الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني
الثبات والتغير في الأحكام الشرعية
من بين ما وجهه أعداء الشريعة في العصر الحديث إليها من تهم باطلة أنها جامدة غير متطورة، وهذا الافتراء إنما هو ترديد جاهل لما كتبه غربيون مغرضون، أو تأثر ظاهر بنمط الحياة العلمانية الغربية، التي تفصل بين الدين والدنيا (1).
وبغض النظر عن تلك الافتراءات فإن قضية ثبات أو تغير الأحكام الشرعية تعد واحدة من أخطر القضايا الأصولية وأشدها التباسًا، فتارة يكون الخلاف فيها خلافًا معنويًا ذا دلالات خطيرة، وتطبيقات تنحرف عن الجادة، وتارة يكون الخلاف لفظيًّا لا تترتب عليه ثمرة عملية، وإنما هو خلاف عبارات لاختلاف الاعتبارات؛ الأمر الذي يتأكد معه تحرير النزاع، وفيما يأتي بيان يُعْنَى بدفع الالتباس قبل الترجيح، كما يظهر من المطالب التالية:
المطلب الأول: علاقة الحكم الشرعي بمحالِّ ثبوته:
يتعلق الحكم الشرعي بأفعال وتصرفات العباد وما يرتبط بها كما هو ظاهر من تعريفاته المختلفة، مثل قول بعض الأصوليين هو:"خطاب الشرع إذا تعلق بأفعال المكلفين"(2) أو
(1) يراجع في هذه المعنى: نحو ثورة في الفكر الديني، د. محمد النويهي، دار الآداب، بيروت، ط 2، 1983 م، (ص 151)، مجلة المحاماة الشرعية، العدد الأول، (ص 8)، الإسلام وأصول الحكم، لعلي عبد الرازق، وممن تولى الرد عليه د. ضياء الدين الريس في كتاب الإسلام والخلافة، (ص 270) وما بعدها، ومن قبله شيخ الأزهر في زمنه الشيخ محمد الخضر حسين في كتابه نقض الإسلام وأصول الحكم.
(2)
المستصفى، لمحمد بن محمد أبي حامد الغزالي، تحقيق محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1، 1413 هـ (1/ 55)، واعتمده أبو الوليد محمد بن رشد الحفيد في كتابه الضروري =
هو: "خطاب الله المتعلق بفعل المكلف من حيث هو مكلف"(1)، أو هو:"خطاب الله المتعلق بفعل المكلفين بالاقتضاء أو التخيير"(2)، وقد زاد ابن الحاجب (3)، "أو الوضع" ليدخل الأحكام الوضعية مع التكليفية (4).
فإذا وصف فعل معين أو عين معينة بحِلٍّ أو حرمةٍ فهل هذا الوصف الشرعي (الحكم) كان لخصائص ذاتية من النفع أو الضر ومن المصلحة أو المفسدة، اقتضت هذا التوصيف الشرعي، فيكون الحكم الشرعي عندئذٍ وصفًا ذاتيًّا بالنسبة لمحالِّ ثبوته، أم إنه لا صلة بين التوصيف الشرعي (الحكم) ومحل ثبوته إلا ما يجعله الشرع بينهما من صلة؟
وقد اختلف الأصوليون في هذه المسألة النظرية على قولين يتخرجان على الخلاف في مسألة التحسين والتقبيح العقليين (5)، وقد وقف كلٌّ من الأشاعرة والمعتزلة على طرفي نقيض، وهدَى الله تعالى من شاء إلى الوسط الذي لا غلو فيه ولا تفريط، وفيما يلي بيان المذهبين والترجيح:
= في أصول الفقه، تحقيق: جمال الدين العلوي، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1994 م، (ص 41).
(1)
شرح العضد على مختصر ابن الحاجب للإيجي، (2/ 110)، حاشية البناني على شرح جمع الجوامع، (1/ 47 - 49).
(2)
المحصول في علم الأصول، لأبي عبد الله محمد بن عمر، فخر الدين الرازي، تحقيق: د. طه جابر فياض العلواني، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض، ط 1، 1400 هـ (1/ 107)، ونسبه التفتازاني في التلويح على التوضيح، (1/ 22) لأبي الحسن الأشعري.
(3)
أبو عمرو، جمال الدين، عثمان بن عمر بن أبي بكر بن يونس ابن الحاجب، الشيخ الإمام العلامة المقرئ الأصولي الفقيه النحوي، تفقه على مذهب الإمام مالك، من مصنفاته: مقدمة وجيزة في النحو، ومنتهى السول والأمل في علمي الأصول والجدل، ولد سنة 570 هـ، وتوفي سنة 646 هـ. سير أعلام النبلاء، للذهبي، (23/ 565)، وفيات الأعيان، لابن خلكان، (3/ 248).
(4)
مختصر المنتهى، لابن الحاجب، (1/ 282 - 283).
(5)
وقد أفردت رسائل علمية قيمة في هذه المسألة في القديم والحديث، فمن ذلك: كتاب نجم الدين الطوفي الحنبلي "درء القول القبيح بالتحسين والتقبيح"، ومن الحديث رسالة دكتوراه بعنوان "التحسين والتقبيح العقليان وأثرهما في مسائل أصول الفقه"، د. عايض الشهراني، نوقشت في قسم أصول الفقه، بكلية الشريعة جامعة الإمام محمد بن سعود، بالسعودية، وقد طبعت بدار كنوز إشبيليا، ط 1، 1429 هـ.
المذهب الأول:
التحليل والتحريم صفات عَرَضِيَّة تعرض لمتعلَّقاتها من الأعيان، أو الأفعال بدلالة خطاب الشرع فحسب، ولا ارتباط بين الحكم والصفات الذاتية في متعلَّقه الذي يقوم به، إلا أن الخطاب الشرعي ربط بينهما ابتداءً لغير معنى يعقل، فلا يعتبر في تحريم الخمر ما يتعلق بذاتها من صفة الخمرية وإحداث السكر؛ إذ الحكم لا يتعلق بالأعيان لخصائصها الذاتية أو الملازمة، بل معنى هذا التحريم نسبة الخمر إلى اجتناب الشرب وعدم التناول فحسب.
ويعتبرون أن قولنا: الخمر محرمة تجوُّز؛ لأنها جماد لا يتعلق بها خطاب، وإنما المحرم تناولها، أو المقول فيه: لا تفعلوا، كما أن الواجب المقول فيه: لا تتركوا (1).
وهذا مذهب جمهور المتكلمين من الأصوليين (2) وبعض أصوليي الحنفية (3).
المذهب الثاني:
التحليل والتحريم قد يتعلقان بالأفعال والأعيان لخصائص ذاتية، أو ملازمة تناسب الحكم وتصلح له، فإن كانت الأعيان والتصرفات بها من الفساد أو الضرر اقتضت حكمته تعالى ورحمته بعباده التحريم، وإن كانت تتضمن خصائص النفع والصلاح اقتضت رحمته تعالى الإباحة، ولا يمنع أن تكون صفات عرضية إضافية تقتضي الأحكام الشرعية، ولا سبيل لإدراكها من غير طريق النصوص الشرعية، بل ولا يثبت الحكم الشرعي في هذه الأعيان أو
(1) المنخول من تعليقات الأصول، لأبي حامد الغزالي، تحقيق: محمد حسن هيتو، دار الفكر دمشق، ط 2، 1400 هـ - 1980 م، (ص 7).
(2)
البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، تحقيق: عبد العظيم محمود الديب، دار الوفاء، المنصورة، مصر، ط 4، 1418 هـ (1/ 79)، المستصفى، للغزالي، (ص 58).
(3)
أصول السرخسي، لأبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، تحقيق: أبي الوفاء الأفغاني، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1414 هـ - 1993 م، (1/ 195)، كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، لعلاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري، تحقيق: عبد الله محمود محمد، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1418 هـ - 1997 م، (1/ 391).
الذوات إلا من جهة النصوص.
وهذا مذهب أكثر أصوليي الحنفية وبعض الحنابلة (1).
ويلاحظ أن المعتزلة بالغوا في وظيفة العقل حتى جعلوه مصدرًا للتشريع، متقدمًا على النقل، وقد جانبوا الصواب حين قصروا الأوصاف المقتضية للأحكام على الأوصاف الذاتية فقط (2).
وأما الأشاعرة فكان مذهبهم بمثابة رد فعلٍ لمذهب المعتزلة، وذلك حين نفوا العلاقة بين الحكم الشرعي والخصائص الذاتية والملازمة.
ثم إنهم عادوا فتناقضوا حين قالوا: إن الأحكام الشرعية معلَّلة، وذكروا الحِكَم المرتبطة بها عند الدخول في مسائل الفقه (3).
وقد وقع هذا الاضطراب عند الرازي (4)، والعز ابن عبد السلام وغيرهما.
يقول العز ابن عبد السلام رحمه الله-معتمدًا مذهب جمهور الأصوليين-: "وليس
(1) المعتمد في أصول الفقه، لأبي الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري، تحقيق: خليل الميس، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط 1 (1403)، (2/ 201)، وآراء المعتزلة الأصولية، لعلي بن سعد الضويحي، مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1415 هـ، (ص 190) وما بعدها، ميزان الأصول، للسمرقندي، (ص 290)، تيسير التحرير، لأمير باد شاه، (1/ 172)، المغني في أصول الفقه، لجلال الدين أبي محمد عمر بن محمد بن عمر الخبازي، تحقيق: محمد مظهر بقا، مركز البحث العلمي وإحياء التراث بجامعة أم القرى، ط 1 (1403)، (ص 60)، وسلم الوصول للمطيعي، (1/ 85).
(2)
مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (11/ 354)، إعلام الموقعين، لابن القيم، (2/ 12).
(3)
الإبهاج في شرح منهاج الوصول إلى علم الأصول، لعلي بن عبد الكافي السبكي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1404 هـ، (3/ 40 - 41).
(4)
أبو عبد الله، فخر الدين، محمد عمر بن الحسين بن الحسن الرازي الطبرستاني، ولد سنة (544 هـ)، قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: العلامة الكبير ذو الفنون، الأصولي المفسر، كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين، له مصنفات كثيرة منها: التفسير الكبير، المحصول في علم الأصول، المطالب في الحكمة، ولد سنة 544 هـ، وتوفي 606 هـ. سير أعلام النبلاء، (21/ 500)، وفيات الأعيان، لابن خلكان، (4/ 248).
وصف الأفعال بالتحليل والتحريم والكراهة والندب والإيجاب وصفًا حقيقيًّا قائمًا بالأفعال؛ إذ لا يقوم عَرَض بعَرَض، ولا يقع التكليف إلا بالأعراض، وإنما هو عبارة عن تعلق خطاب الشرع بالأفعال" (1)، ثم يعود فيقرر مذهب الحنفية الأصولي فيقول: "أسباب التحريم والتحليل ضربان: أحدهما: قائم بالمحل الذي يتعلق به فعل المكلف، والثاني: خارج عن المحل، فأما القائم بالمحل من أسباب التحريم فهو كل صفة قائمة في المحل موجبة للتحريم، كصفة الخمر فإنها محرمة لما قام بشربها من الشدة المطربة المفسدة للعقول، وكالميتة حرمت لا قام بها من الاستقذار" (2).
الترجيح:
إن كان من ترجيح بين هذين المذهبين اللذين توسع الأصوليون في عرضهما وبيان أدلتهما والإيرادات وما تندفع به ونحو ذلك، فإنه يترجح مذهب القائلين بتعلق الحكم الشرعي بالأعيان والتصرفات لخصائص ذاتية أو ملازمة، تناسب الحكم وتصلح له؛ ذلك أن الأدلَّة مصرحة بهذا أتم تصريح، ومبينة له أوضح بيان، فإن الله تعالى ما حرم الزنا لحسنه، ولا لانعدام صفة القبح فيه، بل رتب الله تحريمه على تحقق معنى الفاحشة فيه، وسوء سبيله وسبيل من سلكه.
قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32].
والله تعالى يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، فيأمر بالعدل والإحسان، ولا يأمر بالفحشاء، والعدل والإحسان والفحشاء خصائص ذاتية في الأفعال تقتضي أمرًا بها أو نهيًا عنها، فلا يجوز أن يأمر تعالى بالفحشاء، أو أن ينهى عن العدل والإحسان، قال تعالى:{قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [الأعراف: 28].
(1) قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (2/ 187).
(2)
المرجع السابق، (2/ 190).
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [النحل: 90].
سئل أعرابي دخل في الإسلام فقيل له: عن أي شيء أسلمت؟ وما رأيت منه -أي النبي صلى الله عليه وسلم- مما دلَّك على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما أمر بشيء، فقال العقل: ليته نهى عنه، ولا نهى عن شيء، فقال العقل: ليته أمر به، ولا أحلَّ شيئًا، فقال العقل: ليته حرمه، ولا حرَّم شيئًا، فقال العقل: ليته أباحه (1).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن أنكر أن يكون للفعل صفات ذاتية لم يُحسِّن إلا لتعلق الأمر به (2) وأن الأحكام بمجرد الخطاب إلى الفعل فقط، فقد أنكر ما جاءت به الشريعة من المصالح والمفاسد والمعروف والمنكر، وما في الشريعة من المناسبات بين الأحكام وعللها، وأنكر خاصة الفقه في الدين الذي هو معرفة حكمة الشريعة ومقاصدها ومحاسنها"(3).
ومن غير شك فإن المتتبع لأحكام الشريعة ليقوم في نفسه العرفان بأنها ما شرعت إلا تحصيلًا لمعانٍ وحكم متغياة من قبل الشارع؛ لذا كان إغفال المقاصد في فهم الأوامر والنواهي بعيدًا عن مقصود الشارع (4).
يقول الدهلوي رحمه الله (5): "قد يظن أن الأحكام الشرعية غير متضمنة لشيء من
(1) مفتاح دار السعادة ومنشور ولاية العلم والإرادة، لأبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن القيم، تحقيق: علي حسن عبد الحميد الحلبي، دار ابن عفان، ط 1، 1416 هـ - 1996 م، (2/ 459).
(2)
الضمير يعود إلى الفعل.
(3)
مجموع الفتاوي، لابن تيمية (11/ 354).
(4)
الحكم الشرعي بين أصالة الثبات والصلاحية، د. عبد الجليل زهير ضمرة، دار النفائس، الأردن، ط 1، 1426 هـ - 2006 م، (ص 51).
(5)
أبو عبد العزيز، أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي الدهلوي الهندي المشهور بشاه ولي الله، فقيه حنفي من المحدثين من أهل دلهي بالهند، أحيا الله به وبتلاميذه الحديث والسنة في الهند، وعلى كتبه وأسانيده المدار =
المصالح، وأنه ليس بين الأعمال وبين ما جعل الله جزاء لها مناسبة، وهذا ظن فاسد تكذبه السنة وإجماع القرون المشهود لها بالخير" (1).
ولا يمنع هذا من أن الله تعالى قد يأمر بفعل أو ينهى عنه لغاية متعلقة بذات الأمر أو النهي لا لخصيصة قائمة في المأمور به أو المنهي عنه، كأن يتعبد عباده بالامتثال ويقيم عليهم الحجة بالاختيار، وإلا لِمَ أمر الله الخليل بأن يذبح ولده إسماعيل؟!
قال تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ} [الصافات: 103 - 106].
وقد يأمر الشارع الحكيم وينهى لإظهار عبوديته في الخلق وطلب تعظيمه بالاستجابة والطاعة، وإفراده بالتأليه، كما يكون في العبادات المقدَّرة والمؤقتة، والتي لا سبيل لأن يدرك العقل فيها علة لخصوص التقدير أو التأقيت، غير القيام بواجب العبودية لله تعالى، ومن ذلك: تحديد أوقات وعدد ركعات الصلوات ومقادير الزكوات، وأوقات الصيام، ونحو ذلك.
ويذهب القرافي رحمه الله (2) إلى أن مثل هذه العبادات المحضة تعلل أيضًا بمصالح العباد، فيقول: "تخصيص صاحب الشرع بعض الأوقات بأفعال معينة دون بقية الأوقات يقتضي اختصاص ذلك الوقت المعين بمصلحة لا توجد في غير ذلك الوقت، ولولا ذلك
= في تلك الديار، وله مصنفات كثيرة، منها: حجة الله البالغة، والإنصاف في مسائل الخلاف، وعقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد، ولد سنة 1110 هـ، وتوفي 1176 هـ. أكبر العلوم، (ص 912)، والأعلام للزركلي، (1/ 149)، معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، (1/ 272).
(1)
حجة الله البالغة، لشاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي، تحقيق: السيد سابق، دار الجيل، بيروت، ط 1، 1426 هـ - 2005 م، (1/ 27).
(2)
أبو العباس، شهاب الدين، أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المالكي القاهري، الفقيه الأصولي المتكلم النحوي، صاحب المؤلفات التي سارت بها الركبان وتداولها العلماء، منها: الذخيرة، والفروق، والقواعد، والتنقيح في أصول الفقه توفي سنة 684 هـ. شجرة النور الزكية، لمحمد بن محمد مخلوف، (ص 188)، والأعلام، للزركلي، (1/ 94).
لكان الفعل عامًّا في جميع الأوقات، ولا بد لما بعد الزوال من معنى لاحظه صاحب الشرع لم يكن موجودًا قبل الزوال، طردًا لقاعدة صاحب الشرع في رعاية المصالح، وهكذا كل أمر تعبدي، معناه أن فيه معنًى لم نعلمه، لا أنه ليس فيه معنى" (1).
ويرد على هذا أنه لا يلزم من كل أمر أو نهي تحصيل مصلحة للعباد؛ بل قد يقصد الشارع الحكيم الزجر والعقوبة لقيام مقتضاها من جهة المكلفين، قال تعالى:{فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [النساء: 160 - 161].
فلا يمتنع أنه قد يحرِّم الرب ما لا مفسدة فيه؛ عقوبة لمخالفة أو حرمانًا للمخالفين (2).
وأخيرًا فإن المبالغة في التنقيب عن حِكَم المشروعيات بما لم تظهر دلالته من النصوص والأدلة الشرعية، لا سيما ما يظهر فيه وجه التعبد المحض، قد لا يخلو من تكلف.
يقول المقَّري رحمه الله (3): "التدقيق في تحقيق حِكَم المشروعية من مُلَح العلم لا متينه عند المحققين، بخلاف استنباط علل الأحكام وضبط أماراتها، فلا ينبغي المبالغة في التنقيب عن الحِكَمِ لا سيما فيما ظاهره التعبد"(4).
(1) أنوار البروق في أنواء الفروق، لأحمد بن إدريس الصنهاجي القرافي، تحقيق: د. على جمعة محمد، د. محمد أحمد سراج، دار السلام، القاهرة، ط 1، 1421 هـ - 2001 م، (2/ 584).
(2)
قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (1/ 59).
(3)
أبو عبد الله، محمد بن محمد بن أحمد القرشي التلمساني الفاسي المالكي، الشهير بالمَقَّري، جد المؤرخ الأديب أحمد المَقَّري صاحب نفح الطيب، وكان فقيهًا ضليعًا بفقه مذهبه وأديبًا شاعرًا، وكان جريء الجنان لا تأخذه في الله لومة لائم، أخذ عنه الشاطبي صاحب الموافقات وابن خلدون، من مصنفاته: القواعد، الطرف والتحف، والمحاضرات، توفي 758 هـ. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، لأحمد بن محمد المقري التلمساني، تحقيق: د. إحسان عباس، دار صادر، بيروت، 1408 هـ - 1988 م، (5/ 203)، شجرة النور الزكية، لمحمد بن محمد بن مخلوف، (ص 232).
(4)
القواعد، لأبي عبد الله محمد بن محمد بن أحمد المقري، تحقيق: أحمد بن عبد الله بن حميد، جامعة أم القرى، مكة، (2/ 406 - 407).