الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإِسلام وصلاة من الصلوات فمن زعم أنّه يعتبر فيها ما لا يعتبر في غيرها من الصلوات لم يسمع منه ذلك إلَاّ بدليل وقد تخصصت بالخطبة وليست الخطبة إلَاّ مجرد موعظة يتواعظ بها عباد الله فإِذا لم يكن في المكان إلَاّ رجلان قام أحدهما يخطب واستمع له الآخر ثمَّ قاما فصليا صلاة الجمعة".
الجمعة لا تخالف الصلوات إِلَاّ في مشروعيّة الخطبة قبلها
(1):
وهي كسائر الصلوات لا تُخالفُها؛ لكونه لم يأت ما يدلّ على أنها تخالفها في غير ذلك، وفي هذا الكلام إِشارة إِلى ردّ ما قيل: إِنّه يُشترط في وجوبها الإِمام الأعظم، والمصر الجامع، والعدد المخصوص، فإِنّ هذه الشروط لم يدلّ عليها دليل يفيد استحبابها؛ فضلاً عن وجوبها، فضلاً عن كونها شروطاً، بل إِذا صلّى رجلان الجمعة في مكان لم يكن فيه غيرهما جماعةً، فقد فعلا ما يجب عليهما، ولولا حديث طارق بن شهاب المذكور (2) من تقييد الوجوب على كلّ مسلم بكونه في جماعة، ومن عدم إِقامتها صلى الله عليه وسلم في زمنه في غير جماعة، لكان فعْلها فرادى مجزئاً كغيرها من الصلوات.
ومن تأمَّل فيما وقع في هذه العبادة الفاضلة التي افترضها الله تعالى عليهم في الأسبوع، وجعَلها شعاراً من شعائر الإِسلام، وهي صلاة الجمعة من الأقوال الساقطة والمذاهب الزائغة والاجتهادات الداحضة، قضى من ذلك العجب، فقائل يقول: الخطبة كركعتين وإِنّ من فاتته لم تصحّ جمعته، وكأنّه لم يبلغه ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من طرق متعددة يقوّي
(1) هذا العنوان وما يتضمنه من "الروضة الندية"(1/ 342 - 345) بحذف.
(2)
وتقدّم.
بعضها بعضاً، ويشدّ بعضها من عضد بعض أنّ:"من فاتته ركعة من ركعتي الجمعة فليضف إِليها أخرى وقد تمّت صلاته"(1). ولا بلَغه غير هذا الحديث من الأدلّة، وقائل يقول: لا تنعقد الجمعة إلَاّ بثلاثة مع الإِمام. وقائل يقول: بأربعة. وقائل يقول: بسبعة. وقائل يقول: بتسعة. وقائل يقول: باثني عشر. وقائل يقول: بعشرين. وقائل يقول: بثلاثين، وقائل يقول: لا تنعقد إلَاّ بأربعين. وقائل يقول: بخمسين. وقائل يقول: لا تنعقد إلَاّ بسبعين. وقائل يقول: فيما بين ذلك. وقائل يقول: بجمع كثيرٍ من غير تقييد. وقائل يقول: إِن الجمعة لا تصح إلَاّ في مصر جامع، وحده بعضهم بأن يكون الساكنون فيه كذا وكذا من آلاف، وآخر قال أن يكون فيه جامع وحمّام. وآخر قال: أنْ يكون فيه كذا وكذا، وآخر قال: إِنّها لا تجب إِلا مع الإِمام الأعظم. فإِنْ لم يوجد أو كان مختلّ العدالة بوجه من الوجوه لم تجب الجمعة ولم تشرع.
ونحو هذه الأقوال التي ليس عليها أثارة من عِلم، ولا يوجد في كتاب الله تعالى ولا في سُنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم حرف واحد يدلّ على ما ادّعوه، من كون هذه الأمور المذكورة شروطاً لصحة الجمعة، أو فرضاً من فرائضها، أو ركناً من أركانها؛ فيالله العجب، ما يفعل الرأي بأهله، ومن يخرج من رؤوسهم من الخزعبلات الشبيهة بما يتحدّث الناس به في مجامعهم، وما يُخبرونه في أسمارهم من القصص والأحاديث الملفقة، وهي عن الشريعة المطهّرة بمعزل، والحكم بين العباد هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما قال سبحانه: {فإن تنازعتم في شيءٍ فردُّوه إلى الله
(1) تقدّم، وانظر "صحيح سنن النسائي"(543).