الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 -
"ربّنا ولك الحمد، حمداً كثيراً طيِّباً مبارَكاً فيه، [مباركاً عليه؛ كما يحبّ ربنا ويرضى] ".
قاله رجل كان يصلّي وراءه صلى الله عليه وسلم بعدما رفع صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة وقال: "سمع الله لمن حمده"، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من المتكلّم آنفاً؟ " فقال: أنا يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد رأيت بضعة وثلاثين مَلَكاً يبتدرونها (1) أيهم يكتبها أولاً"(2).
التسميع على كلّ مصلٍّ سواءٌ أكان إِماماً أو مأموماً أو منفرداً:
عن أنس بن مالك قال: "سقط النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن فرس فَجُحِش (3) شقُّه الأيمن، فدخَلنا عليه نَعُودُه، فحضرت الصلاة، فصلّى بنا قاعداً، فصلّينا وراءه قعوداً، فلمّا قضى الصلاة قال: إِنّما جُعل الإِمام ليؤتمّ به، فإِذا كبّر فكبِّروا، وإِذا سجد فاسجدوا، وإِذا رفع فارفعوا، وإِذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربّنا ولك الحمد، وإِذا صلّى قاعداً فصلّوا قعوداً أجمعُون"(4).
قال شيخنا -حفظه الله- في "صفة الصلاة"(ص 135): "تنبيه: هذا الحديث لا يدل على أنَّ المؤتمّ لا يشارك الإِمام في قوله: "سمع الله لمن حمده"، كما لا يدلّ على أنَّ الإِمام لا يشارك المؤتمّ في قوله: "ربّنا ولك الحمد"؛ إِذ أنَّ الحديث لم يُسَق لبيان ما يقوله الإِمام والمؤتمّ في هذا
(1) أي: يعجلون لرفعها ويستبقون إِلى ذلك. "المحيط".
(2)
أخرجه مالك، والبخاري: 799، وأبو داود.
(3)
أي: خُدش.
(4)
أخرجه البخاري: 805، ومسلم: 411، وتقدّم بدون ذِكر المناسبة.
الركن؛ بل لبيان أن تحميدَ المؤتم إِنّما يكون بعد تسميع الإِمام، ويؤيد هذا أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول التحميدَ وهو إِمام، وكذلك عموم قوله عليه الصلاة والسلام:"صلّوا كما رأيتموني أصلّي"، يقتضي أن يقول المؤتمّ ما يقوله الإِمام كالتسميع وغيره.
ومن شاء زيادة الاطلاع؛ فليراجع رسالة الحافظ السيوطي في هذه المسألة: "دفع التشنيع في حكم التسميع" ضِمن كتابه "الحاوي للفتاوى"(1/ 529) انتهى كلام شيخنا -حفظه الله تعالى-.
وبتسميع المأموم يقول الإِمام النووي (1) كما في "شرح مسلم"(4/ 193): "
…
وأنّه يُستحبّ لكلّ مصلٍّ من إِمام ومأموم ومنفرد؛ أن يقول: "سمع الله لمن حمِده؛ ربنا لك الحمد، ويجمع بينهما فيكون قوله: يسمع الله لمن حمده في حال ارتفاعه، وقوله: ربّنا ولك الحمد في حال اعتداله لقوله صلى الله عليه وسلم: "صلُّوا كما رأيتموني أصلِّي". [وقد تقدّم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقول: "سمع الله لمن حمِده؛ حين يرفع صلبه من الركعة، ثمَّ يقول وهو قائم: ربّنا ولك الحمد"(2).
قال شيخنا في "تمام المنّة"(ص190): بعد أن ذكر الحديث السابق، وأشار إِلى تخريجه في "الإِرواء" بزيادات كثيرة: "من الواضح أنَّ في هذا الحديث ذِكْرين اثنين:
أحدهما: قوله: "سمع الله لمن حمده" في اعتداله من الركوع.
(1) وبه يقول الكرماني كذلك (5/ 105).
(2)
أخرجه أحمد والشيخان، وانظر "الإرواء"(331).
والآخر: قوله: "ربنّا ولك الحمد" إِذا استوى قائماً.
فإِذا لم يقل المقتدي ذِكر الاعتدال، فسيقول مكانه ذِكر الاستواء، وهذا أمر مشاهَد من جماهير المصلين، فإِنّهم ما يكادون يسمعون منه:"سمع الله لمن حمده"؛ إلَاّ وسبقوه بقولهم: "ربّنا ولك الحمد"، وفي هذا مخالفة صريحة للحديث، فإِنْ حاول أحدهم تجنُّبها وقع في مخالفة أخرى، وهي إِخلاء الاعتدال من الذكر المشروع فيه بغير حُجّة.
قال النووي رحمه الله (3/ 420): "ولأنَّ الصلاة مبنية على أن لا يفتر عن الذِّكر في شيء منها، فإِنْ لم يقل بالذِّكرين في الرفع والاعتدال؛ بقي أحد الحالين خالياً عن الذكر".
بل إِنني أقول [الكلام لشيخنا -حفظه الله-]: إِن التسميع في الاعتدال واجب على كل مصلّ؛ لثبوت ذلك في حديث "المسيء صلاته" فقد قال صلى الله عليه وسلم فيه: "إِنها لا تتمّ صلاة أحدكم حتى يُسبغ الوضوء كما أمَره الله
…
ثمَّ يكبّر
…
ويركع حتى تطمئن مفاصله وتسترخي، ثمَّ يقول: سمع الله لمن حمده، ثمَّ يستوي قائماً حتى يقيم صلبه
…
" الحديث (1).
فهل يجوز لأحد بعد هذا أن يقول بأن التسميع لا يجب على كلّ مصلٍّ؟! ". اهـ وانظر للمزيد من الفائدة "فتح الباري" تحت الحديث (796).
هذا وقد ثبت أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول حين الاعتدال من الركوع:
(1) أخرجه أبو داود والنسائي والسياق له، وغيرهما بسند صحيح. وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(804).