الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
أسباب وخصائص نوازل الأقليات المسلمة
لا شك أن هناك أسبابًا عامة للنوازل في المجتمعات بعامة، كما أن هناك خصوصية للأقليات المسلمة تؤدي إلى وقوع نوازل بسبب وضع تلك الأقليات وظروفها.
وفيما يلي بيان لأهم تلك الأسباب:
أولًا: الإقامة في غير ديار الإسلام:
تقرر عند الفقهاء أن الدار التي لا تعلوها أحكام المسلمين، ولا يحكمها مسلمون لا تكون دار إسلام (1)، ووجود المسلم بدار لا تحتكم إلى الإسلام ولا تقيم لشريعته وزنًا يترتب عليه نوازل كثيرة جدًّا، تتعلق بأبواب من الفقه والعقيدة على حدًّ سواء، وتبدأ هذه النوازل من حكم الإقامة المستمرة أو الطارئة، وتمرُّ بمسألة حكم الهجرة والتجنس بجنسية تلك الدول، أو الحصول على حق اللجوء السياسي، وما يترتب على ذلك من خضوع المسلم للحكم بغير شريعة الله، والتحاكم إلى غير ما أنزل الله، وما يترتب على ذلك من تولي الوظائف العامة في تلك الدول، والدخول في طاعة حكامها، ثم ما يترتب على مخالطة غير المسلمين من مسائل تتعلق بالولاء والبراء، وما يرتبط بذلك من أحكام مشاركتهم في احتفالاتهم الدينية، أو التشبه بهم في عاداتهم الدنيوية، وغير ذلك.
كما تظهر نوازل فقهية كثيرة تتعلق بأبواب الفقه عامة، مثل: ما يتعلق بالطهارة
(1) شرح السير الكبير، لشمس الدين محمد بن أحمد السرخسي، تحقيق: محمد حسن إسماعيل الشافعي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1417 هـ - 1997 م، (1/ 90)(5/ 12)، المبدع، لابن مفلح (3/ 313)، تفسير القرطبي، (5/ 394 - 350)، حاشية الدسوقي، (2/ 188).
وأحكامها، والصلاة ومواقيتها في البلاد التي يقل فيها النهار أو الليل بشكل ملحوظ، وحكم أدائها في الطائرات والمركبات الفضائية، وحكم دفن المسلم في غير مقابر المسلمين، وعلى طريقة غير المسلمين، وحكم صيام أهل القطبين، ومن يطول نهارهم أو يقصر جدًّا، وحكم دفع الزكاة لإنشاء الأعمال الإسلامية كالمراكز والجمعيات الخيرية، وحكم دفعها لغير المسلمين، ونحو ذلك، كما يشيع في تلك البلاد التعامل بالربا حتى لا يكاد يُعرف سواه، ويُلزم المقيمون بالتأمين والضرائب الباهظة، وتشيع أنواع من البيوع الفاسدة، والإجارات المحرمة شرعًا المباحة قانونًا، فماذا يفعل المسلم المقيم حيال ذلك كله؟
وإذا احتاج المسلم إلى الزواج من غير مسلمة في تلك الدول فما حكم ذلك؟ وما حكم النكاح المؤقت هناك بغية الحصول على إقامة؟ أو ما حكم إجراء زواج صوري بقصد الحصول على جنسية؟ وهل يشرع أن يُحْتَكَمَ إلى قاضٍ غير مسلم إذا نشب نزاع بين زوجين مسلمين، وهل ينفذ قضاؤه بالتفريق؟ وما مدى ولاية المراكز الإسلامية في ديار غير المسلمين على المسلمين هناك في مسائل الطلاق والتفريق بين الأزواج؟ وكيف تعمل امرأة أسلمت وزوجها على دينه، وإذا لم يوجد مسلم من ذويها فمن يزوجها إذا أرادت الزواج؟ وما حكم التعدد في بلاد يمنع قانونها التعدد؟ وهل يجري التوارث بين مسلم وغيره؟ وماذا يفعل المسلم في أطعمة لا يدري حِلَّها من حرمتها حيث يشيع في طعامهم المحرمات والنجاسات، كما أنهم لا يتقيدون بالشروط الشرعية في الذكاة، إلى آخر هذه النوازل المترتبة على إقامة المسلم في بلاد لا تحكِّم الإسلام، ولا تحتكم إليه؟
ومما يلحق بذلك ويدخل فيه دخولًا أوليًّا: ما وقع في بلادهم -وبلادنا أيضًا- من التوسع في الملذات، من المطاعم والمساكن، والمراكب، والملابس، والانشغال بالملاهي، والاستكثار من ذلك كله، وما يترتب عليه من المخالفات والمعاصي والسيئات، والتي قد يجمعها اسم الفجور، كما قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: تحدث للناس أقضية