الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا حرج في الشرع وأحكامه، ولا نعلم في ذلك مخالفًا، فكان إجماعًا منهم عليه (1).
قال في مسلَّم الثبوت وشرحه: " (ولا حرج) في الشرع (عقلًا) كما عند المعتزلة، (أو شرعًا)، كما عندنا"(2).
ولهذا رد الفقهاء قواعد الفقه إلى خمسة كبرى، منها: المشقة تجلب التيسير، وعليها اتفق الفقهاء والعلماء قاطبة (3).
رابعًا: المعقول:
1 -
لو لم يكن الحرج منفيًّا لكان ثابتًا، لكن التالي باطل، فبطل ما أدى إليه، وصدق نقيضه، وهو أن الحرج منفي عن الشرع، وذلك باستقراء أحكام الشريعة استقراءً تامًّا، وإجماع العلماء على أن ليس في أحكام الشريعة ما فيه حرج، إلا ما كان مرفوعًا به حرج أعظم، وهو على التحقيق ليس حرجًا (4).
2 -
لو كان دفع المشقة والحرج غير مقصود للشارع لما كان في الشرع ترخيص، فلا تخفيف للأعذار ونحوها، والتالي باطل لثبوت الرخص الشرعية للعذر في كثير من الأحكام، ولو لم يكن دفع الحرج والمشقة مقصودًا للشارع للزم التناقض في أحكام الشارع عند إثبات الرخص والتخفيفات، وهو ما يستحيل عقلًا (5).
شروط القاعدة:
لقد سرت تطبيقات هذه القاعدة إلى عموم الأحكام، وتناولت شروط التكليف،
(1) رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، د. يعقوب الباحسين، (ص 68).
(2)
مسلم الثبوت، لابن عبد الشكور مع شرحه فواتح الرحموت، للكنوي، (1/ 135).
(3)
قاعدة المشقة تجلب التيسير، د. يعقوب بن عبد الوهاب الباحسين، مكتبة الرشد، ط 2، 1426 هـ - 2005 م، (ص 218 - 221).
(4)
المرجع السابق، (ص 221 - 224).
(5)
الموافقات، للشاطبي، (2/ 122 - 123).
وعليها بُنيت قواعد أصولية أخرى، وأُسست قواعد فقهية كبرى.
فأما سريانها إلى الأحكام الشرعية بعامة فيتجلى في ثلاثة مظاهر:
المظهر الأول: الأحكام المخففة ابتداءً، وهذا جارٍ في جميع الأحكام المتعلقة بالعبادات وغيرها.
المظهر الثاني: الأحكام المشروعة للأعذار، وقد شرعت ترخيصًا وتيسيرًا لأجل ما يطرأ على المكلف من عجز أو حرج.
المظهر الثالث: ما سقط عن الأمة مما كُلِّفت به بعض الأمم السابقة في شرائعها (1).
وأمثلة كل مظهر كثيرة شهيرة يطول المقام بذكرها، وأما شروط التكليف المبنية على رفع الحرج فالمقصود بها أمران:
1 -
التكليف بفعل مقدور للمكلف:
فلا تكليف شرعًا بما لا يطاق، وهو مذهب جمهور العلماء (2).
وينبني على هذا أن يكون الفعل المكلَّف به ومصدره معلومين للمكلف، فلا يصح التكليف بالمجهول، ويما لا يعقل، وإلا للزم التكليف بما لا يطاق، وهو من أعظم الحرج (3).
كما أنه لا تكليف إلا بفعل الإنسان، وما يدخل تحت قدرته، فلا يكلف بفعل غيره (4)، ولا بما لا يقدر عليه، فلا تكليف بالمستحيل.
قال الشاطبي رحمه الله: "فالأوصاف التي طبع عليها الإنسان، كالشهوة إلى الطعام والشراب لا يطلب برفعها ولا بإزالة ما غرز في الجبلة منها؛ فإنه من تكليف ما لا
(1) رفع الحرج في الشريعة الإسلامية، د. صالح بن حميد، (ص 97).
(2)
البحر المحيط، للزركشي، (1/ 386 - 389)، فواتح الرحموت، للكنوي، (1/ 99 - 103)، المستصفى، للغزالي، (69 - 71)، نهاية السول، للإسنوي، (1/ 345 - 369).
(3)
الموافقات، للشاطبي، (3/ 27).
(4)
فلا يكلف عمرو مثلاً بخياطة زيد أو كتابته ولا بشيء من الصفات الجبلية كالسواد والبياض والطول والقصر، انظر: رفع الحرج، للباحسين، (ص 164).
يطاق، كما لا يطالب بتحسين ما قبح من خلقة جسمه، ولا تكميل ما نقص منها؛ فإن ذلك غير مقدور للإنسان، ومثل هذا لا يقصد الشارع طلبًا ولا نهيًا عنه" (1).
وبناءً على ذلك فإنه لا يجوز التكليف بما لا يطاق، ويجوز التكليف بالمشاق، وإن كانت غير مقصودة أصلاً للشارع (2).
2 -
أهلية المكلف للتكليف:
كان الشرط السابق متعلقًا بالفعل المكلف به، أما هذا الشرط فيتعلق بقدرة المكلف على فهم الخطاب وتنفيذه، وهو ما يعبَّر عنه بمصطلح الأهلية، وهي على نوعين:
1 -
أهلية وجوب بمعنى: صلاحية الإنسان لوجوب الحقوق المشروعة له وعليه، أو صلاحيته للإلزام والالتزام (3).
2 -
وأهلية الأداء وهي: صلاحيته لصدور الفعل عنه على وجه يعتدُّ به شرعًا (4).
ولتحقق الأهلية الكاملة تُشترط قدرتان:
الأولى: قدرة على فهم الخطاب الشرعي، وهي تتحقق بالعقل، ولما كان العقل متفاوتًا اعتُبِرَ عقل البالغ مناطًا لاعتبار العقل.
والثانية: قدرة العمل وتنفيذ ما جاء في الخطاب وهي تتحقق بسلامة البدن وصحته، ولما كان هذا متفاوتًا أيضًا اعتُبِرَت قوة البدن لدى تكامل القوى في سن البلوغ.
ولهذا ارتفع التكليف عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن
(1) الموافقات، للشاطبي، (2/ 108 - 109).
(2)
الموافقات، للشاطبي، (2/ 119).
(3)
الأهلية وعوارضها بحث للشيخ أحمد إبراهيم، مجلة القانون الاقتصادية عدد 3 السنة الأولى 1931 م، شرح التلويح، للتفتازاني، (2/ 337)، رفع الحرج، للباحسين، (ص 175).
(4)
شرح التلويح، (2/ 337)، للتفتازاني، مباحث الحكم عند الأصوليين، محمد سلام مدكور، المطبعة العالمية، مصر، 1963 م، (ص 251)، رفع الحرج، للباحسين، (ص 176).