الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وسألتُ شيخنا -شفاه الله وعافاه-: ما تقولون في جمْع المريض؟ فقال: "حسبما تقتضيه الحاجة، إِذا احتاج إِلى ذلك جمَع وإِلَاّ فلا".
وقال الإِمام النووي رحمه الله: "وذهب جماعة من الأئمّة إِلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشي الكبير من أصحاب الشافعي، عن أبي إِسحاق المروزي، عن جماعة من أصحاب الحديث، واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس "أراد أن لا يحرج أمّته" (1)، فلم يعلّله بمرض ولا غيره، والله أعلم.
وعن عبد الله بن شقيق قال: "خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم، وجعل الناس يقولون: الصلاةَ الصلاةَ، قال: فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا ينثني (2): الصلاة الصلاة، فقال ابن عباس: أتعلّمني بالسنّة؟ لا أمّ لك، ثمَّ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء.
قال عبد الله بن شقيق: فحاك في صدري من ذلك شيء فأتيت أبا هريرة فسألْته فصدّق مقالته" (3).
5 - الحاجة العارضة:
(1) انظر "شرح النووي"(5/ 219) ونقله الشيخ عبد العظيم في "الوجيز"(ص 141)، والشيخ السيد سابق في "فقه السنّة"(1/ 291) -حفظهما الله-.
(2)
أي: لا يضعف ولا ينصرف عن ذلك.
(3)
أخرجه مسلم: 705
عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِذا حضَر أحدكم الأمر يخشى فوته؛ فليصلّ هذه الصلاة [يعني: الجمع بين الصلاتين] "(1).
وتقدّم حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "صلّى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر جميعاً بالمدينة، في غير خوف ولا سفر، "وفي رواية له "في غير خوف ولا مطر".
قال أبو الزبير: فسألت سعيداً: لمَ فعَل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألني فقال: "أراد أن لا يُحرِج أحداً من أمّته".
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {هو اجتباكم وما جعلَ عليكم في الدين مِن حرَج} (2) أي: ما كلّفكم ما لا تطيقون، وما ألزمكم بشيء يشقّ عليكم؛ إلَاّ جعل الله لكم فرجاً ومخرجاً، فالصلاة التي هي أكبر أركان الإِسلام بعد الشهادتين؛ تجب في الحضر أربعاً وفي السفر تقصر إِلى ثنتين، وفي الخوف يصلّيها بعض الأئمّة ركعة، كما ورد به الحديث وتصلّى رجالاً ورُكباناً مستقبلي القبلة وغير مستقبليها وكذا في النافلة في السفر إِلى القبلة وغيرها والقيام فيها يسقط لعذر المرض، فيصلّيها المريض جالساً، فإِن لم يستطع فعلى جنبه، إِلى غير ذلك من الرخص والتخفيفات في سائر الفرائض والواجبات
…
قال ابن عبّاس في قوله: {ما جعل عليكم في الدين من
(1) أخرجه النسائي "صحيح سنن النسائي"(581) وغيره، وهو حديث حسن خرّجه شيخنا -حفظه الله- في "الصحيحة" برقم (1370).
(2)
الحج: 78
حرج} أي: من ضيق بل وسّعَه عليكم
…
".
وسألت شيخنا -عافاه الله وشفاه-: "هل للطبّاخ والخبّاز أن يجمعا إِذا خشيا فساد مالهما"؟
فأجاب: "إِذا فوجئ أحدهما بذلك فلا مانع، فينبغي أن يأخذ الاستعداد اللازم له، كيلا يقع مِثل هذا الفساد؛ حتى لا يضطر للجمع".
فائدة: قال الحافظ في "الفتح"(2/ 583): "وفي حديث أنس (1) استحباب التفرقة في حال الجمع؛ بين ما إِذا كان سائراً أو نازلا، وقد استدل به على اختصاص الجمع بمن جدّ به السير، لكن وقع التصريح في حديث معاذ بن جبل في "الموطأ" ولفظه: "أنَّ النّبي صلى الله عليه وسلم أخَّر الصلاة في غزوة تبوك، ثمَّ خرج فصلّى الظهر والعصر جميعا، ثمَّ دخل ثمَّ خرج فصلّى المغرب والعشاء جميعا (2)"، قال الشافعي في "الأمّ": قوله دخل ثمَّ خرج لا يكون إِلا وهو نازل، فلِلمسافر أن يجمع نازلا وسائراً.
وقال ابن عبد البر: في هذا أوضح دليل على الرد على من قال لا يجمع إلَاّ من جدّ به السير، وهو قاطع للالتباس، انتهى".
وجاء في "عون المعبود"(3/ 51): "قال الشافعي وأكثرون: يجوز الجمع بين الظهر والعصر في وقت أيتهما شاء، وبين المغرب والعشاء فى وقت أيتهما شاء
…
قاله النووي".
(1) المتقدّم: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس".
(2)
وهو صحيح كما في "الإِرواء"(3/ 31)، وتقدّم قبل أحاديث ومعناه في مسلم: 704