الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال شيخنا -حفظه الله تعالى- في "تلخيص صفة الصلاة"(ص 29): "والتشهّد واجب، إِذا نسيه سجدَ سجدتي السهو" انتهى. ويرجّح وجوبه أنَّه جاء في أفراد الأوامر التي أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم "المسيء صلاته" ولفظه: "إِنها لا تتمّ صلاة أحدكم حتى يُسبغ الوضوء"
…
وذكر الحديث إِلى أن قال: "فإِذا جلسْتَ في وسط الصلاة؛ فاطمئنّ وافترش فخذك اليسرى، ثمَّ تشهّد". وانظر "سنن أبي داود"(764)، و"صفة الصلاة"(157)، وقد تقدّم كلام الشوكاني في "نيل الأوطار" حول هذه القاعدة.
وقال شيخنا في "تمام المنّة"(170) بعد الحديث السابق: "وفيه دليل على وجوب التشهّد في الجلوس الأوّل، ولازِمه وجوب الجلوس له، لأنَّه ما لا يقوم الواجب إلَاّ به فهو واجب".
وفي الحديث: "إِذا قعدتم في كلّ ركعتين فقولوا: التحيات
…
الخ" (1).
وفي لفظ: "قولوا في كلّ جلسة التحيات"(2).
20 - الصلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في التشهّد الأوّل:
فقد "كان صلى الله عليه وسلم يصلي على نفسه في التشهّد الأوّل وغيره"(3).
قال شيخنا -شفاه الله وعافاه-: "وسنّ ذلك لأمته؛ حيث أمَرهم بالصلاة عليه بعد السلام عليه، فقد قالوا: يا رسول الله! قد علِمنا كيف نُسلِّم عليك
(1) أخرجه النسائي وأحمد والطبراني في "الكبير" بسند صحيح. وانظر "صفة الصلاة"(160).
(2)
أخرجه النسائي بسند صحيح. وانظر "صفة الصلاة"(160).
(3)
أخرجه أبو عوانة في "صحيحه"(2/ 324) والنسائي. عن "الصفة"(164).
(أي: في التشهّد)، فكيف نصلّي عليك؟ قال: قولوا: اللهمّ صل على محمّد
…
الحديث، فلم يخصّ تشهّداً دون تشهّد، ففيه دليل على مشروعية الصلاة عليه في التشهّد الأوّل أيضاً، وهو مذهب الإِمام الشافعي، كما نص عليه في كتابه "الأمّ"(1)، وهو الصحيح عند أصحابه؛ كما صرّح به النووي في "المجموع"(3/ 460)، واستظهرَه في "الروضة"(1/ 263 - طبع المكتب الإِسلامي)، وهو اختيار الوزير ابن هبيرة الحنبلي في "الإِفصاح"؛ كما نقله ابنُ رجب في "ذيل الطبقات"(1/ 280) وأقرّه، وقد جاءت أحايثُ كثيرة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهّد، وليس فيها أيضاً التخصيصُ المشارُ إِليه، بل هي عامّة تشملُ كل تشهُّد، وقد أوردْتها في الأصل تعليقاً، ولم أورِدْ شيئاً منها في المتن؛ لأنَّها ليست على شرطنا، وإن كانت من حيث المعنى يقوّي بعضها بعضاً، وليس للمانعين المخالفين أيُّ دليل يصحّ أنْ يُحتَجّ به، كما فصّلته في "الأصل"، كما أن القول بكراهة الزيادة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأوّل على "اللهمّ صلّ على محمّد"، ممّا لا أصْل له في السنّة ولا برهان عليه، بل نرى أنّ من فعَل ذلك لم يُنفِّذْ أمْر النّبيّ صلى الله عليه وسلم المتقدّم: "قولوا: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد
…
" إِلخ.
وفي "تمام المنّة"(ص 224): "في الردّ على الشيخ السيد سابق
(1) قال -رحمه الله تعالى- تحت رقم (1456): والتشهد والصلاة على النّبيَ صلى الله عليه وسلم في التشهّد الأول في كل ركعة غير الصبح تشهدان؛ تشهد أوّل، وتشهد آخر، إِن ترك التشهد الأول، والصلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ساهياً، لا إِعادة عليه، وعليه سجدتا السهو لتركه.
-حفظه الله تعالى- في إِيراده قول ابن القيّم رحمه الله: لم يُنقَل أنَّه صلى الله عليه وسلم صلّى عليه وعلى آله في التشّهّد الأوّل
…
ومن استحبَّ ذلك فإِنما فَهِمه من عمومات وإطلاقات؛ قد صحّ تبيين موضعها وتقييدها بالتشهّد الأخير.
قال شيخنا -حفظه الله-: لا دليل تقوم به الحّجة يصلح لتقييد العمومات والمطلقات المشار إِليها بالتشهّد الأوّل، فهي على عمومها، وأقوى ما استدلّ به المخالفون حديث ابن مسعود المذكور في الكتاب (1)، وهو غير صحيح الإِسناد لانقطاعه كما ذكَر المؤلف (2)، وقد استوفى ابن القيّم رحمه الله أدلّة الفريقين، وبيَّن ما لها وما عليها في "جلاء الأفهام في الصلاة على خير الأنام"، فراجِعه يظهر لك صواب ما رجّحناه.
ثمَّ وقفْتُ على ما ينفي مطلق قول ابن القيّم: "لم يُنقل أنَّه صلى الله عليه وسلم صلّى عليه وعلى آله في التشهد الأوّل"، وهو قول عائشة رضي الله عنها في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم في الليل:
"كنا نعدّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم سواكه وطَهوره، فيبعثه الله فيما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضّأ، ثمَّ يصلّي تسع ركعات لا يجلس فيهنّ إِلا عند الثامنة، فيدعو ربه ويصلّي على نبيِّه، ثمَّ ينهض ولا يُسلّم، ثمَّ يصلّي التاسعة، فيقعد، ثمَّ يحمد ربه ويصلّي على نبيه صلى الله عليه وسلم ويدعو، ثمَّ يُسلّم تسليماً يُسمِعنا".
(1) ولفظه: "كان النّبي صلى الله عليه وسلم إِذا جلس في الركعتين الأوليين؛ كأنّه على الرَّضف".
(2)
فقد قال -حفظه الله تعالى-: "وقال الترمذي حسن إلَاّ أن عبيدة لم يسمع من أبيه".
أخرجه أبو عوانة في "صحيحه"(2/ 324) وهو في "صحيح مسلم"(2/ 170)، لكنه لم يَسُقْ لفظه.
ففيه دلالة صريحة على أنَّه صلى الله عليه وسلم صلّى على ذاته صلى الله عليه وسلم في التشهّد الأوّل كما صلّى في التشهّد الآخر، وهذه فائدة عزيزة فاستفِدها، وعضَّ عليها بالنواجذ.
ولا يقال: إنّ هذا في صلاة الليل، لأننا نقول: الأصل أنّ ما شُرع في صلاة شُرع في غيرها؛ دون تفريق بين فريضة أو نافلة، فمن ادَّعى الفرق فعليه الدليل". انتهى.
قال ابن حزم في "المحلّى" تحت المسألة (458): "ويستحبّ إِذا أكمل التشهّد في كلتي الجلستين أن يصلّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد وعلى أزواجه وذريته، كما صليت على إِبراهيم
…
".
قلت: ومن الأدلة على ذلك أيضاً حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "كنّا لا ندري ما نقول في كلّ ركعتين غير أنْ نسبّح، ونكبّر، ونحمد ربّنا، وأنّ محمّداً صلى الله عليه وسلم علم فواتح الخير وخواتمه، فقال: "إِذا قعدتم في كل ركعتين، فقولوا: التحياتُ لله، والصلوات، والطيبات. السلام عليك أيها النّبيّ ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلَاّ الله وأشهد أنَّ محمّداً عبده ورسوله. وليتخيّر أحدكم من الدعاء أعجبه إِليه، فليدْع الله عز وجل" (1).
فهذا صريح بتخيُّر الدعاء في كلّ ركعتين والدعاء إِنما يكون بعد الصلاة
(1) أخرجه أحمد والنسائي "صحيح سنن النسائي"(1114) وغيرهما، وانظر "الصحيحة"(878).
على النّبيّ صلى الله عليه وسلم.
قال شيخنا في "الصحيحة"(878) بعد أن ذكر الحديث السابق: "وفي الحديث فائدة هامّة؛ وهي مشروعية الدعاء في التشهد الأول، ولم أر من قال به من الأئمّة غير ابن حزم، والصواب معه، وإِنْ كان هو استدل بمُطْلَقات يمكن للمخالفين ردّها بنصوص أخرى مقيّدة، أمّا هذا الحديث فهو في نفسه نصّ واضح مفسّر لا يقبل التقييد، فرحم الله امرَأً أنصف واتبع السنة"(1) انتهى.
ثمَّ وجدت في "صحيح سنن النسائي"(1115) حديثاً في غاية التصريح والتبيين عن عبد الله قال: "علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهّد في الصلاة، والتشهّد في الحاجة، فأمّا التشهّد في الصلاة: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبيّ (2) ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله
(1) ثمَّ قال شيخنا -حفظه الله-: والحديث دليل من عشرات الأدلة على أنّ الكتب قد فاتها غير قليل من هدي خير البريّة صلى الله عليه وسلم، فهل في ذلك ما يحمل المتعصّبة على الاهتمام بدراسة السنّة، والاستنارة بنورها؟! لعلّ وعسى.
تنبيه: وأمّا حديث: "كان لا يزيد في الركعتين على التشهد". فهو منكر كما حققته في "الضعيفة"(5816).
(2)
هذا في حياته صلى الله عليه وسلم أمّا بعد مماته فيقول: السلام على النّبيّ ورحمة الله وبركاته. قال الحافظ في "الفتح"(2/ 314) -بحذف-: وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضي المغايرة بين زمانه صلى الله عليه وسلم فيقال بلفظ الخطاب، وأمّا بعده فيقال بلفظ الغَيبَة، ففي الاستئذان من "صحيح البخاري" من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهّد قال:"وهو بين ظَهرانَينا، فلما قُبض قلنا السلام" يعني على النّبيّ، كذا وقع في البخاري، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه والسراج والجوزقي وأبو نعيم الأصبهاني =