الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
المقاصد الشرعية لفقه نوازل الأقليات المسلمة
لا شك أن الشريعة جاءت لحِكَم وأسرار، وارتبطت أحكامها بعلل تحقق مصالح العباد في العاجل والآجل، علم ذلك من علمه وجهله من جهله، وقد هدى الله بنور الإيمان والتوفيق إلى ذلك طائفةً من علماء الأمة بحثوا في ذلك وقرروه وأصَّلوه، وبرهنوا عليه باستقراء النصوص والأحكام، وفي مقدمة هؤلاء: الإمام الشاطبي الذي اهتم بإثبات مقاصدها وإظهارها بالبرهان القاطع، واهتم آخرون بتعريفها من أمثال: محمد الطاهر ابن عاشور، وعلال الفاسي، فيقول الأخير معرِّفًا المقاصدَ تعريفًا موجزًا:"المراد بمقاصد الشريعة: الغاية منها، والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها"(1).
ويقول أيضًا في موضع آخر: "المقصد العام للشريعة الإسلامية هو عمارة الأرض، وحفظ نظام التعيش فيها، واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين فيها، وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامة، ومن صلاح في العقل وفي العمل، وإصلاح في الأرض واستنباط لخيراتها، وتدبير لمنافع الجميع"(2).
وأما الدكتور الريسوني فيعرفها بأنها: "الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد"(3).
(1) مقاصد الشريعة ومكارمها، لعلال الفاسي، (ص 7).
(2)
مقاصد الشريعة ومكارمها، لعلال الفاسي، (ص 45 - 46).
(3)
نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي، لأحمد الريسوني، الدار العالمية للكتاب الإسلامي، ط 2، 1412 هـ - 1992 م، (ص 7).
ويتوقف نيلُ المرء درجةَ الاجتهاد عند الإمام الشاطبي على ضرورة فهم مقاصد الشريعة على كمالها، وفي ذلك يقول:"إنما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين: أحدهما: فهم مقاصد الشريعة على كمالها، والثاني: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه فيها"(1).
وإنما كان فهم المقاصد ضروريًّا لممارسة الاجتهاد؛ ذلك لأن معظم الزلات والانحرافات التي عرفها تاريخنا الإسلامي كانت ناتجة عن ابتعاد الناس عن ربط الأحكام بمقاصدها، وضعف إدراكهم الأسرار الإلهية لمختلف الأحكام الشرعية، مما أورث فهمًا معوجًّا لمعاني نصوص الكتاب والسنة، وتنزيلًا كليلًا في الواقعات المختلفة.
"وإذا كان من المتفق عليه عند أهل العلم بالأصول والفقه أن كل حكم شرعي ينتظم أمورًا ثلاثة؛ هي: الوصف الظاهر المنضبط (العلة) (2)، وما في الفعل من نفع أو ضرر (المصلحة)، وما يترتب على الفعل من جلب منفعة أو درء مفسدة (المقاصد)؛ فإن مقتضى هذا الخلوصُ إلى تقرير القول بأن المقاصد تمثل الغاية من التشريع، ويتوقف على حسن إدراكها الاعتداد بمدى مشروعية حكمٍ من عدمه، بل إن هذا يؤكد أن مشروعية التصرفات امتثالًا وامتناعًا تُستمد من مدى ما تتضمنه من جلبٍ للمنفعة أو درء للمفسدة، وبتعبير آخر: يعدُّ التصرف مشروعًا إذا تضمَّن جلبًا للمنفعة أو درءًا للمفسدة، ولا يكون مشروعًا إذا لم يتضمن أحد هذين الأمرين"(3).
وقد انتهى علماء المقاصد والأصول إلى أن المصالح الشرعية التي يسعى الشارع إلى إيجادها هي الضروريات والحاجيات والتحسينيات، كما سبقت الإشارة إليها.
(1) الموافقات، للشاطبي، (4/ 105 - 106).
(2)
يستثنى من ذلك الأحكام التعبدية غير المعقولة المعنى، وما لم يوقف له على وصف ظاهر منضبط يصلح أن يناط به الحكم، وإنما عُرفت له حكمة أو نحوها.
(3)
نحو منهجية رشيدة للتعامل مع مسائل الأقليات المسلمة، د. قطب مصطفى سانو، (ص 23 - 24/ صورة ضوئية)، ضمن بحوث مؤتمر مجمع الفقه الإسلامي، الدورة السادسة عشرة، (9 - 14/ 4/ 2005 م)، دبي - الإمارات.