الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الثاني
اشتمال المعقود عليه على منفعة مباحة
[م -122] يجب أن يكون المعقود عليه مشتملًا على منفعة مباحة مطلقًا.
لأن بذل المال في مقابلة ما لا منفعة فيه يعتبر من إضاعة المال، وقد نهينا عن إضاعة المال.
(ح-61) ما رواه الشيخان من طريق الشعبي، عن كاتب المغيرة.
عن المغيرة قال: إن الله كره لكم قيل وقال: وإضاعة المال، وكثرة السؤال
(1)
.
كما أن أخذ المال في مقابل ما لا منفعة فيه يعتبر من أكل أموال الناس بالباطل، وقد قال تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [البقرة:188].
ويكفي أصل المنفعة وإن قَلَّت قيمتها، كما في التراب والماء، ولا يقدح في المنفعة إمكانية تحصيلها بلا مؤنة أو تعب
(2)
.
جاء في مواهب الجليل «إذا تقرر اشتراط المنفعة فيكفي مجرد وجودها وإن قلت ولا يشترط كثرة القيمة فيها ولا عزة الوجود بل يصح بيع الماء
(1)
البخاري (2408)، ومسلم (593).
(2)
يسمي الحنفية هذا الشرط بقوله: يجب أن يكون المعقود عليه مالًا متقومًا، أي ذا قيمة، لأنهم يقسمون المال إلى متقوم، وغير متقوم،
ويسمي الجمهور هذا الشرط بأن يكون مشتملًا على منفعة مباحة.
انظر المادة (199، 210، 211) من مجلة الأحكام العدلية، المبسوط (12/ 193)، تحفة الفقهاء (2/ 34)، حاشية ابن عابدين (4/ 505)، ومواهب الجليل (4/ 263)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (3/ 22)، عقد الجواهر الثمينة (2/ 620 - 621)، معالم القربة في معالم الحسبة (ص: 56)، قواطع الأدلة للسمعاني (5/ 272)، المجموع (9/ 270)، كشاف القناع (3/ 152).
والتراب والحجارة؛ لتحقيق المنفعة .. »
(1)
.
كما ينظر في المنفعة استحقاقها في المآل، ولا يشترط وجودها في الحال، كما لو اشترى جحشًا صغيرًا جدًا للركوب عليه، أو اشترى أرضًا سبخة ليعالجها، ثم يزرعها، إلا في الحبوب والثمار فيشترط بدو صلاحهما، وسيأتي الكلام عليهما في باب مستقل إن شاء الله تعالى
(2)
.
ويستثنى من ذلك الآدمي الحر، فإنه وإن كان مشتملًا على منفعة، فلا يجوز بيعه.
(ح-62) لما روى البخاري من طريق إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن أبي سعيد.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة، رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا، فاستوفى منه، ولم يُعْطِ أجره
(3)
.
كما استثنى الجمهور بيع أم الولد كذلك
(4)
.
(1)
مواهب الجليل (4/ 265).
(2)
انظر بدائع الصنائع (5/ 139).
(3)
صحيح البخاري (2227).
(4)
ذهب جماهير أهل العلم إلى أن أم الولد لا يجوز بيعها، وهو مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية، والحنابلة، واختيار ابن حزم، انظر أحكام القرآن للجصاص (1/ 166)، المبسوط (7/ 149)، الفصول في الأصول (3/ 309)، المنتقى للباجي (6/ 22)، الشرح الصغير (4/ 565)، المجموع (9/ 290)، مطالب أولي النهى (4/ 770)، المحلى (7/ 505 - 506).
وقيل: إن للشافعي قولًا قديمًا بجواز بيعهن، انظر المجموع (9/ 290)، وكونه لا يوجد في عصرنا أمهات الأولاد فلا أرى الاشتغال بهذه المسألة، والإطالة فيها.
واختلفوا في بيع المدبر
(1)
.
ويمكن تقسيم الأشياء بالنسبة إلى المنفعة إلى أقسام:
القسم الأول: ما لا منفعة فيه أصلًا إما لقلته كالحبة من الحنطة، أو لخسته كحشرات الأرض من الخنافس ونحوها، فلا يجوز بيعه.
القسم الثاني: ما كان جميع منافعه محرمة، وهذا في الحكم بمنزلة ما لا منفعة فيه؛ لأن المنفعة المحرمة وجودها كعدمها.
(1)
قيل: لا يجوز بيع المدبر مطلقًا، وهو مذهب الحنفية، ورواية عن مالك.
انظر البحر الرائق (4/ 287)، المبسوط (7/ 179)، تحفة الفقهاء (2/ 278)، حاشية ابن عابدين (5/ 56).
وجاء في التفريع لابن الجلاب (2/ 10): «ومن باع مدبره فسخ بيعه .. » . وانظر المفهم للقرطبي (4/ 358).
وقيل: يجوز بيع المدبر مطلقًا، وهو مذهب الشافعية، والمشهور من مذهب الحنابلة، واختيار ابن حزم.
قال النووي في المجموع: «مذهبنا جواز بيع المدبر، سواء كان محتاجًا إلى ثمنه أم لا، وسواء كان على سيده دين أم لا، وسواء كان التدبير مطلقًا أو مقيدًا، هذا مذهبنا» . انظر الوسيط (3/ 468)، المهذب (1/ 261).
وجاء في الإنصاف (7/ 438): «وله بيع المدبر وهبته، هذا المذهب مطلقًا بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب
…
». شرح منتهى الإرادات (2/ 595)، كشاف القناع (4/ 535).
وقيل: لا يجوز بيعه إلا في دين سابق على التدبير في حياة سيده، وليس عنده ما يجعله في الدين، وأما الدين المتأخر عن التدبير فلا يباع فيه المدبر في حياة سيده، ويباع فيه بعد موته. وهذا مذهب المالكية. حاشية العدوي (2/ 299)، الفواكه الدواني (2/ 136)،
وقيل: يجوز بيعه إن احتاج إلى ذلك صاحبه، وهو رواية عن أحمد.
وقد فضلت عدم الإطالة في هذه المسألة؛ لعدم جدواها في العصر الحاضر؛ لعدم وجود الرق في أسواق المسلمين اليوم، لذلك ذكرتها في الحاشية، وإنما اقتضى الإشارة إلى ذلك حين تأصيل مسألة اشتراط وجود المنفعة في المعقود عليه ..
القسم الثالث: ما فيه منافع محللة، ومنافع محرمة، وهذا القسم هو الذي يكثر فيه الخلاف، ويمكن تقسيمه إلى أقسام:
(أ) أن يكون جل منافعه، والمقصود منها محرمًا، والحلال منها تبعًا، فهذا يلحق بالقسم المنهي عن بيعه، ولذلك قال تعالى عن الخمر {قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} [البقرة:219].
(ب) أن يكون جل المنافع والمقصود منها حلالًا، والمحرم تبعًا، فيلحق بالقسم الجائز بيعه، كما في بعض البيوع التي فيها غرر يسير، أو غير مقصود.
(ج) أن يكون فيه منافع مقصودة حلال، وفيه منافع مقصودة حرام، فهذا قد يختلف الحكم بحسب الغرض الذي عقد لأجله البيع، كجهاز التلفاز، والسلاح، والعنب، فإن من اشترى التلفاز ليرى فيه ما حرم الله، أو اشترى السلاح لغرض القتل المحرم، أو اشترى العنب بقصد عصره خمرًا حرم البيع في كل ذلك، وإن اشتراه لغرض منافعه المباحة كان ذلك مباحًا، والله أعلم
(1)
.
إذا علم هذا، فإن تطبيقات اشتراط أن يكون في المعقود عليه منفعة مباحة يدخل فيه مسائل كثيرة سوف نتعرض لها بالبحث، وما لم يذكر منها يكون إن شاء الله تعالى مقيسًا عليها، من ذلك: بيع المصحف، والهر، والقرد، والفيل، وسباع البهائم والطير، والحشرات، ولبن الآدميات، والسم، وبيع الدمى (لعب الأطفال المجسمة).
* * *
(1)
انظر مواهب الجليل (4/ 263)، الوسيط (3/ 20).