحة العامة التي تدعو إليها ضرورة عامة، أو حاجة عامة تنزل منزلتها كالمساجد والطرق والجسور.
4 -
أن لا يؤول العقار المنزوع من مالكه إلى توظيفه في الاستثمار العام، أو الخاص، وألا يعجل نزع ملكيته قبل الأوان.
فإن اختلت هذه الشروط أو بعضها كان نزع ملكية العقار من الظلم في الأرض، والغصوب التي نهى الله تعالى عنها، ورسوله.
على أنه إذا صرف النظر عن استخدام العقار المنزوعة ملكيته في المصلحة المشار إليها تكون أولوية استرداده لمالكه الأصلي، أو لورثته بالتعويض العادل.
* * *