الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل يُجهر بالبسملة
؟
عن أنس رضي الله عنه: "أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانوا يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين"(1).
وقدّ بوّب له البخاري بقوله: (باب ما يقول بعد التكبير) وهو ممّا يدّل على عدم التلفظ بالبسملة.
وكذلك بوّب النووي له بقوله: "باب حُجّة من قال: لا يجهر بالبسملة".
عن أنس أيضاً قال: "صليّت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم"(2).
قال النووي في "شرح مسلم"(4/ 111): "ومذهب الشافعي رحمه الله وطوائف من السلف والخلف أنَّ البسملة آية من الفاتحة وأنَّه يجهر بها حيث يجهر بالفاتحة".
قال شيخ الإِسلام -رحمه الله تعالى- في "الفتاوى"(22/ 274): "وأمّا البسملة؛ فلا ريب أنَّه كان في الصحابة من يجهر بها، وفيهم من كان لا يجهر بها، بل يقرؤها سرّاً، أو لا يقرؤها والذين كانوا يجهرون بها أكثرهم كان يجهر بها تارة، ويُخافت بها أخرى، وهذا لأنَّ الذّكر قد تكون السنّة المخافتة به، ويجهر به لمصلحة راجحة مِثْل تعليم المأمومين، فإِنَّه قد ثبت في الصحيح "أنَّ ابن عباس قد جهر بالفاتحة على الجنازة، ليُعلّمهم أنَّها سُنّة".
(1) أخرجه البخاري: 743، ومسلم: 399
(2)
أخرجه مسلم: 399
وقال (ص 274) أيضاً: "وثبت في "الصحيح" (1) أنَّ عمر بن الخطاب كان يقول: "الله أكبر، سبحانك اللهمّ وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدّك، ولا إِله غيرك" يجهر بذلك مرّات كثيرة. واتفق العلماء على أنَّ الجهر بذلك ليس بسنّة راتبة؛ لكنْ جهر به للتعليم، ولذلك نقل عن بعض الصحابة أنَّه كان يجهر أحياناً بالتعوذ، فإِذا كان من الصحابة من جهَر بالاستفتاح والاستعاذة مع إِقرار الصحابة له على ذلك؛ فالجهر بالبسملة أولى أن يكون كذلك، وأن يشرع الجهر بها أحياناً لمصلحة راجحة.
لكنْ لا نزاع بين أهل العلم بالحديث: أنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لم يجهر بالاستفتاح. ولا بالاستعاذة، بل قد ثبت في الصحيح أنَّ أبا هريرة قال له: يا رسول الله! أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟ قال: "أقول: اللهم باعِدْ بيني وبين خطاياي، كما باعَدْتَ بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما يُنقّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياى بالثلج والماء والبرَد".
وفي "السنن" عنه أنَّه كان يستعيذ في الصلاة قبل القراءة، والجهر بالبسملة أقوى من الجهر بالاستعاذة، لأنَّها آية من كتاب الله تعالى، وقد تنازع العلماء في وجوبها، وإِن كانوا قد تنازعوا في وجوب الاستفتاح والاستعاذة، وفي ذلك قولان في مذهب أحمد وغيره، لكن النزاع في ذلك أضعف من النزاع في وجوب البسملة.
(1) أخرجه مسلم: 399، وانظر "شرح النووي"(4/ 112) فإِن فيه فوائد حديثية هامّة.
والقائلون بوجوبها من العلماء أفضل وأكثر، لكن لم يثبت عن النّبي صلى الله عليه وسلم أنَّه كان يجهر بها، وليس في "الصحاح" ولا في "السنن" حديث صحيح صريح بالجهر، والأحاديث الصريحة بالجهر كلّها ضعيفة؛ بل موضوعة؛ ولهذا لمّا صنّف الدارقطني مصنَّفاً في ذلك، قيل له: هل في ذلك شيء صحيح؟ فقال: أمّا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم فلا، وأمّا عن الصحابة فمنه صحيح، ومنه ضعيف.
ولو كان النّبيّ يجهر بها دائماً، لكان الصحابة ينقُلون ذلك، ولكان الخلفاء يعلمون ذلك، ولما كان الناس يحتاجون أن يسألوا أنس بن مالك بعد انقضاء عصر الخلفاء، ولما كان الخلفاء الراشدون ثمَّ خلفاء بني أميّة وبني العبّاس كلهم متفقين على ترك الجهر، ولما كان أهل المدينة -وهم أعلم أهل المدائن بسنّته- يُنكرون قراءتها بالكلية سرّاً وجهراً، والأحاديث الصحيحة تدل على أنّها آية من كتاب الله، وليست من الفاتحة، ولا غيرها".
قال ابن القيّم رحمه الله: "وكان يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" تارة، ويُخفيها أكثر مما يجهر بها، ولا ريب أنه لم يكن يجهر بها دائماً في كل يوم وليلة خمس مرات أبداً، حضَراً وسفَراً، ويخفي ذلك على خلفائه الرَّاشدين، وعلى جمهور أصحابه، وأهل بلده في الأعصار الفاضلة، هذا من أمحل المحال حتى يحتاج إِلى التشبُّث فيه بألفاظ مجملة، وأحاديث واهية، فصحيح تلك الأحاديث غير صريح، وصريحُها غير صحيح، وهذا موضع يستدعي مجلّداً ضخماً"(1).
قال شيخنا -حفظه الله تعالى- في "تمام المنّة"(169): "والحقّ أنَّه ليس
(1)"زاد المعاد"(1/ 206)، تحقيق وتخريج وتعليق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط. جاء في التعليق (ص 206) على الكتاب المذكور "الثابت عنه صلى الله عليه وسلم عدم =