الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "خير صفوف الرّجال أوّلها، وشرّها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرُّها أوّلها"(1).
والمراد بالحديث: صفوف النساء اللواتي يصليّن مع الرجال، أمّا إِذا صلّين متميّزات، لا مع الرجال، فهنّ كالرجال، خير صفوفهن أولها وشرّها آخرها، قاله النووي رحمه الله.
فائدة: لا بأس من وقوف الصبيان مع الرجال إِذا كان في الصفّ متسع، وصلاة اليتيم مع أنس وراءه صلى الله عليه وسلم حُجَّة في ذلك. قاله شيخنا -حفظه الله- في "تمام المنّة"(ص 284).
من ركع دون الصف:
إِذا كبّر المأموم خلف الصف، ثمَّ دخله وأدرك فيه الركوع مع الإِمام، فقد أدرك تلك الركعة وصحَّت صلاته لحديث أبي بكرة رضي الله عنه:"أنَّه انتهى إِلى النّبيّ صلى الله عليه وسلم وهو راكع فرَكع قبل أن يصل إِلى الصف، فذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: زادك الله حرصاً ولا تعُد (2) "(3).
والذي يبدو أنَّ النهي عن إِسراعه في المشي؛ كما في رواية لأحمد (5/ 42) من طريق أخرى عن أبي بكرة أنّه جاء والنّبيّ صلى الله عليه وسلم راكع، فسمع النّبيّ صلى الله عليه وسلم صوت نعل أبي بكرة وهو يحضر (أي: يعدو) يريد أن يدرك
(1) أخرجه مسلم: 439، وتقدّم.
(2)
ولا تعُد: قال الحافظ في "الفتح"(2/ 268): "ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوّله وضم العين من العَود".
(3)
أخرجه البخاري: 783، وانظر "صحيح سنن أبي داود"(634، 635).
الركعة، فلما انصرف النّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قال: من الساعي؟ قال أبو بكرة: أنا. قال: "زادك الله حِرصاً ولا تعُدْ"، وإِسناده حسن في المتابعات، وقد رواه ابن السكن في "صحيحه" نحوه، وفيه قوله: "انطلقتُ أسعى
…
"، وأنَّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من الساعي
…
"، ويشهد لهذه الرواية رواية الطحاوي من الطريق الأولى بلفظ: "جئت ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكع، وقد حفزني النفس، فركعت دون الصف
…
" الحديث وإِسناده صحيح، فإِنّ قوله: "حفَزَني النفَس، معناه: اشتدّ من الحفز وهو الحثّ والإِعجال وذلك كنايةً عن العدو. انظر "الصحيحة" تحت الحديث (230).
وقال شيخنا في الاستدراكات: "ثمَّ وجدتُ ما يؤيدُ هذه الترجمة من قول راوي الحديث نفسه؛ أبي بكرة الثقفيّ رضي الله عنه كما يؤكّد أنَّ النّهي فيه: "لا تعُدْ" لا يعني الركوع دون الصفّ، والمشي إليه، ولا يشملُ الاعتداد بالركعةِ؛ فقد روى علي بن حجر في "حديثه" (1/ 17/1): حدّثنا إِسماعيل بن جعفر المدني: حدّثنا حميد، عن القاسم بن ربيعة، عن أبي بكرة -رجل كانت له صحبة- أنَّه كان يخرج من بيته فيجد الناس قد ركعوا، فيركع معهم، ثمَّ يدرج راكعاً حتّى يدخل في الصفّ، ثمَّ يعتدُّ بها.
قلت: وهذا إِسنادٌ صحيح، ورجاله كلُهم ثقات، وفيه حجّةٌ قويّة أنَّ المقصود بالنهي إِنّما هو الإِسراع في المشي، لأنَّ راوي الحديث أدرى بمرويّه من غيره، ولا سيّما إِذا كان هو المخاطب بالنهي، فخُذها؛ فإِنّها عزيزةٌ، قد لا تجدها في المطوّلات من كتب الحديث والتخريج، وبالله التوفيق".
عن عطاء أنَّه سمع ابن الزبير على المنبر يقول: "إِذا دَخَل أحدكم المسجد والناسُ ركوع، فليركع حين يدخل، ثمَّ يدبّ راكعاً حتى يدخل في الصف، فإِنَّ ذلك السُّنّة"(1).
قال شيخنا: وممّا يشهد لصحّته عمل الصحابة به من بعد النّبيّ صلى الله عليه وسلم، منهم أبو بكر الصدّيق وزيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن الزبير.
ثمَّ ذكر بعض الآثار في ذلك:
1 -
منها ما رواه أبو أمامة بن سهل بن حُنيف؛ أنّه رأى زيد بن ثابت دخل المسجد والإِمام راكع، فمشى حتّى أمكنه أن يصل الصف وهو راكع، كبّر فركع، ثمَّ دبّ وهو راكع حتى وصَل الصف. رواه البيهقي، وسنده صحيح.
2 -
وما رواه زيد بن وهب قال: "خرجتُ مع عبد الله -يعني: ابن مسعود- من داره إِلى المسجد، فلمّا توسَّطنا المسجد، ركع الإِمام، فكبّر عبد الله وركع وركعت معه، ثمَّ مشينا راكعين حتى انتهينا إِلى الصف حين رفع القوم رؤوسهم، فلمّا قضى الإِمام الصلاة؛ قمتُ وأنا أرى أنّي لم أُدرِك، فأخذ عبد الله بيدي وأجلسني، ثمَّ قال: إِنك قد أدركْت"(2).
3 -
ومنها ما رواه عثمان بن الأسود قال: "دخلتُ أنا وعبد الله بن تميم المسجد، فركع الإِمام، فركعتُ أنا وهو، ومَشينا راكعين حتى دخلْنا الصفّ،
(1) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" والطبراني في "الأوسط" وغيرهما، وانظر "الصحيحة"(229).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنّف"، وكذا عبد الرزاق، والطحاوي في "شرح المعاني"، والطبراني في "المعجم الكبير"، والبيهقي في "سننه" بسند صحيح، وله عند الطبراني طرق أخرى.