الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني
في قبض المشاع من الأسهم والوحدات الاستثمارية
[ن-6] يذهب عامة العلماء المعاصرين في توصيف السهم بأنه يمثل حصة شائعة في الشركة وموجودتها.
وإذا كان الشرط في البيع أن يكون مقدورًا على تسليمه، والشرط في الرهن أن يقبض المرتهن المال المرهون، ويحوزه حيازة دائمة، فهنا يقال: إن الحصة المالية الشائعة في صافي أصول الشركة، أو المشروع مقدور على تسليمها بتسليم الصك نفسه. وقد قرر المالكية أن قبض وثيقة الدين تقوم مقام قبض الدين نفسه، في صحة عقد الرهن، وتمامه، مع أن القبض شرط في تمام الرهن، بنص القرآن الكريم، في قوله:{فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283]
(1)
.
فالقبض معنى عام يكون في كل شيء بحسبه، وقد أجاز الفقهاء التصرف في الحصة الشائعة، ولم يشترطوا الإفراز في صحة البيع، كما أجاز عامة الفقهاء المعاصرين التصرف في أسهم الشركات المساهمة، ولا شك أن السهم يمثل حصة شائعة في صافي موجودات الشركة، التي تتكون من أعيان، وحقوق، ومنافع، ونقود، وديون في ذمة الغير، وقرروا أن للمجموع حكما يختلف عن حكم كل فرد من أفراده، وجعلوا الحكم للغالب.
(1)
انظر: المدونة (5/ 340)، أحكام القرآن لابن العربي (1/ 344)، مواهب الجليل (5/ 4)، الشرح الكبير (3/ 231)، حاشية الدسوقي (3/ 231)، الفواكه الدواني (2/ 166)، القوانين الفقهية (ص: 212)، الكافي لابن عبد البر (ص: 416)، الذخيرة (8/ 79)، الخرشي (5/ 236).
وإذا تم بيع السهم، فإن حيازة الصك، وقبضه، يعد حيازة للحصة الشائعة نفسها، كحكم من أحكام العقد، وأثر من الآثار المترتبة عليه، فيعد حامل السهم حائزًا للحصة الشائعة التي يمثلها، وجميع الآثار المترتبة على القبض الشرعي تتحقق بحيازة الصك، فيستطيع التصرف في هذه الأسهم بلا قيود، بيعًا وشراء، ورهنًا ونحو ذلك، ويبرأ البائع من هذه الأسهم براءة تامة، فلا يحق للمشتري الرجوع عليه، وتثبت يده الحكمية على هذه الأسهم بحيازة الصك.
ومن المعلوم أن قبض الأسهم في العصر الحاضر يتم عبر القيد المصرفي في المحافظ الاستثمارية
(1)
، وهذا القيد كاف في تحقق القبض الشرعي للأسهم؛ وذلك لأن القيد المصرفي لحساب المشتري يمكنه من التصرف فيه بالبيع، والرهن، ونحو ذلك،، وهذا الرأي هو قول عامة العلماء المعاصرين، وممن ذهب إلى هذا اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
(2)
، و مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي.
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي ما نصه:
«أولًا: قبض الأموال كما يكون حسيًا في حالة الأخذ باليد، أو الكيل، أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتبارًا وحكمًا
(1)
عرف القيد المصرفي بعض الباحثين: بأنه إجراء كتابي يقوم به المصرف (البنك) في سجلاته، يثبت به استحقاق شخص معين لمبلغ محدد من المال في ذمة المصرف. انظر القبض وأحكامه - للشيخ عبد الله الربعي (1/ 102) رسالة دكتوراة لم تطبع بعد.
(2)
فتاوى اللجنة الدائمة (13/ 503)، وانظر الخدمات الاستثمارية في المصارف يوسف الشبيلي (2/ 39)، أحكام الاكتتاب في الشركات المساهمة للشيخ حسان السيف (ص: 119).
بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسًا. وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضًا لها.
ثانيًا: إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا، وعرفًا.
1 -
القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
(أ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة، أو بحوالة مصرفية.
(ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حالة شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل .... »
(1)
.
إذا عرفنا هذا في ما يتعلق بقبض السهم، فإن الحكم فيه لا يختلف عن قبض شهادة الاستثمار (الصك)، باعتبار أن شهادة الوحدة الاستثمارية هي عبارة عن صكوك تمثل حق ملكية لصاحبها في حصة مشاعة من إجمالي المبالغ المستثمرة لدى البنك، فشهادة الوحدة الاستثمارية تشبه إلى حد كبير جدًا شهادات الأسهم، فكلاهما يمثل حصة مشاعة في الوعاء الاستثماري المقسم إلى وحدات استثمارية أو أسهم
(2)
.
(1)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي (6/ 1/771).
(2)
والفروق بين الأسهم وبين شهادات الاستثمار هي فروق فنية، منها:
لا يملك المستثمر في الوحدات الاستثمارية الحق في المشاركة في اتخاذ القرار، أو انتخاب أعضاء مجلس إدارة الصندوق، أو المحفظة، بخلاف المساهم في الشركات المساهمة.
ومن الفروق: أن الجهة المخولة بإصدار الأسهم: هي الشركات المساهمة، بينما الوحدات الاستثمارية يتولى إصدارها البنوك والمصارف من خلال صناديق الاستثمار، والحسابات الاستثمارية والادخارية في المصارف. انظر الخدمات الاستثمارية في المصارف للدكتور الشبيلي (1/ 140).
وإذا كانت الأسهم والشهادات الاستثمارية تمثل عروضًا وحقوقًا ومنافع ونقودًا، فإن حيازة الصك كاف في حيازة ما يمثله إن شاء الله تعالى، ولكن السؤال فيما لو كانت الأسهم والشهادات الاستثمارية لا تمثل إلا نقودًا فقط، فهل حيازة الصك والحالة هذه يعتبر قبضًا لما تمثله من النقود، وأن هذا القبض الحكمي كاف في حصول التقابض الشرعي المشروط لصحة هذه المعاملة، أو لابد من مراعاة أحكام الصرف من وجوب القبض الحقيقي باليد، وليس القبض الحكمي؟ هذه المسألة اختلف فيها الفقهاء المعاصرون، وسوف نناقشها إن شاء الله تعالى في كتاب الربا والصرف نسأل الله تعالى أن يبلغنا ذلك بحوله وقوته.
* * *