الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أشد وأنكى، وبخصوص الأقليات المسلمة فقد كان نصيبهم في غالب الأحيان هو البطش والاضطهاد، وفي بعض الأحوال إجبارهم على الرحيل.
وفيما يلي بعض نماذج من معاناة الأقليات المسلمة تحت حكم الأكثرية غير المسلمة، سواء الأكثرية المسيحية أو الوثنية أو الشيوعية.
الفرع الأول: الأقليات المسلمة تحت حكم صليبي:
من الدول التي تحكمها الأغلبية المسيحية في آسيا: الفلبين، وفي أوروبا: قبرص، وفي أفريقيا: أوغندا، وكينيا، وموزمبيق، وملاوي، والكونغو، وبورندي، ورواندا، وغانا، وليبيريا، وزامبيا، وروديسيا، واتحاد جنوب أفريقيا، وبتسوانا، وأنجولا، وزائير، ومعظم دول القارات لثلاث الأخرى، تتفاوت درجة المأساة التي أصابت الأقليات المسلمة تحت حكم صليبي بتفاوت مدى الحقد الدفين في قلوب الحكام المسيحيين والمصلحة التي يمكن أن يكتسبوها من وراء ذلك.
ولا شك أن الاستعمار الأوروبي لأفريقيا مهد للإرساليات التبشيرية لكل الطوائف المسيحية من جانب، كما مهد للاستيلاء على المواد الخام التي تزخر بها القارة من جانب آخر، ومما تجدر ملاحظته أيضًا أن انتشار الإسلام في إفريقيا ودخول قرى ومدن بأسرها في الإسلام؛ كان سببًا مباشرًا في تزايد الحملات التنصيرية على القارة السمراء، وتبع ذلك محاربة الحكم النصراني في تلك البلاد للمدارس الإسلامية وإغلاقها بالقوة، وقصر التعليم والوظائف على الطوائف المسيحية (1).
وتزامن مع هذا: التوسع في بناء الكنائس وتدعيمها بالمال، فالكنيسة اللوثرية في تنزانيا -على سبيل المثال-: بلغت ميزانيتها السنوية، قبل عام (2001 م) 11 مليون دولار توظف غالبيتها في أعمال التنصير، مع تراجع واضح في عدد المساجد والمراكز الإسلامية (2).
(1) التاريخ الأسود للكنيسة، القس دي روزا، (ص 133).
(2)
أوضاع الأقليات والجاليات الإسلامية في. العالم، د. مجدي الداغر، دار الوفاء، المنصورة، مصر، ط 1، 1426 هـ - 2006 م، (ص 111).
وأما في دولة سبق أن حظيت بحكم المسلمين حقبة من الزمان، مثل: الأندلس أو أسبانيا حاليًا، كان نصيب المسلمين بعد انهزام قواتهم هو التقتيل والإبادة، ولم يَنْجُ من الموت إلا من تمكن من الفرار إلى بلاد أخرى (1).
وكانت محاكم التفتيش التي أقامها المسيحيون بعد سقوط الأندلس المسلمة في أيديهم أبشع الاضطهادات التي مارسها المسيحيون لأتباع الأديان الأخرى في التاريخ كله، كان الموت ومصادرة الممتلكات هو الحكم الذي أصدره الإمبراطور شارل الخامس في أسبانيا سنة (1521 م) ضد جميع الهراطقة -المسلمون واليهود في مقدمتهم-، وكانت قرارات حرق الناس وشنقهم وتمزيق جثثهم، ولَوْي ألسنتهم هي العقوبات الشائعة لمن يرفض قبول الاعتراف بصحة العشاء الرباني على الطريقة التي يقول بها شارل، فما بال عدم الاعتراف بالمسيحية جملة (2).
أما حربهم على الإسلام بتشويه صورته وصورة نبيه صلى الله عليه وسلم، فلم تنخفض شراستها إلا في أوائل هذا القرن، عندما بدءوا منذ السبعينات ينظرون إلى ضرورة إيجاد نوع من الصلة والتفاهم بين المسيحيين والمسلمين عن طريق الحوار.
واعترف بهذا باحث مسيحي وهو الدكتور إيبالسا قائلًا: "إن شخصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم مقدمة إلى العالم المسيحي بصورة مشوهة إلى حد كبير، حولها نسجت العديد من الافتراءات والأكاذيب والخرافات التي نشأت كلها من الفكر المتعصب الذي ساد الغرب منذ بدأ الإسلام يدخل أوروبا، مثل هذه الافتراءات إحدى وسائل تعبئة
(1) المسلمون تحت السيطرة الرأسمالية، الأستاذ. محمود شاكر، (ص 175)، وما بعدها، العالم الإسلامي اليوم، لنفس المؤلف، دار الصحوة - القاهرة، ط 1، 1405 هـ - 1985 م، (ص 93) وما بعدها.
(2)
مواطنون لا ذميون، الأستاذ فهمي هويدي، دار الشروق، القاهرة، ط 3، 1420 هـ - 1999 م، (ص 64)، نقلًا عن روح الإسلام، سيد أمير علي، ترجمة عمر الديراوي، (ص 53).
الجماهير ضد المد الإسلامي" (1).
وفي دولة سبق أن تعاون فيها الصليبيون المستعمرون مع الصليبيين الوطنيين، مثل: الفلبين، حيث تسلم المسيحيون المواطنون الحكم بعد رحيل المستعمرين، تسلموا كذلك المهام للقضاء على الإسلام وتحجيم وجود المسلمين، علمًا بأن دور المسلمين في الحرب التحريرية من قبضة الاستعمار الأسباني والأمريكي والياباني كان دورًا رائدًا (2).
ومن أساليب القمع والتصفية التي مارسها المسيحيون ضد المواطنين المسلمين كما جاء في عريضة منظمة تحرير شعب المورو المرفوعة إلى لجنة حقوق الإنسان بمنظمة المؤتمر الإسلامي، بدأ التحدي الصليبي بشن هجمات إبادة جماعية على المسلمين الفلبينيين، بقتل وجرح ما لا يقل عن مائة ألف مسلم وتشريد نصف مليون، واغتصاب مليون هكتار من أرض المسلمين، وإحراق البيوت والمساجد والمدارس (3).
وجاء في الكتاب الأبيض الذي قدمه المسلمون إلى حكومة الفلبين في سنة (1375 هـ) أن عدد المذابح والحوادث الدامية التي ارتكبت ضد المسلمين في جنوب الفلبين بلغ 417 حادثة في ثلاث سنوات فقط (4).
فالمواطنون المسلمون محاربون في مسقط رأسهم من قِبَل بني جنسهم؛ الأمر الذي جعلهم في موقف الدفاع دائمًا عن الأرواح والعقيدة (5).
(1) تقرير المؤتمر المسيحي الإسلامي الثالث بقرطبة سنة (1977 م)، مجلة العربي، العدد 223، (يونيو 1977 م)، (ص 42).
(2)
المسلمون تحت السيطرة الرأسمالية، محمود شاكر، (ص 131، 132).
(3)
الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، العدد 23، مجلة دعوة الحق، صادرة عن رابطة العالم الإسلامي، (نوفمبر 1983 م)، (ص 147)، المسلمون تحت السيطرة الرأسمالية، محمود شاكر، (ص 133).
(4)
الأقليات المسلمة في آسيا وأستراليا، سيد عبد المجيد بكر، (ص 147)، نقلًا عن نشرة معهد شئون الأقليات المسلمة، محرم 1398 هـ، (ص 5).
(5)
يراجع: مشكلات الدعوة إلى الإسلام في مجتمع الأقليات المسلمة في أوروبا وعلاجها، د. توفيق السديري، رسالة دكتوراه بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
إذا كان تصرف المستعمرين المسيحيين -كإنجلترا وأمريكا- في البلاد المستعمرة شديد الحيف على المسلمين، بالتعاون مع المواطنين غير المسلمين قديمًا، وبدعم حركات التنصير العالمية حديثًا، فإن سياستهم داخل بلادهم تميل إلى نوع من إعطاء حرية المعتقدات والعبادات للمواطنين، حرصًا على لافتتها الديموقراطية، ولكن التفرقة بين المواطنين ما زالت موجودة في كثير من الأمور.
إن غلبة الإحساس بالتفوق والتمييز لدى الإنجليز، إذا ما نظروا إلى الشعوب التي كانوا يحكمونها، يجعل التعامل معهم بعقلية الغالب والمغلوب، فقانون الجنسية هناك مثلًا يقوم على أساس النفعية البحتة، فعلى حسب إفادة الناس ونفعهم للدولة يكون وضعهم فيها؛ ولذلك تقرر التمييز في المواطنة بين: رعية Subject، مواطن Citizen، وطني Nationalist، تضم الأولى الذين درجتهم أدنى في الجنسية وبالتالي في الوضع والحقوق، تليهم الثانية، ثم الثالثة أعلاهم درجة (1).
وإن كانت الدولة تترك المسلمين يمارسون شعائرهم الدينية بالحرية، إلا أن بعض المواطنين المسيحيين قد يتخذون موقفًا معاديًا، ففي بريطانيا طردت مديرة إحدى المدارس طالبين مسلمين بعد أن ضبطا وهما يصليان في موقف سيارات المدرسة، وقالت المديرة:"إن الإسلام دين الشيطان، وأنها لا تعتبر نفسها مسيحية إذا لم تؤمن بذلك"(2)، ولم يذكر أن فعلت الحكومة شيئًا لإنصاف المعتدى عليهما.
وهذا التصرف انعكاس من الصورة الحقيقية لشعور المسيحيين بالغرب عمومًا إزاء الإسلام، جاء على لسان المنصر الإنجليزي Canon David Maclnnes قوله: "من
(1) فقه الجنسيات دراسة مقارنة في الشريعة الإسلامية والقانون، المطبعة الجامعية طنطا، 1407 هـ، د. أحمد محمد أحمد، (ص 211).
(2)
مجلة لواء الإسلام، العدد الثالث، السنة الثالثة والأربعون، غرة ذي القعدة، 1408 هـ، (ص 45).
أضخم التحديات التي تواجهنا في بريطانيا -في اعتقادنا- هو وجود مليون مسلم في هذه البلاد؛ ولذا يجب على المسيحيين مواجهة تواجدهم بكل جد" (1).
ولا يختلف الأمر في الولايات المتحدة، فالتفرقة التي يعاني منها المواطنون السود مرجعها إلى جانب اللون الدين كذلك، حيث يُمَثَّل الإسلام في المسلمين السود، حيث اتخذت التفرقة سبيلها في العرف والقانون معًا، فللسود مدارس خاصة ومستشفيات خاصة، ومن صور التفرقة بسبب الدين أيضًا تمتع المواطنين اليهود بوضع جيد مؤثر في سياسة الدولة دون غيرهم من الأقليات.
ولا تزال المراكز الإسلامية في دول العالم المتحضر كأمريكا تعاني معاناة كبيرة تارة من الأفراد بالتخريب والسرقة والبلاغات الكاذبة، وتارة من وسائل الإعلام التي تشن حملاتها الإعلامية المضللة، والتي يُتَّهم فيها المسلمون بالإرهاب والتدمير واتخاذ المساجد معاقل للتدريب وتخزين الأسلحة، ومن الحكومات بمنع وتعويق صدور تراخيص البناء للمساجد والمراكز في بعض المناطق (2).
وأخيرًا:
فلا شك أن المجتمعات الأمريكية والأوروبية تمتعت فيها الأقليات المسلمة بهامش لا بأس به من الحرية، إذا ما قورن ذلك بمجتمعات ودول أخرى، إلا أنه لا بد أن يذكر أن هذا الهامش قد تقلص في السنوات الأخيرة بشكل بالغ -ولا سيما بعد سبتمبر 2001 م- حيث فرضت القوانين الخاصة التي يراد منها في الحقيقة مواجهة الإسلام وأهله في تلك البلاد، ولا تخفى هذه الحرب الصليبية التي تشنها أمريكا وحلفاؤها من
(1) أساليب التبشير النصراني بين الأقليات المسلمة في بريطانيا، عطاء الله صديقي، ضمن بحوث مؤتمر الأقليات الإسلامية في العالم ظروفها المعاصرة، آلامها وآمالها، دار الندوة العالمية، 1420 هـ - 1999 م، (1/ 289 - 293).
(2)
الدعوة بين المسلمين في الولايات المتحدة الأمريكية، د. خالد عبد الرحمن القريشي، (ص 158 - 162).