الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى بحثنا هذا تعريفه باعتباره فعلًا للقاضي، كما عرفه العز ابن عبد السلام (1) بأنه:"إظهار حكم الشرع في الواقعة فيمن يجب عليه إمضاؤه فيه"(2).
على أن المقصود بالحكم هنا ليس "خطاب الله المتعلق بأفعال المكلفين بالاقتضاء أو التخيير أو الوضع"(3)، وإنما هو فعل القاضي أو الحاكم؛ وعليه فإن الحكم اصطلاحًا هو:"إنشاء إطلاقٍ (4) أو إلزامٍ في مسائل الاجتهاد المتقارب فيما يقع فيه النزاع لمصالح الدنيا"(5).
والعلاقة بين الأقضية والأحكام بهذا الاعتبار، هي علاقة المؤثر بالأثر، ووجه إطلاقهم هذين اللفظين على المسائل المستجدة هو كون القاضي بفعله يقطع الخصومة فيها، ويبين ما يظهر له من الشرع باجتهاده فيها.
ويلاحظ هنا أن الأقضية والأحكام لا تكون في العبادات.
4 - الفتاوي:
لغةً: من الإفتاء، وهو: تبيين المبهم (6)، أو هو: تبيين المشكل من الأحكام والجواب عنها (7).
(1) عز الدين الملقب بسلطان العلماء وبائع الأمراء، عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي الشافعي، كان عَلمًا من الأعلام، شجاعًا في الحق، آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر، جمع إلى الفقه والأصول العلم بالحديث والأدب والخطابة والوعظ، من مصنفاته: الفوائد، الغاية، القواعد الكبرى والقواعد الصغرى، وغير ذلك، توفي سنة 660 هـ. طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة، (2/ 137)، طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي، (8/ 209).
(2)
مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، لمحمد بن محمد الشربيني، دار الفكر، بيروت، (4/ 372).
(3)
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه، لسعد الدين مسعود بن عمر التفتازاني، تحقيق: زكريا عميرات، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1416 هـ - 1996 م، (1/ 22)، البحر الرائق شرح كنز الدقائق، لزين الدين ابن إبراهيم بن نجيم، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1422 هـ - 2002 م، (1/ 15).
(4)
قوله: "إنشاء إطلاق، احتراز من قول من يقول: إن الحكم إلزام؛ كما إذا رفعت للحاكم أرض زال الإحياء عنها، فإنها تبقى مباحة لكل أحد. . . "، الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، لأحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: د. عبد الفتاح أبي غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط 2، 1416 هـ، (ص 33).
(5)
الإحكام، للقرافي، (ص 33).
(6)
الكليات، للكفوي، (ص 155).
(7)
المفردات في غريب القرآن، للأصفهاني، (ص 373)، لسان العرب، لابن منظور، (10/ 183)، المصباح المنير، للفيومي، (2/ 462).
وأما الفتاوي اصطلاحًا، فقد سبقت الإشارة إلى أن علماء الحنفية يطلقون الفتاوي على الأحكام التي استنبطها علماؤهم بعد الطبقة الأولى تخريجًا على أصول المذهب، خلافًا لعلماء بقية المذاهب.
وجملة أقوال الفقهاء تدل على أن الفتيا: "هي الإخبار بحكم شرعي عن دليلٍ لمن سأل عنه من غير إلزام"(1)، ويكون الإفتاء هو:"الإخبار بحكم الله تعالى باجتهاد عن دليل شرعي، لمن سئل عنه في أمر نازل"(2)، وهو أقرب إلى موضوعنا.
يلاحظ هنا أن بعضهم شرط في كون البيان فُتْيا، أن يكون جوابًا لسؤالٍ كما سبق، وأن المسألة التي تكون عنها الفتوى لا يشترط أن تكون نازلة، بمعنى أنه لم ينص عليها الشارع.
وعلى هذا، فوجه إطلاقهم لفظ الفتاوي على نوازل عصرهم وتسميتهم لكتبهم بذلك إنما هو من باب التغليب؛ بل كونه من باب أن المسألة مستجدة أو نازلة في حق السائل أظهر لكل من نظر في الكتب التي عنون لها صاحبها بالنوازل أو الفتاوي.
ومن الكتب التي عنون لها بـ "الفتاوي":
- خلاصة الفتاوي، للبخاري الحنفي رحمه الله (3)، (ت: 542 هـ).
- فتاوي العزِّ ابن عبد السلام رحمه الله، المعروف بسلطان العلماء، (ت: 660 هـ).
- الفتاوي المصرية، لشيخ الإسلام أحمد ابن تيمية رحمه الله، (ت: 728 هـ).
ومما تجدر ملاحظته أن إطلاق الفتاوي على النوازل والحوادث المستجدة إنما هو
(1) الفتوى أهميتها وضوابطها وآثارها، محمد يسري، طبع جائزة نايف بن عبد العزيز آل سعود، المدينة المنورة، ط 1، 1428 هـ - 2007 م، (ص 30).
(2)
الموسوعة الفقهية الكويتية، (32/ 20)، الفتيا ومناهج الإفتاء، د. محمد سليمان الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط 3، 1413 هـ - 1993 م، (ص 13).
(3)
طاهر بن أحمد بن عبد الرشيد بن الحسين، افتخار الدين البخاري، فقيه من كبار الحنفية، من أهل بخارى، له خلاصة الفتاوي، والواقعات، توفي سنة 542 هـ. الجواهر المضية في طبقات الحنفية، لمحيي الدين القرشي، (2/ 276)، الأعلام، للزركلي (3/ 220).