الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صلاة الخوف
ْقال الله تعالى: {وإِذا كنتَ فيهم فأقمتَ لهم الصلاة فلتقُم طائفةٌ منهم معك وليأخُذوا أسلحتَهم فإِذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يُصلّوا فليصلّوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتَهم
…
} (1).
قال الحافظ في "الفتح"(2/ 431) -بحذف-: "
…
عن أحمد قال: ثبت في صلاة الخوف ستة أحاديث أو سبعة، أيها فعل المرء جاز، ومال إِلى ترجيح حديث سهل بن أبي حثمة الآتي في "المغازي"(2)، وكذا رجّحه الشافعي، ولم يختر إِساحق شيئاً على شيء، وبه قال الطبري وغير واحد منهم ابن المنذر وسرد ثمانية أوجه، وكذا ابن حبان في "صحيحه" وزاد تاسعاً.
وقال ابن حزم: صحّ فيها أربعة عشر وجها، وبيّنها في جزء مُفرد.
قال صاحب الهدى: أصولها ست صفات، وبلغها بعضهم أكثر، وهؤلاء كلما رأوا اختلاف الرواة في قصة جعلوا ذلك من فعل النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وإِنما هو من اختلاف الرواة.
(1) النساء: 102
(2)
عن سهل بن أبي حثمة قال: "يقوم الإِمام مستقبل القبلة، وطائفة منهم معه وطائفة من قِبل العدوَ، وجوههم إِلى العدوّ فيصلّي بالذين معه ركعة، ثمَّ يقومون فيركعون لأنفسهم ركعة، ويسجدون سجدتين في مكانهم، ثمَّ يذهب هؤلاء إِلى مقام أولئك فيجيء أولئك فيركع بهم ركعة فله ثنتان، ثمَّ يركعون ويسجدون سجدتين". أخرجه البخاري: 4131، ومسلم: 841 وفيه التصريح بالرّفع.
وقال الخطابي: صلاّها النّبيّ صلى الله عليه وسلم في أيام مختلفة بأشكال متباينة يتحرى فيها ما هو الأحوط للصلاة والأبلغ للحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى. انتهى.
وقال في "الدراري": "وكلّها مجزئة؛ لأنّها ورَدت على أنحاء كثيرة، وكل نحوٍ رُوي عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم، فهو جائز، يفعل الإِنسان ما هو أخفّ عليه وأوفق بالمصلحة حالتئذٍ، كذا في "الحجّة".
وقال في "الروضة الندية" -بحذف- أقول: من زعم من أهل العلم أنَّ المشروع من صلاة الخوف ليس إلَاّ صفة من الصفات الثابتة دون ما عداها، فقد أهدر شريعة ثابتة وأبطل سنّة قائمة بلا حجة نيّرة، وغالب ما يدعو إلى ذلك ويوقع فيه، قصور الباع، وعدم الاعتناء بكتب السنّة المطهرة، فالحقّ الحقيق بالقبول جواز جميع ما ثبت من الصفات.
فإِنْ قلت: ما الحكمة في وقوع هذه الصلاة على أنواع مختلفة؟ قلت: أمران: الأول: اقتضاء الحادثة لذلك والمقتضيات مختلفة، ففي بعض المواطن تكون بعض الصفات أنسب من بعض؛ لما يكون فيها من أخْذ الحذر، والعمل بالحزم ما يناسب الخوف العارض، فقد يكون الخوف في بعض المواطن شديداً، والعدو متصلاً أو قريباً، وفي بعض المواطن قد يكون الخوف خفيفاً والعدو بعيداً، فتكون هذه الصفة أولى بهذا الموطن، وهذه أولى بهذا الموطن.
الأمر الثاني: أنّه -صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم- فعَلَها متنوّعة إِلى تلك الأنواع؛ لقصد التشريع وإِرادة البيان للناس.
وأمّا صلاة المغرب فقد وقع الإِجماع على أنّه لا يدخلها القصر، ووقع الخلاف، هل الأولى أن يصلّي الإِمام بالطائفة الأولى ركعتين والثانية ركعة أو العكس؟ ولم يثبت في ذلك شيء عن النّبيّ -صلّى الله تعالى عليه وآله وسلّم- والظاهر أنَّ الكل جائز، وإنْ صلّى لكل طائفة ثلاث ركعات، فيكون له ستّ ركعات، وللقوم ثلاث ركعات، فهو صواب قياساً على فِعله في غيرها، وقد تقرر صحّة إِمامة المتنفّل بالمفترض كما سبق"، [والله تعالى أعلم].
جاء في "الروضة الندية"(1/ 368): وقد صحّ منها أنواع:
1 -
فمنها أنّه صلّى بكل طائفة ركعتين، فكان للنّبيّ صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم ركعتان وهذه الصفة ثابتة في الصحيحين من حديث جابر.
[قلت: وحديث جابر المشار إِليه في الصحيحين عنه بلفظ: "كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم بذات الرِّقاع، فإِذا أتينا على شجرة ظليلة تركناها للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، فجاء رجل من المشركين وسَيف النّبيّ صلى الله عليه وسلم معلّق بالشجرة، فاخترطه (1) فقال له: تخافني؟ فقال له: لا، قال: فمن يمنعك منّي؟ قال: الله، فتهدّده أصحاب النّبيّ صلى الله عليه وسلم، وأُقيمت الصلاة فصلّى بطائفة ركعتين، ثمَّ تأخّروا، وصلى بالطائفة الأخرى ركعتين، وكان للنّبيّ صلى الله عليه وسلم أربع وللقوم ركعتان" (2)].
2 -
ومنها أنّه صلّى بكل طائفة ركعة، فكان له ركعتان وللقوم ركعة، وهذه الصفة أخرجها النسائي بإِسنادٍ رجاله ثقات: [قلت: ولفظ الحديث "عن ثعلبة بن زَهْدَم، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان، ومعنا حُذيفة
(1) قال النووي: أي: سلّه.
(2)
أخرجه البخاري: 4136، ومسلم: 843
بن اليمان، فقال: أيكم صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فوصف فقال: صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، صلاة الخوف بطائفة ركعة، صفٍّ خلفه، وطائفة أخرى بينه وبين العدو، فصلّى بالطائفة التي تليه ركعة، ثمَّ نكص هؤلاء إِلى مصافّ أولئك، وجاء أولئك فصلّى بهم ركعة" (1)].
وعن ابن عباس قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيّكم صلى الله عليه وسلم: "في الحضر أربعاً، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة"(2).
3 -
ومنها: "أنّه صلى بهم جميعاً، فكبّر وكبّروا، وركع وركعوا، ورفع ورفعوا، ثمَّ سجد وسجد معه الصف الذي يليه، وقام الصف المؤخَّر في نحر العدو، فلمّا قضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم السجود والصف الذي يليه، انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثمَّ تقدم الصف المؤخر وتأخر الصف المقدّم وفَعلوا كالركعة الأولى، ولكنه قد صار الصف المؤخر مقدّماً والمقدم مؤخراً، ثمَّ سلم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسلّموا جميعاً، وهذه الصفة ثابتة في "صحيح مسلم" وغيره؛ من حديث جابر ومن حديث أبي عياش الزرقي عند أحمد وأبي داود والنسائي.
[قلت: ولفظه في "مسلم"(840): "من حديث جابر بن عبد الله قال: شهدتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف، فصفَّنا صفّين: صفٌّ خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم والعدو بيننا وبين القبلة، فكبّر النّبيّ صلى الله عليه وسلم وكبّرنا جميعاً، ثمَّ ركع
(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي"(1438) وغيره، وانظر "الإِرواء"(3/ 44).
(2)
أخرجه مسلم: 687، وغيره.
وركعنا جميعاً، ثمَّ رفع رأسه من الركوع ورفعْنا جميعاً، تمَّ انحدر بالسجود والصفّ الذي يليه، وقام الصفّ المؤخر في نحر العدو، فلمّا قضى النّبي صلى الله عليه وسلم السجود، وقام الصفّ الذي يليه، انحدر الصف المؤخّر بالسجود وقاموا، ثمَّ تقدّم الصف المؤخّر، وتأخّر الصفّ المُقدّم، ثمَّ ركع النّبيّ صلى الله عليه وسلم وركعنا جميعاً، ثمَّ رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعاً، ثمَّ انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخراً في الركعة الأولى، وقام الصفّ المؤخر في نحور العدو، فلمّا قضى النّبيّ صلى الله عليه وسلم السجود والصفّ الذي يليه؛ انحدر الصفّ المؤخّر بالسجود، فسجدوا، ثمَّ سلّم النّبيّ صلى الله عليه وسلم وسلّمنا جميعاً؛ قال جابر: كما يصنع حرسُكم هؤلاء بأمرائهم"].
4 -
ومنها: أنّه صلى الله عليه وآله وسلم صلّى بإِحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثمَّ انصرفوا (1) وقاموا في مقام أصحابهم مُقبلين على العدو، وجاء أولئك (2)، ثمَّ صلّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ركعة ثمَّ سلّم (3)، ثمَّ قضى هؤلاء ركعة [وهؤلاء ركعة](4) وهذه الصفة ثابتة في الصحيحين من حديث ابن عمر.
[قلت: ولفظه عنه قال: "غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قِبل نجد، فوازينا
(1) أي: الطائفة المصلية.
(2)
الذين كانوا مقبلين على العدوّ.
(3)
فيكون قد صلّى عليه الصلاة والسلام ركعتين.
(4)
أضيف من الأصل وهي "الدراري المضية" قاله الشيخ محمد صبحي حسن حلاّق في التعليق على "الروضة".
العدوّ فصاففنا لهم، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يُصلّي لنا، فقامت طائفة معه تصلّي، وأقبلت طائفة على العدوّ، وركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه وسجد سجدتين، ثمَّ انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصلِّ، فجاؤوا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم ركعة، وسجد سجدتين ثمَّ سلّم، فقام كلُّ واحدٍ منهم؛ فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين" (1)].
5 -
ومنها: أنها قامت مع النّبيّ صلى الله عليه وآله وسلم طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو، وظهورهم إِلى القبلة، فكبّر فكبروا جميعاً الذين معه، والذين مقابل العدو، ثمَّ ركع ركعة واحدة وركعت الطائفة التي معه، ثمَّ سجد فسجدت التي تليه والآخرون قيام مقابل العدو، ثمَّ قام وقامت الطائفة التي معه، فذهبوا إِلى العدو فقابلوهم، وأقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو، فركعوا وسجدوا، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم[قائم] كما هو، ثمَّ قاموا فركع [رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركعة أخرى، وركعوا معه وسجد وسجدوا معه، ثمَّ أقبلت الطائفة التي كانت مقابل العدو، فركعوا وسجدوا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاعد ومن معه، ثم كان السلام فسلم وسلموا جميعاً، فكان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ركعتان، وللقوم لكل طائفة ركعتان، وهذه الصفة أخرجها أحمد والنسائي وأبو داود".
[قلت: ولفظه كما في "صحيح سنن أبي داود"(1105): من حديث مروان بن الحكم: أنه سأل أبا هريرة: هل صلّيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة
(1) أخرجه البخاري: 942، ومسلم: 839
الخوف؟ قال أبو هريرة: نعم، قال مروان: متى؟ فقال أبو هريرة: عام غزوة نجد، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، إِلى صلاة العصر، فقامت معه طائفة، وطائفة أخرى مقابل العدو، ظهورهم إِلى القبلة، فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم فكبّروا جميعاً الذين معه والذين مقابلي العدو، ثمَّ ركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة واحدة، وركعت الطائفة التي معه، ثمَّ سجد فسجدَت الطائفة التي تليه، والآخرون قيام مقابلي العدو، ثمَّ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقامت الطائفة التي معه، فذهبوا إِلى العدو فقابلوهم، وأقبلَت الطائفة التي كانت مقابلي العدو فركعوا وسجدوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم كما هو، ثمَّ قاموا فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعة أخرى وركعوا معه، وسجد سجدوا معه، ثمَّ أقبلت الطائفة التي كانت مقابلي العدو، فركعوا وسجدوا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد ومن معه، ثمَّ كان السلام، فسلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسلّموا جميعاً، فكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتان، ولكلّ رجل من الطائفتين ركعة ركعة"].
6 -
ومنها: أنّه صلى الله عليه وسلم صلّى بطائفة ركعة وطائفة وُِجاه العدو، ثمَّ ثبت قائماً فأتمّوا لأنفسهم ثمَّ انصرفوا وُِجاه العدو، وجاءت الطائفة الأخرى فصلّى بهم الركعة التي بقيت من صلاته، فأتمّوا لأنفسهم فسلّم بهم، وهذه الصفة ثابتة في "الصحيحين"؛ من حديث سهل بن أبي حثمة، وإنّما اختلفت صلاته صلى الله عليه وسلم في الخوف، لأنّه كان في موطن يتحرّى ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة.
[قلت: ولفظه في "البخاري"(4129) و"مسلم"(842): "عن صالح ابن خَوَّاتٍ عمن شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم ذات الرّقاع صلاة الخوف، أنّ طائفة صفّت معه، وطائفة وُجَاه العدوّ، فصلّى بالتي معه ركعة ثمَّ ثبت قائماً