الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة الجماعة
حُكمها:
صلاة الجماعة واجبة على الأعيان على كلِّ مُصلٍّ، إلَاّ من عُذر، ودليل ذلك:
1 -
قوله تعالى: {وإِذا كُنتَ فيهم فأقمْتَ لهم الصلاة فلتقُم طائفةٌ منهم معك} (1).
وفيه دليلان:
أحدهما: أنَّه أمَرهم بصلاة الجماعة معه في صلاة الخوف، وذلك دليل على وجوبها حال الخوف، وهو يدلّ بطريق الأولى على وجوبها حال الأمن.
الثاني: أنَّه سنّ صلاة الخوف جماعة، وسوَّغ فيها ما لا يجوز لغير عذر، كاستدبار القبلة، والعمل الكثير، فإِنَّه لا يجوز لغير عُذر بالاتفاق، وكذلك مفارقة الإِمام قبل السلام عند الجمهور، وكذلك التخلف عن متابعة الإِمام، كما يتأخّر الصف المؤخّر بعد ركوعه مع الإِمام، إذا كان العدوّ أمامهم.
قالوا: وهذه الأمور تبطل الصلاة لو فُعلت لغير عذر، فلو لم تكن الجماعة واجبة بل مستحبّة؛ لكان قد التزم فعل محظور مبطلٍ للصلاة، وتُركت المتابعة الواجبة في الصلاة لأجل فِعْل مستحبّ، مع أنَّه قد كان من الممكن أن يصلّوا وِحدانا صلاة تامّة فعُلم أنها واجبة (2).
(1) النساء: 102
(2)
قاله شيخ الإِسلام في "الفتاوى"(23/ 227).
2 -
وقوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وآتو الزكاة واركعوا مع الراكعين} (1).
قال ابن كثير في "تفسيره": وقد استدلّ كثير من العلماء بهذه الآية على وجوب الجماعة.
قال القرطبي في "تفسيره" -بحذف-: "قوله تعالى: {مع الراكعين} مع: تقتضي المعيّة والجمعيّة، ولهذا قال جماعة من أهل التأويل بالقرآن: إِنَّ الأمر بالصلاة أوّلاً؛ لم يقتضِ شهود الجماعة، فأمَرهم بقوله: "مع" شهود الجماعة.
وقد اختلف العلماء في شهود الجماعة على قولين: فالذي عليه الجمهور أنَّ ذلك من السُّنن المؤكدة. وقد أوجبها بعض أهل العلم فرضاً على الكفاية.
وقال داود: الصلاة في الجماعة فرضٌ على كلّ أحد في خاصّته كالجمعة، وهو قول عطاء بن أبي رباح وأحمد بن حنبل وأبي ثور وغيرهم.
وقال الشافعي: "لا أرخّص لمن قدر على الجماعة؛ في ترْك إِتيانها إلَاّ مِن عُذر حكاه ابن المنذر
…
".
ثمَّ ذكر العديد من الأدلة وقال: "هذا ما احتَجّ به من أوجب الصلاة في الجماعة فرضاً، وهي ظاهرة في الوجوب
…
".
3 -
وما جاء في "صحيح مسلم"(653) تحت (باب يجب إِتيان المسجد على من سمع النداء) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال:
(1) البقرة: 43
"أتى النّبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ أعمى، فقال: يا رسول الله! إِنَّه ليس لي قائد يقودُني إِلى المسجد، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرخِّص له فيصلّي في بيته، فرخَّص له، فلمّا ولَّى دعاه فقال: "هل تسمع النداء بالصلاة؟ " فقال: نعم. قال: فأجِب".
4 -
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له إلَاّ من عُذر"(1).
5 -
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده، لقد هممتُ أن آمر بحطبٍ فيُحطب، ثمَّ آمرُ بالصلاة فيؤذَّنُ لها، ثمَّ آمرُ رجلا فيؤمَّ الناس، ثمَّ أُخالفُ إِلى رجالٍ فأحرِّقُ عليهم بيوتهم. والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنَّه يجد عَِرَقاً (2) سميناً أو مِرماتين (3) حسنتين
(1) أخرجه ابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(645) والطبراني في "المعجم الكبير" وغيرهما، وانظر "الإِرواء"(2/ 337).
(2)
قال الحافظ في "الفتح"(2/ 129): عَرْقاً: بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها قاف؛ قال الخليل: العراق العظم بلا لحم، وإن كان عليه لحم فهو عرق، وفي المحكم عن الأصمعي: العرْق بسكون الراء قطعة لحم.
وقال الأزهري: العرق واحد العراق، وهي العظام التي يؤخذ منها هبر اللحم، ويبقى عليها لحم رقيق؛ فيكسر ويطبخ ويؤكل ما على العظام من لحم دقيق،
…
، يقال عرقت اللحم واعترقته وتعرقته إِذا أخذت اللحم منه نهشاً.
وفي المحكم: جمع العرق على عُراق بالضم عزيز، وقول الأصمعي هو اللائق هنا. وقال (ص 130):"وإِنّما وَصف العرق بالسِّمَن والمرماة بالحسن ليكون ثمَّ باعث نفساني على تحصيلهما. وفيه الإِشارة إِلى ذمّ المتخلّفين عن الصلاة بوصفهم بالحرص على الشيء الحقير من مطعوم أو ملعوب به، مع التفريط فيما يحصل رفيع الدرجات ومنازل الكرامة".
(3)
بكسر الميم وحُكي بالفتح، ما بين ظلفي الشاة.
لشهد العشاء" (1).
6 -
وعن عبد الله بن مسعود قال: "من سرَّه أن يلقى الله غداً مُسلماً؛ فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث يُنادى بهنَّ، فإِنَّ الله شرع لنبيِّكم صلى الله عليه وسلم سُنن الهدى (2)، وإِنَّهنَّ من سنن الهدى ولو أنّكم صليتم في بيوتكم؛ كما يصلّي هذا المتخلِّف في بيته لتركْتم سُنّة نبيِّكم، ولو تركتم سُنَّة نبيِّكم لضللتم، وما من رجلٍ يتطهَّر فيحسن الطُّهور، ثمَّ يعمد إِلى مسجد من هذه المساجد، إلَاّ كتَب الله له بكل خطوة يخطوها حسنةً، ويرفعه بها درجةً، ويحطّ عنه بها سيِّئةً، ولقد رأيتُنا وما يتخلَّف عنها إلَاّ منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يُهادى بين الرجلين حتى يقامَ في الصَّفِّ"(3).
قال القرطبي -رحمه الله تعالى- عقب هذا الحديث: "فبيَّن رضي الله عنه في حديثه أنَّ الإِجماع سُنَّة من سُنن الهدى وترْكه ضلال، ولهذا قال القاضي أبو الفضل عياض: اختُلف في التمالؤ على ترْك ظاهر السُّنن؛ هل يقاتَل عليها أو لا؛ والصحيح قتالهم؛ لأنَّ في التمالؤ عليها إِماتتها" انتهى.
7 -
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: "ما من ثلاثةٍ في قرية ولا بدو، لا تقام فيهم الصلاة، إِلا قد استحوذَ (4) عليهم
(1) أخرجه البخاري: 644، ومسلم: 651
(2)
بضم السين وفتحها وهما بمعنى متقارب، أي: طرائق الهدى والصواب، قاله بعض العلماء.
(3)
أخرجه مسلم: 654
(4)
استحوذ: أي استولى عليهم وحواهم إِليه. "النهاية".
الشيطان، فعليكم بالجماعة؛ فإِنَّما يأكل الذئب من الغنم القاصية" (1).
قال شيخنا في "تمام المنّة"(ص 275): "
…
فهو من الأدلّة على وجوبها، إِذ أنَّ مَن تَرَك سنّة، بل السّنن كلّها -مع المحافظة على الواجبات- لا يُقال فيه: "استحوذ عليه الشيطان
…
".
8 -
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا كانوا ثلاثة، فليؤمّهم أحدهم، وأحقّهم بالإِمامة أقرؤهم"(2).
ففي كلمة (فليؤمّهم) لام الأمر، والأمر يفيد الوجوب إلَاّ لقرينة تصرفه، والقرائن مؤكّدة؛ لا صارفة.
9 -
وجاء في صحيح البخاري: (باب وجوب صلاة الجماعة) ثمَّ قال: وقال الحسن: إِنْ منَعته أمّه عن العشاء في الجماعة شفقةً لم يُطعها.
قال الحافظ (2/ 125): "هكذا بتَّ الحُكم في هذه المسألة، وكأنَّ ذلك لقوة دليلها عنده
…
".
وقال رحمه الله: "وقد وجدْته بمعناه وأتمّ منه وأصرح؛ في كتاب "الصيام" للحسن بن الحسن المروزي بإِسناد صحيح عن الحسن في رجل يصوم -يعني تطوّعاً- فتأمره أمّه أن يفطر، قال: فليفطر ولا قضاء عليه، وله
(1) أخرجه أحمد وأبو داود "صحيح سنن أبي داود"(511)، والنسائي "صحيح سنن النسائي"(817)، وغيرهم، وانظر "صحيح الترغيب والترهيب"(422)، و"رياض الصالحين"(1077) بتحقيق شيخنا -حفظه الله تعالى-.
(2)
أخرجه مسلم: 672
أجر الصوم وأجر البرّ. قيل: فتنهاه أن يصلّيَ العشاء في جماعة، قال: ليس
ذلك لها، هذه فريضة".
وقد استدلّ بعض العلماء على عدم وجوب الصلاة، ببعض الأحاديث التي تفيد صحة صلاة المنفرد (1) وأنَّ له درجة واحدة [و] هذا لا يُنافي الوجوب الذي من طبيعته أن يكون أجره مضاعفاً على أجر ما ليس بواجب؛ كما هو واضح. أفاده شيخنا في "تمام المنّة"(ص 277).
فائدة: ينبغي الحرص على الجماعة حيث كانت في المسجد أو غيره، في السفر أو الحضر.
جاء في "الأوسط"(4/ 138): "قال الشافعي: ذكر الله الأذان بالصلاة فقال: {وإِذا ناديتم إِلى الصلاة
…
} (2) الآية، وقال: {إِذا نودي للصّلاة من يوم الجمعة فاسعوا إِلى ذكر الله
…
} الآية (3)، وسنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان للصلوات المكتوبات، فأشبه ما وصفْتُ أن لا يحلّ ترك أن يصلّي كلّ مكتوبة في جماعة، حتى لا يخلّي جماعة مقيمون ولا مسافرون من أن يصلّي فيهم صلاة جماعة، فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إِتيانها إِلا من عذر".
(1) انظر -إِن شئت- ما أجاب به شيخ الإِسلام رحمه الله عن هذا في "الفتاوى"(23/ 232).
(2)
تتمّتها: {
…
اتَّخَذوها هُزُواً ولعباً ذلك بأنّهم قومٌ لا يعقلون}. [المائدة: 58].
(3)
الجمعة: 9