الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واجعلها سنين كَسِني يوسف، [اللهم العن لِحيان ورِعلاً وذَكوان وعُصَيَّة عصت الله ورسوله] " (1).
ثمَّ "كان يقول -إِذا فرغ من القنوت-: "الله أكبر"، فيسجد"(2).
القنوت في صلاة الفجر
لا يشرع تخصيص القنوت في صلاة الفجر البتّة، إلَاّ في النوازل، فيشرع القنوت فيه.
فعن أبي مالك الأشجعي قال: قلت لأبي: يا أبت إِنّك صلّيت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعلي هاهنا بالكوفة نحو خمس سنين، أكانوا يقنتون في الفجر؟ قال:"أي بنيّ مُحدَث"(3).
فهذا الصحابي رضي الله عنه بيّن أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم لم يقنتوا في الفجر، وقد وصّى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يودّع أمّته بالتمسُّك بسنّته وسنّة الخلفاء الراشدين، وذلك عند الاختلاف الكثير.
فعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: "وعَظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة وجِلَت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله! كأنّها موعظة مودع فأوصِنا، قال: أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة، وإنْ تأمّر عليكم عبد [حبشي] وإنه من يعِشْ منكم فسيرى اختلافاً كثيراً،
(1) أخرجه أحمد والبخاري: 4560 والزيادة لمسلم: 675
(2)
أخرجه النسائي وأحمد والسراج، وأبو يعلى في "مسنده" بسند جيد.
(3)
أخرجه أحمد والترمذي والنسائي، وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(1026) وغيرهم، وانظر "الإِرواء"(435).
فعليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين المهديين، عضُّوا عليها بالنواجذ وإِياكم ومُحدثات الأمور، فإِنَّ كلّ بدعة ضلالة" (1).
ولم يقتصر الأمر على التمسك بسنّته صلى الله عليه وسلم وسنّة الخلفاء الراشدين، وهي واحدة، ولا ريب، لأنهم يعملون بها، لذلك قال صلى الله عليه وسلم:"عَضّوا عليها" ولم يقل عضوا عليهما أقول: ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل إِنّه صلى الله عليه وسلم قد نهى عن البدعة فقال:"وإِياكم ومحدَثات الأمور فإِنّ كل بدعة ضلالة".
وها هو هذا الصحابي الجليل رضي الله عنه يُبيّن أنها بدعة. فهل من مُدّكر!
وعن سعيد بن جبير أنّه قال: "إِنّ القنوت في صلاة الفجر بدعة"(2).
وأمّا ما رواه محمّد بن سيرين أنّه "سئل أنس بن مالك: أقنَت النّبيّ صلى الله عليه وسلم في الصبح؟ قال: نعم، فقيل: أوقنَت قبل الركوع [أو بعد الركوع]؟ قال: بعد الركوع يسيراً"(3).
فهذا هو قنوت النوازل الذي لا يخصّ به صلاة دون صلاة، ويكون بعد الركوع، وكان لا يفعله صلى الله عليه وسلم إلَاّ إِذا دعا على أحد أو دعا لأحد.
(1) أخرجه أبو داود "صحيح سنن أبي داود"(3851) والترمذي "صحيح سنن الترمذي"(2157) وابن ماجه "صحيح سنن ابن ماجه"(40) وانظر "صحيح الترغيب والترهيب"(34)، و"كتاب السنّة" لابن أبي عاصم:(ص 54) بتحقيق شيخنا -حفظه الله تعالى-.
(2)
قال شيخنا في "الإِرواء"(436) التحقيق الثاني -بعد تضعيف نسبته إِلى ابن عباس رضي الله عنهما: "والصحيح أنّه من قول سعيد بن جبير".
(3)
أخرجه البخاري: 1001، ومسلم: 677، وغيرهما.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه "أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إِذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعوَ لأحد؛ قنَتَ بعد الركوع
…
" (1).
ومن ذلك ما رواه مسلم في "صحيحه"(679)(2) من حديث خُفاف بن إِيماء قال: "ركَع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمَّ رفع رأسه فقال: غفار غفر الله لها، وأسلم سالمها الله وعصيَّةُ عصَتِ الله ورسولَه اللهم العن بني لِحيان والعن رِعلاً وذَكوان".
لذلك لمّا جاء عاصم وسأل أنسَ بن مالك عن القنوت، فقال:"قد كان القنوت قبل الركوع أو بعده؟ قال: قبله، قال: فإِنّ فلاناً أخبرني عنك أنّك قلت: بعد الركوع! فقال: كذَب؛ إِنّما قنَت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الركوع شهراً، أُراه كان بعَث قوماً يُقال لهم القُرّاء زُهاء (3) سبعين رجلاً إِلى قومٍ من المشركين دون أولئك، وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد فقنَتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو عليهم"(4).
فقد نفى أنس بن مالك أن يكون القنوت بعد الركوع، فهذا يُفهِم أنَّ قنوت الوتر يُفعل قبل الركوع، أمّا بعد الركوع فإِنّما هو قنوت النازلة، حين الدعاء على أحد.
(1) أخرجه البخاري: 4560
(2)
ونحوه في البخاري: 1006، وتقدّم نحوه في (القنوت للصلوات الخمس للنازلة).
(3)
أي: ما يقرب من سبعين رجلاً.
(4)
أخرجه البخاري: 1002
وأمّا حديث: "ما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا" فإِنّه منكر فيه: أبو جعفر الرازي واسمه عيسى بن ماهان مُتكلَّم فيه.
قال ابن التركماني:
…
قال ابن حنبل والنسائي: ليس بالقوي، وقال أبو زرعة: يَهِمُ كثيراً، وقال الفلاس: سيئ الحفظ وقال ابن حبان يحدث بالمناكير عن المشاهير
…
وانظر التفصيل في "الضعيفة"(1238).
قال ابن القيّم رحمه الله في "زاد المعاد"(1/ 271) -بحذف-: "ومن المحال أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في كلّ غداة بعد اعتداله من الركوع يقول: "اللهمّ اهدني فيمن هديت، وتولّني فيمن توليت
…
". إِلخ ويرفع بذلك صوته، ويؤمّن عليه أصحابه دائماً إِلى أن فارق الدنيا، ثمَّ لا يكون ذلك معلوماً عند الأمة، بل يضيّعه أكثر أمّته وجمهور أصحابه، بل كلّهم؛ حتى يقول من يقول منهم: إِنّه محدَث! ".
وقال (ص 276) تعليقاً على الحديث السابق بعد بيان عدم صحته: "
…
ولو صحّ لم يكن فيه دليل على هذا القنوت المُعيّن البتة، فإِنّ القنوت يطلق على القيام والسكوت ودوام العبادة والدعاء والتسبيح والخشوع، كما قال تعالى:{وله مَن في السموات والأرضِ كلٌّ له قانتون} (1){وكانت من القانتين} (2).
وقال زيد بن أرقم: "لمّا نزل قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} (3) أُمِرنا
(1) الروم: 26
(2)
التحريم: 12
(3)
البقرة: 238
بالسكوت ونُهينا عن الكلام" (1).
فمِن أين لكم أنّ أنَسَاً إِنّما أراد هذا الدعاء المعيَّن دون سائر أقسام القنوت؟ ".
وقال (ص283): ولمّا صار القنوت في لسان الفقهاء وأكثرِ الناس، هو هذا الدعاء المعروف: "اللهمّ اهدني فيمن هديت
…
" إِلخ، وسمعوا أنّه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارَق الدنيا وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة؛ حمَلوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم.
ونشأ من لا يعرف غير ذلك، فلم يشكّ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا مداومين عليه كلّ غداة! وهذا هو الذي نازعهم فيه جمهور العلماء وقالوا لم يكن هذا من فِعله الراتب، بل ولا يثبت عنه أنّه فعَله. انتهى.
وبعد هذا نسأل: لماذا خصّصوا الفجر بالقنوت؟
فإِنْ قالوا قد صحّ في ذلك نصوص:
قلنا: صحّ فيه -كما تقدّم- من غير تخصيص، ولكن في جميع الصلوات في النوازل.
فعن أنس رضي الله عنه قال: "كان القنوت في المغرب والفجر"(2). فلماذا لا تخصّصونه في المغرب!
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما يصلّي العشاء إِذ
(1) أخرجه البخاري: 4534، ومسلم: 539
(2)
أخرجه البخاري: 1004
قال: "سمع الله لمن حمده" ثمَّ قال: قبل أن يسجد: اللهمّ نجّ عيّاش بن أبي ربيعة
…
" (1).
وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنّه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: "والله لأُقَرِّبنّ بكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أبو هريرة يقنت في الظهر والعشاء الآخره وصلاة الصبح، ويدعو للمؤمنين ويلعن الكافرين"(2).
وجاءت بعض النصوص من غير تسمية صلاة كما في حديث أنس قال: "قنت النّبيّ صلى الله عليه وسلم شهراً يدعو على رِعل وذَكوان"(3).
لذلك أقول: لا أعلم نصّاً ورَد بتسمية صلاة العصر في القنوت، ولكنه يدخل في العموم كما لا يخفى، وقد وردَ تسمية الفجر، فلا يعني التخصيص. وبالله التوفيق.
(1) أخرجه مسلم: 675
(2)
أخرجه مسلم: 676
(3)
أخرجه البخاري: 1003، ومسلم: 677، وتقدّم.