الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بقية السكان، لهم ثقافتهم ولغتهم ودينهم، ويطالبون بالمحافظة على شخصيتهم وثقافتهم على أساس نظام معين (1).
4 -
مجموعة قومية أو إثنية أو دينية أو لغوية تختلف عن المجموعات الأخرى الموجودة داخل دولة ذات سيادة (2).
من هذه التعريفات نلاحظ أن الأقلية هي مجموعة من سكان دولة أو إقليم أو قطر ما يختلفون عن غالبية سكان تلك الدولة بخاصية من الخصائص السابقة، إما في العرق، أو في الثقافة، أو في الدين، ويحاولون بكل الإمكانات أن يحافظوا على هذه الخصائص لكي لا تذوب في خصائص الأغلبية.
الخلفية التاريخية لهذا المصطلح:
كان للحروب الدينية بين الكاثوليك والبروتستانت أثر في ظهور بنود في المعاهدات الدولية، تنص على حماية حقوق كل طائفة لا تمثل الأغلبية في الدولة التي تقيم فيها.
وفي المؤتمر الذي انعقد بباريس (1856 م) في أعقاب حرب القرم، تضمنت المعاهدات التراتيب الواجب اتخاذها لحماية المسيحين في تركيا.
ثم إنه في أعقاب الحرب العالمية الأولى فرضت معاهدة فرساي تقسيمًا وتحديدًا جديدًا لخارطة كثير من الدول، مما تولد عنه وجود أقليات داخل الحدود المفروضة بقوة تلكم المعاهدة.
لقد حاولت (عصبة الأمم) أن تضع نظامًا أساسيًّا يهدف لحماية الأقليات، ويحفظ هويتهم الخاصة دون أن يؤثِّر ذلك على انتمائهم للدولة التي يقيمون داخل حدودها. ولكن هذا النظام لم تكن له الفاعلية المرجوة منه، واغتيل أثره تبعًا لعجز عصبة الأمم عن تنفيذ قراراتها.
(1) معجم العلوم السياسية الميسر، لأحمد سويلم العمري، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1985 م، (ص 28).
(2)
نحو فقه جديد للأقليات، د. جمال الدين عطية، دار السلام، القاهرة، ط 2، 1428 هـ - 2007 م، (ص 7 - 8).
ثم إنه بعد الحرب العالمية الثانية، عاودت حقوق الأقليات للظهور ولفت الأنظار إليها في منظمة الأمم المتحدة، باعتبار أنها تابعة لحقوق الإنسان بصفة عامة. فاعتمدت حقوق الأقليات على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة (1948 م)، كما اعتمدت على القرارات الصادرة من اللجنة الفرعية لمقاومة الإجراءات التمييزية والقيام على حماية الأقليات، هذه اللجنة التي تأسست (1947 م) داخل هياكل لجنة حقوق الإنسان.
لقد كان لقراراتها أثر محمود على النطاق العالمي، فاستلهمتها بعض الدول فيما يخص تعاملها مع الأقليات، وأمكن بفضل اعتمادها حل بعض المشاكل التي ظهرت داخل حدودها.
ولكن تلكم القرارت تبدو غير كافية؛ لأنها لم تُتْبع بآلية تفرض احترامها وتنفيذها.
كما أنه عند التطبيق يلاحظ أن الإدانات التي تدين بها الأمم المتحدة دولة من الدول لعدم احترامها لحقوق الأقليات تكون مرتبطة في كثير من الأحوال بخلفية سياسية ومصالح، وهذا ما أضعف تأثيرها لدى الرأي العام.
ثم إن الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان سار خطوة إلى الأمام؛ وذلك لتضمنه تمكين الأفراد المنتسبين للأقليات داخل أوطانهم الأوروبية إذا انتهكت حقوقهم، بعد القيام بالإجراءات القانونية في أوطانهم، من رفع قضاياهم إلى المجلس الأوروبي لينصفهم، ويحمي هويتهم حماية ينقذها من مخالب التذويب. ولكن هذه التنظيمات داخل المجلس الأوروبي متوقفة على إجراءات معقدة ومكلفة مما يحد من فاعليتها.
هذه صورة مختصرة عن تطور مبدأ حقوق الأقليات في القرنين الأخيرين.
ويتجلى من تتبع هذا الواقع أنه يتجاذبه طرفان:
أولهما: قيام رجال مؤمنين بالكرامة الإنسانية يبرزون مقتضياتها ويدافعون عنها ويشرحون تفصيلاتها، ويقدمون للمجتمع الدولي في مؤسساته الصورة المثلى التي ينبغي أن تكون عليها العلاقات البشرية، ومعاملة الإنسان كإنسان من السلطة التي تحكم المتساكنين في الوطن الواحد.
وثانيهما: قوى متسلطة لا يهمها إلا بسط سيطرتها على تلكم الأقليات، أو استخدام تلكم المبادئ لأغراض سياسية تمكِّن لهيمنتها المتغطرسة على بعض الدول لابتزازها، وبالتالي التدخل في شئونها الداخلية.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن الأقليات الشاذة المخرِّبة للقيم وللمبادئ العليا للإنسانية تحاول اليوم أن تعتمد هذه المبادئ الرفيعة لحقوق الأقليات لتبرر انحرافها. فقد أخذت مثلًا جمعيات الشاذِّين جنسيًّا من حقوق الأقليات غطاءً لفسادها، وتحصنت بها كقوة تظهر به في العلن مطالبة بأن يكون لها كيانها المعترف به اجتماعيًّا وقانونيًّا. وهكذا تتدمر البشرية كلما حلت الرابطة التي تشدها إلى الحق (الإيمان) ويتعرض الخير إلى انتكاسة ومسخ فينقلب شرًّا.
ومع الواقع المتسلط تقوم أجهزة الإعلام بضجة كبرى منوِّهة بحقوق الأقليات، وتبالغ في تشويه سمعة من ينتهكها من الدول الضعيفة في ميزان القوى الدولية، فتعد الرأي العام العالمي للانحياز إلى ما ترغب القوى العظمى في تحقيقه من غايات تسلطية بناء على تلكم الانتهاكات المقيتة فعلًا، ولكنها تخرس عن كشف الانتهاكات التي تقوم بها الدول القوية على الأقليات داخل حدودها.
وإن ما تقوم به إسرائيل اليوم من تمييز بين سكان فلسطين من اليهود من جهة، ومن السكان الأصليين: المسيحيين والمسلمين من جهة أخرى، واضطهاد غير اليهودي، والاعتداءات المتكررة على حقوقهم، واعتبارهم مواطنين من الدرجة المنحطة المنبوذة في مرتبة دون اليهود الشرقيين والفلاشا؛ لأنهم أقلية داخل المجتمع الذي هوَّدته بالألاعيب السياسية، ليكشف عن وجه بشع يتولد عنه -حتمًا- الكراهية والحقد، وما يتبعها من اضطراب الأمن والقضاء على السلام العالمي (1).
(1) مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة السادسة عشرة، العدد السادس عشر، الجزء الرابع، 1426 هـ - 2005 م، ط 1، 1428 هـ - 2007 م، (ص 384 - 387).
ويعلل بعض الباحثين ظهور هذا المصطلح في الشرق في هذا القرن ببعض الأسباب، منها:
1 -
وجود التقسيمات الجغرافية التي فُرضت على بني البشر؛ إذ تعيش كل طائفة منهم في بقعة جغرافية محددة حيث لا يستطيع أي فرد أن ينتقل من البقعة التي يعيش فيها إلى بقعة أخرى إلا إذا سمحت له الدولة الثانية بذلك كأن تمنحه الجنسية ليصبح أحد مواطنيها، تجري عليه الحقوق والواجبات التي تجري على سكان البلد الأصليين.
2 -
فقدان كيان العدالة الممثل في الدولة الإسلامية، حيث يجب عليها أن تقيمه وتحافظ عليه داخل حدودها وخارجها وتمنع الظلم بأشكاله.
ولما ضعفت الدولة الإسلامية، وفقدت نفوذها بدأ هذا المصطلح في الظهور؛ مما يؤكد القول بأن مصطلح الأقلية ليس مصطلحًا إسلاميًّا؛ وإنما هو مصطلح سياسي جديد بدأ ظهوره واستعماله بشكل كبير في بداية العهد الاستعماري الحديث (1).
وأيًّا ما كان الأمر فقد استقرت دلالة هذا المصطلح في العصر الحديث على مجموع أمرين معًا، هما: القلة العددية لمجموعة ما تعيش في مجتمع أوسع، والتميز دون سائر ذلك المجتمع بخصوصيات أصيلة، وبغضِّ النظر عن اعتبارات أخرى.
ولقد وجد من الباحثين من يحاول أن يضيف إلى معنى هذا المصطلح ومغزاه أمورًا أخرى، كأن يشترط في هذه الأقلية أن تكون منظمة بشكل ما، أو أنها تعامل معاملة خاصة، أو أنها تتعرض للتذويب الثقافي، ونحو ذلك.
ومن أمثلة هذا المنحى في تعريف الأقلية: هي مجموعة بشرية تعيش بين مجموعة بشرية أكثر عددًا، وتختلف عنها في خاصية من الخاصيات تصبح نتيجتها أن تعامل معاملة مختلفة عن معاملة الأكثرية (2).
(1) الأحكام السياسية للأقليات المسلمة، لسليمان توبولياك، (ص 27 - 28).
(2)
الأقليات الإسلامية في العالم اليوم، د. علي الكتاني، مكتبة المنار، مكة المكرمة، ط 1، 1988 م، (ص 6).
وإذا كنا بصدد وضع تعريف اصطلاحي للأقليات عند فقهاء المسلمين في العصر الحديث، فإننا يتعين علينا أن ننطلق من الإسلام ذاته، وموقفه من الآخر، وهذا الموقف لا يقوم على نفي الآخر أو ظلمه أو قهره.
فالبشرية كلها قد خلقها الله تعالى من نفس واحدة، ثم شاء لها التنوع والاختلاف، إلى ذكران وإناث، وشعوب وقبائل، وألسنة ولغات وقوميات، وألوان وأجناس، ومناهج وثقافات وحضارات، وأعراف وتقاليد وعادات، في إطار جامعٍ هو الإنسانية الواحدة، ونفس المنهاج، قد حكم الرؤية الإسلامية في النظر إلى الأمة ورعية الدولة، فجامع الأمة هو الرابط الذي يظلل التنوع والاختلاف في الشعوب والقبائل، وفي الألسنة واللغات والقوميات، وفي الطبقات الاجتماعية، وفي الأقاليم والأوطان، وفي العادات والتقاليد والأعراف -أي: الثقافات الفرعية- كل هذا التنوع الذي هو سنة من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل؛ يعيش الناس جميعًا في ظلال جوامع الأمة الواحدة، والحضارة الواحدة، وفي إطار دار الإسلام، {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1]، {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [المائدة: 48] أي: ملة واحدة {وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [المائدة: 48]، {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} [الروم: 22].
فكل هذه الأنواع من التمايزات هي القاعدة المضطردة، والإعمال لسنة الله تعالى في كل عوالم الخلق، ومن ثم فلا شبهة لوجود أية ظلال سلبية تنشأ بسبب أي تنوع أو اختلاف من هذه التمايزات، وبصرف النظر عن الأعداد التي ترتبط بأي لون من ألوان هذا الاختلاف، فهذه التمايزات إما أنها مؤسسة على صفات لصيقة، هي من صنع الله،
أو على خيارات إنسانية؛ التعددية فيها سنة من سنن الله (1).
فلا مجال في الإسلام إذن لوجود أقلية مضطهدة أو مسلوبة الحق في الحياة الكريمة في ظل وجود الأكثرية المسلمة أو الأمة المسلمة أو الدولة المسلمة؛ بل جاء الإسلام -حين جاء- ليقضي على مفاهيم التسلط والسيطرة التي سادت بين المجتمعات القديمة، فالرومان يحتكرون الشرف والسيادة للجنس الروماني، فلا يحق لرعاياهم أن يحكموا بالقانون الروماني، ولا يحق لهم أن يدينوا إلا بدين السادة الرومان، سواء كان الدين وثنيًّا أم كان نصرانيًّا، ولم تكن اليهودية التلمودية عن هذا المسلك ببعيد، حيث صبت جام الغضب على المسيح عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم، وعلى حوارييه والذين آمنوا به من بعد واتبعوه.
أما الإسلام فقد جاء ليرفع شعار {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]، وليرعى القلَّة غير المسلمة من أهل الذمة في البلاد المفتوحة، ويحفظ لهم حقوقهم، ويصون لهم حرياتهم.
وعلى هذا فلا ينبغي أن يحمَّل مصطلح الأقلية في الفكر والاصطلاح الإسلامي أي معنى من معاني العنصرية أو القهر والاضطهاد للأقلية في المجتمع أو الدولة الإسلامية.
أما مصطلح الأقليات المسلمة، فإنه يعني: كل مجموعة مسلمة تعيش بين مجموعة أخرى لا تدين بالإسلام، ولما كان شأن غير السلمين إذا كثروا وسادوا أن يتسلطوا على المسلمين كما وقع ويقع، وكان شأن الأقليات أن تتضام وتتلاحم فيما بينها؛ فقد ذهب بعض الباحثين إلى تعريف الأقليات المسلمة بأنها: كل مجموعة بشرية تعيش بين مجموعة أكبر منها، وتختلف عنها في كونها تنتمي إلى الإسلام، وتحاول بكل جهدها الحفاظ عليه (2).
وقد ذهب بعض الباحثين إلى اعتبار ضابط المعيار العددي فحسب لتحديد ما يطلق عليه أقلية إسلامية؛ إذ تعتبر الدول التي يزيد عدد المسلمين فيها عن 50 % من
(1) الإسلام والأقليات الماضي والحاضر والمستقبل، د. محمد عمارة، (ص 9، 10).
(2)
الأقليات الإسلامية في العالم اليوم، د. علي الكتاني، (ص 6).
السكان دولة إسلامية، فإن قلت النسبة عن ذلك كان المسلمون أقلية.
إلا أن هذا المعيار قابل للمناقشة، حيث تعتبر أوغندا والجابون من الدول الإسلامية، وهما عضوان بمنظمة المؤتمر الإسلامي، على أن نسبة المسلمين لا تبلغ 50 %، وربما بلغت في بعض البلاد هذه النسبة إلى 50 % أو زيادة، ومع هذا ينظر إلى المسلمين في تلك البلاد على أنهم أقلية حيث لا وصول لهم إلى الحكم أو المناصب القيادية (1).
وبالجملة: فإن المعيار العددي هو معيار أغلبي وإن لم يكن معيارًا كليًّا، ويبعد أن يكون المسلمون أقلية عددية في دولة معاصرةٍ اليوم، ثم يحكمون غيرهم، فضلًا عن أن يحكموا -والحال هذه- بالإسلام وبشريعة القرآن.
وأخيرًا فإن مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي قد أصدر قرارًا بشأن رعاية الأقليات المسلمة جاء فيه "ينبغي استبعاد تسمية الوجود خارج العالم الإسلامي بـ (الأقليات) أو (الجاليات)؛ لأن تلك التسميات مصطلحات قانونية لا تعبِّر عن حقيقة الوجود الإسلامي الذي يتصف بالشمولية والأصالة والاستقرار والتعايش مع المجتمعات الأخرى، فإن التسميات المناسبة هي مثل: المسلمون في الغرب، أو المسلمون خارج العالم الإسلامي"(2).
وما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي موافق لما صدر عن الدورة العاشرة لمؤتمر القمة الإسلامي، والذي انعقد بماليزيا في شعبان 1424 هـ - أكتوبر 2003 م.
حيث جاء في القرار رقم 5/ 10 بشأن تعبير "الأقليات المسلمة" دعم هذه الأقليات
(1) الأقليات الإسلامية، المشكلات الثقافية والاجتماعية، د. جمال الدين محمد محمود، مطبوع ضمن بحوث: الأقليات المسلمة في العالم، ظروفها المعاصرة، آلامها، وآمالها، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر، 1420 هـ - 1999 م، (1/ 45).
(2)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة السادسة عشرة، العدد السادس عشر، الجزء الرابع، 1426 هـ - 2005 م، (ص 711).