الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بعد أن ذكر أقوالهم) أنَّه لو سجد قبل السلام أو بعده للزيادة أو النقص أنَّه يجزئه، ولا تفسد صلاته، وإِنّما اختلافهم في الأفضل".
ونقل الماوردي الإِجماع على الجواز وإِنّما الخلاف في الأفضل (1). كما في "الفتح"(3/ 94).
الأحوال التي يشرع فيها
(2).
1 -
إِذا سلّم قبل إِتمام الصلاة لحديث ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "صلّى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إِحدى صلاتَي العَشيِّ (3)، إِمَّا الظهر وإِمَّا العصر، فسلَّمَ في ركعتين ثمَّ أتى جِذعاً (4) في قبلة المسجد فاستند إِليها مُغضَباً، وفي القوم أبو بكر وعمر، فهابا أن يتكلَّما وخرج سَرَعانُ النّاس (5) قُصِرت الصلاة، فقام ذو اليدين (6) فقال: يا رسول الله! أقُصِرت الصلاة أم نَسيت؟ فنظر النّبيّ صلى الله عليه وسلم يميناً وشمالاً، فقال: "ما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: صدق، لم تُصلِّ إلَاّ ركعتين، فصلّى ركعتين وسلّم ثمَّ كبَّر ثمَّ سجد، ثمَّ كبّر
(1) وخالف ذلك شيخ الإِسلام رحمه الله كما في "الفتاوى"(23/ 36) فارجع إِليه -إِن شئت-.
(2)
عن "فقه السنّة" -بتصرف وزيادة- من "الفتارى" و"الروضة الندية" و"تمام المنّة".
(3)
العَشيّ: ما بعد الزوال إِلى المغرب، وانظر "النهاية".
(4)
في رواية للبخاري: "ثمَّ قام إِلى خشبة في مُقدَّم المسجد فوضع يده عليها".
(5)
قال الحافظ في "الفتح"(3/ 100): "كأنّه جمع سريع، والمراد بهم: أوائل الناس خروجاً من المسجد، وهم أصحاب الحاجات غالباً".
(6)
سمّي بذلك لطولٍ كان في يديه.
فرفع، ثمَّ كبَّر وسجد، ثمَّ كبّر ورفع (1) قال: وأخبرْتُ عن عمران بن حصين أنَّه قال: وسلّم".
2 -
عند الزيادة على الصلاة؛ لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم صلّى الظهر خمساً، فلمّا سلّم قيل له: أزيد في الصلاة؟ قال: وما ذاك؟ قالوا: صلَّيت خمساً، فسجد سجدتين (2).
3 -
عند نسيان مسنون؛ لحديث ثوبان رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لكلِّ سهوٍ سجدتان بعد ما يسلِّم"(3).
وبيّن الشوكاني رحمه الله في "السيل الجرار"(1/ 275): أنَّ السجود لترك مسنون لا يكون واجباً، لئلا يزيد الفرع على أصله، فغايته أن يكون مسنوناً كأصله. ولم يَرِد في ترْك المسنون ما يدلّ على وجوب سجود السهو له
…
بل يختصّ الوجوب بما ورد الأمر به؛ كالأحاديث التي فيها "ليسجد سجدتين" وليس ذلك في ترك المسنون. انتهى.
وأشار إِلى ذلك شيخنا -حفظه الله تعالى- في "تمام المنّة"(ص 273).
4 -
عند نسيان التشهّد الأوسط؛ لحديث عبد الله بن بحينة -رضي الله
(1) أخرجه البخاري: 1229، ومسلم: 573، وهذا لفظه وتقدّم.
(2)
انظر صحيح البخاري: 1226، وصحيح مسلم: 572، و"صحيح سنن أبي داود"(895)، و"صحيح سنن الترمذي"(321)، و"صحيح سنن ابن ماجه"(991).
(3)
أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما، وهو حديث حسن كما أشار شيخنا -حفظه الله- إلى ذلك في "تمام المنّة"(ص 273) و"الإِرواء"(2/ 47).
عنه- أنَّه قال: "إِنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر لم يجلس بينهما، فلمّا قضى صلاته؛ سجد سجدتين، ثمَّ سلّم بعد ذلك"(1).
وعن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا قام الإِمام في الركعتين؛ فإِنْ ذكر قبل أن يستويَ قائماً فليجلس، فإِن استوى قائماً فلا يجلس ويسجد سجدتي السهو"(2).
قال شيخنا -حفظه الله- في "الصحيحة": "وهو يدلّ على أنَّ الذي يمنع القائم من العودة إِلى التشهُّد، إِنّما هو إِذا استتمّ قائماً، فأمّا إِذا لم يستتمَّ قائماً؛ فعليه الجلوس، ففيه إِبطال القول الوارد في بعض المذاهب: إِنه إِذا كان أقرب إِلى القيام لم يرجع، وإذا كان أقرب إِلى القعود قعد؛ فإِنَّ هذا التفصيل؛ مع كونه ممَّا لا أصل له في السنَّة؛ فهو مخالف للحديث، فتشبَّثْ به، وعضَّ عليه بالنواجذ، ودع عنك آراء الرجال
…
".
وانظر للمزيد -إِن شئت- الحديث (2457) من "الصحيحة" وما ذكر شيخنا -شفاه الله وعافاه- من الفوائد.
5 -
عند الشكّ في عدد الركعات أو السجدات.
عن عبد الرحمن بن عوف قال: سمعْت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "إِذا سها أحدكم
(1) أخرجه البخاري: 1225، ومسلم: 570، وانظر "صحيح سنن أبي داود"(907)، و"صحيح سنن الترمذي"(320)، و"صحيح سنن ابن ماجه"(992)، و"صحيح سنن النسائي"(1196).
(2)
أخرجه أحمد والدارقطني وأبو داود وغيرهم، وانظر "الصحيحة"(321) و"الإِرواء"(408).
في صلاته، فلم يدْر واحدة صلّى أو اثنتين، فليبْنِ على واحدة، فإِن لم يدر ثنتين صلّى أو ثلاثاً؟ فليبْن على ثنتين، وإِن لم يدر ثلاثاً صلّى أو أربعاً؟ فليبن على ثلاث، وليسجد سجدتين قبل أن يُسلّم" (1).
وعن أنس عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا شكّ أحدكم في صلاته فلم يدر اثنتين صلّى أو ثلاثاً، فليُلْقِ الشكّ، وليبن على اليقين"(2).
فإِذا شكّ المصلي أسجد سجدة واحدة أم سجدتين، بنى على الأقلّ، ثمَّ سجد سجدتي السهو.
وقد تقدّم حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِذا شكَّ أحدكم في صلاته فلم يدْر كم صلّى؟ ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشكّ، وليَبْنِ على ما استيقن، ثمَّ يسجدُ سجدتين قبل أن يسلّم. فإِن كان صلّى خمساً؛ شَفعن له صلاته، وإِنْ كان صلّى إِتماماً لأربع؛ كانتا ترغيماً للشيطان".
قال شيخنا -حفظه الله تعالى- في "تمام المنّة"(ص 273) - بتصرّف-: "
…
قد جاء عنه صلى الله عليه وسلم ما يدلّ على أنَّ الحديثين المشار إِليهما ليسا على إِطلاقهما، بل هما مقيّدان بمن لم يغلب على رأيه شيء، فهذا هو الذي يبني على الأقلّ، وأمّا من ظهر له الصواب، ولو كان الأكثر، فإِنَّه يأخذ به ويبني عليه، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إِذا شَكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصواب
(1) أخرجه أحمد والترمذي وابن ماجه وغيرهم وانظر "الصحيحة"(1356).
(2)
أخرجه البيهقي وسنده صحيح وانظر "الصحيحة" تحت الحديث رقم (1356).
(في رواية: فلينظر أحرى ذلك إِلى الصواب. وفي أخرى: فلينظر الذي يرى أنَّه الصواب. وفي أخرى: فليتحرّ أقرب ذلك من الصواب)، فليتمّ عليه، ثمَّ ليسلّم، ثمَّ يسجد سجدتين".
أخرجه الشيخان وأبو عوانة في "صحاحهم"، والرواية الثانية والثالثة لهم إلَاّ البخاري، والرابعة للنسائي، وهو عندهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
وإِنَّ قوله صلى الله عليه وسلم: "فلينظر الذي يرى أنَّه الصواب"؛ كالصريح في الأخذ بما يغلب على رأيه، ويؤيّده قوله في حديث أبي سعيد:"فلم يَدْرِ كمْ صلّى"، فإِنَّ مفهومه أنَّ من تحرّى الصواب بعد الشكّ حتى درى كم صلّى - أنه ليس له أن يبنيَ على الأقلّ، بل حُكم هذه المسألة مسكوت عنه في هذا الحديث، وقد تولّى بيانه حديث ابن مسعود، حيث أمرَ صلى الله عليه وسلم فيه بالأخذ بما يظنّ أنَّه أقرب إِلى الصواب، سواءٌ كان الأقلّ أو الأكثر، ثمَّ يسجد بعد التسليم سجدتين.
وأمّا في حالة الحيرة وعدم الدراية، فإِنَّه يبني على الأقلّ، ويسجد قبل التسليم، وفي هذا إِشارة إِلى اختلاف ما في الحديثين من الفقه، فتأمّل.
وبعد: فإِن هذه المسألة تحتاج كثيراً من البسط والشرح والتحقيق، ولعل ما ذكرتُه هاهنا؛ يكفي في بيان ما أردْته من إِثبات وجوب الأخذ بالظنّ الغالب إِذا وجد، وهو خلاصة رسالة كنت ألّفْتها في هذه المسألة؛ رددتُ فيها على النووي بتفصيل، وبيَّنتُ فيها معنى الشكّ المذكور في حديث أبي سعيد، ومعنى التحري الوارد في حديث ابن مسعود
…
".