الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى الخمر لإزالة الغصة لم يجز له التعدي عن هذا القدر، ومن استشير في شأن خاطب أو ناكح، لم يعدل إلى التصريح متى كان التعريض بقدْحِه كافيًا؛ كأن يقول: لا يصلح لك. . . ونحو ذلك (1).
ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [البقرة: 173]، ففي التفسير: الباغي هو آكل الميتة فوق الحاجة، والعادي هو آكلها مع وجود غيرها، أو الباغي هو من أكلها شهوةً وتلذذًا، والعادي هو من أكل إلى حد الشبع (2).
ومن القواعد التي دلت على هذا الضابط قاعدة: "ما أبيح للضرورة يقدر بقدرها"(3).
وكذا الحاجة تقدر بقدرها، فإذا كان الطبيب يجوز له أن ينظر من العورة بقدر ضرورة العلاج، فليس له أن يزيد عليها، وليس له أن يخلو بالمرأة الأجنبية عنه.
وإذا أجاز بعض العلماء للمضطر من المغتربين في غير بلاد المسلمين أن يعمل بعمل محرم لسد رمقه، والإبقاء على نفسه، فليس له أن يبقى مستمرئًا للعمل المحظور، فضلًا عن أن يبقى متربحًا منه! وإنما ما جاز لعذر فإنه يبطل بزواله، كما سيأتي.
الضابط الرابع: الاقتصار في ارتكاب المحظور على زمن بقاء الضرورة:
وهذا الضابط يتعلق بزمن العمل بحكم الضرورة، فيتقيد زمن الإباحة للمحظور ببقاء الضرورة أو الحاجة التي تنزل منزلتها، فإذا زال العذر المبيح لانتهاك المحرم عاد الأمر إلى سابق عهده من التحريم والمنع، ولا يجوز حينئذٍ العمل بالخلف والبدل؛ إذ لا يجوز الجمع بين البدل والمبدل منه، فإذا زال المانع عاد الممنوع إلى حكمه الأول.
وهذا معنى القاعدة الفقهية: "ما جاز لعذر بطل بزواله"(4).
(1) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 84)، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص 95)، المنثور في القواعد، للزركشي، (2/ 320 - 321).
(2)
أحكام القرآن، لابن العربي، (1/ 85)، أحكام القرآن، للقرطبي، (2/ 231).
(3)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 84)، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص 95).
(4)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 85)، والأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص 95)، وشرح القواعد الفقهية، للزرقا، (ص 189).
فالمتيمم الذي أبيح له -إذا فقد الماء أو عجز عن استعماله- أن يلجأ إلى التراب في الطهارة، فإذا وجد الماء، أو قدر على استعماله بعد التيمم فإن تيممه يبطل بزوال عذره المبيح، فإذا وُجد الماء بطل التيمم (1).
وكل ما تجاوز عن حده انعكس إلى ضده (2).
وإذا ضاق الأمر اتسع، وإذا اتسع الأمر ضاق (3).
والمسلم على كل حال وفي كل زمان ومكان، سواء أكان ببلاد المسلمين أم بغيرها مأمور بأن يسعى لدفع غربته، ورفع ضرورته، ومدافعة الاضطرار بعد وقوعه ما استطاع إلى ذلك سبيلًا، بل هو فرض من فروض الكفاية على الأمة، وفرض متعين على كل قادر مطيق.
قال ابن عبد البر: "وجملة القول في ذلك: أن المسلم إذا تعين عليه ردُّ رمق مهجة المسلم وتوجَّه الفرض في ذلك بألَّا يكون هناك غيره قضي عليه بترميق تلك المهجة الآدمية"(4).
ومن التطبيقات ذات الصلة بحياة الأقليات: قضية ابتعاث طلبة الدراسات العليا إلى الغرب في التخصصات العلمية المتنوعة، والأصل في هذا الأمر أن الإقامة بتلك البلاد غير المسلمة جازت للضرورة، أو الحاجة التي تنزل منزلتها.
فإذا احتاج أهل الإسلام لابتعاث أبناء المسلمين في تخصصات دقيقة يحتاج إليها المسلمون، وكان هذا موضع ضرورة، فلتقدر بقدرها وزمانها، فليمنع الابتعاث في غير العلوم الفنية والدقيقة فلا حاجة لابتعاث في علوم لغوية، أو أدبية، أو تاريخية، وإنما ليقتصر على العلوم التجريبية والتطبيقية، والتي لا تتأتى في ديار الإسلام (5).
(1) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 83)، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص 93)، شرح القواعد الفقهية، للزرقا، (ص 163).
(2)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 83)، الأشباه والنظائر، لا بن نجيم، (ص 93).
(3)
المراجع السابقة.
(4)
التمهيد، لابن عبد البر، (14/ 210)، تفسير القرطبي، (2/ 225 - 226).
(5)
الابتعاث ومخاطره، د. محمد الصباغ، (ص 46 - 48).