الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الرابع:
(ح-60) ما رواه البخاري ومسلم من طريق ابن شهاب، عن أبي بكر ابن عبد الرحمن.
عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحلوان الكاهن
(1)
.
ونوقش هذا:
بأن العلماء قد اختلفوا في نجاسة الكلب، وقد حررت كلامهم في كتابي أحكام الطهارة (أحكام النجاسات) وعلى القول بأنه نجس، وهو الصحيح، فإن العلة في المنع من بيعه مختلف فيها، فيرى بعض أهل العلم أن العلة النجاسة، ويرى آخرون أن العلة النهي عن اتخاذه، والأمر بقتله، ولا يمنع الإنسان من اقتناء السرجين النجس، فدل على وجود الفرق، وسيأتي إن شاء الله تعالى في بحث مستقل حكم بيع الكلب، وذكر أدلة الفريقين، بلغنا الله ذلك بمنه وكرمه.
الراجح:
الخلاف في المسألة قوي، ولكل قول وجهة، فإن قلنا: يجوز بيع النجس إذا كان مشتملًا على منفعة، فما بال الميتة منع الشارع من بيعها مع وجود بعض المنافع، وإذا كان النهي عن الانتفاع بالميتة لكونها نجسة، فالناس ما زالوا ينتفعون بالأشياء النجسة كالكلاب، وسباع البهائم، والطير الصالحة للصيد، والذي أميل إليه: أن النجس الذي لا يمكن تطهيره إذا كان فيه منفعة، والناس محتاجون إليه، ولم يكن منهيًا عن بيعه بخصوصه، كالكلب، والميتة، فإنه لا حرج في بيعها؛ لأن المنفعة مال، ولأن الأعيان النجسة تملك، والملك سبب لإطلاق التصرف، والمنفعة المباحة يباح استيفاؤها، فيجوز أخذ العوض
(1)
صحيح البخاري (2237)، وصحيح مسلم (1567).
عليها، وأما ما نص على النهي عن بيعه من النجاسات، فلا يجوز بيعه، ولو كان مشتملًا على منفعة، هذا أحسن ما رأيت أن أذهب إليه، احترامًا للنص الشرعي، ولعدم التناقض، قال الشوكاني: «بيع تلك الأعيان المنصوص عليها في الأحاديث حرام باطل، ومن جادل في ذلك، وألزم بإلزامات مذهبية فهو منتصب للرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لنا ولكون فلان لم يعمل بكذا، أو ترك العمل بكذا فلزمه كذا، فإن هذه المباحثة بالجهل أشبه منها بالعلم، واستعمال القواعد الجدلية عند الكلام على الأدلة الشرعية من التلاعب الذي لا يرضاه متدين، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل
…
»
(1)
.
وأما المتنجس الذي يمكن تطهيره فهذا لا حرج في بيعه، وذلك مثل جلد الميتة إذا دبغ، فإنه بمنزلة الثوب تلحقه النجاسة، فيغسل، فيكون طاهرًا، وقد حررت الخلاف في طهارة جلد الميتة بالدباغ
(2)
ورجحت طهارته.
وإذا علم ذلك فإن تطبيقات هذا الشرط (أعني اشتراط طهارة المعقود عليه) يدخل فيه مسائل كثيرة،، منها حكم بيع الكلب، وبيع الميتة، وبيع الدم، وبيع السرجين، وبيع سباع البهائم والطير التي تصلح للصيد، وغيرها من المباحث، والتي سوف نناقشها إن شاء الله تعالى في فصل موانع البيع.
* * *
(1)
السيل الجرار (3/ 36).
(2)
انظر كتابي: موسوعة أحكام الطهارة، المجلد الأول، باب الآنية.