الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث التاسع القواعد المتعلقة بالولاية والسياسة الشرعية
القاعدة الأولى: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة:
(1)
المعنى العام للقاعدة:
وردت هذه القاعدة بعبارات متقاربة، منها: قول الإمام الشافعي رحمه الله: "منزلة الوالي من رعيته بمنزلة والي مال اليتيم من ماله"(2) وعبَّر عنها التاج السبكي بقوله: "كل متصرف عن الغير فعليه أن يتصرف بالمصلحة"(3).
وواضح أن من الفقهاء من أطلق التعبير، فقال: التصرف على الرعية منوط بالمصلحة، ومنهم: مَنْ قيَّد بلفظ الإمام، فقال:"تصرُّفُ الإمام على الرعية منوط بالمصلحة".
وهذه القاعدة تفيد أن نفاذ تصرف الراعي على الرعية، ولزومه عليهم شاءوا أو أبوا معلَّق ومتوقف على وجود الثمرة والمنفعة في ضمن تصرفه، دينية كانت أو دنيوية، فإن تضمن التصرف منفعة ما وجب عليهم تنفيذه، وإلا رُدَّ؛ لأن الراعي ناظر، وتصرفه حينئذ متردد بين الضرر والعبث، وكلاهما ليس من النظر في شيء. (4)
وهذه القاعدة قاعدة مطَّردة تسري على الحكام والولاة، كما تسري على كل أسرة وراعيها (5) والرعية هنا كل من دخل تحت ولاية مَنْ ولَّاه الله أمرهم.
(1) المنثور، للزركشي، (1/ 309)، مجلة الأحكام العدلية، مادة، (58)، الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 121).
(2)
الأم، للشافعي، (5/ 351)، الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 121).
(3)
الأشباه والنظائر، لابن السبكي، (1/ 310).
(4)
القواعد الفقهية على المذهب الحنفي والشافعي، د. محمد الزحيلي، (ص 436).
(5)
القواعد الفقهية، د. محمد بكر إسماعيل، (ص 113).
كما أن القاعدة تشير إلى أهمية أن يرعى كلُّ راعٍ رعيته بنصحه، وطلب الخير لها، وتحقيق مصالحها العامة، وأن كل تصرف على خلاف هذه المصلحة مما يُقصد به استثمار، أو استبداد، أو يؤدي إلى ضرر أو فساد فهو غير جائز.
فالولاة والعمال والأمراء والقضاة والقادة وغيرهم ليسوا عمالًا لأنفسهم، إنما هم وكلاء عن الأمة في القيام بشئونها، فعليهم أن يراعوا خير التدابير؛ لإقامة العدل، وإزالة الظلم، وإحقاق الحق، وصيانة الأخلاق، وتطهير المجتمع من الفساد، ونشر العلم ومحاربة الجهل، والحرص على الأموال العامة، ورعايتها وإنفاقها فقط فيما يعود على الأمة بالخير والنفع، كما لا يجوز لهم أن يُحابُوا بها أحدًا دون أحد لجاه أو لسلطان أو لرغبة أو لطمع؛ لأنه لا يجوز للوالي أن يأخذ درهمًا من أموال الناس إلا بحق، كما لا يجوز له أن يضعه إِلَّا في يد مستحق.
وقد أخذ الشافعي رحمه الله هذه القاعدة من قول عمر رضي الله عنه: "إني أنزلت نفسي من مال الله منزلة مال اليتيم، إن استغنيتُ عنه استعففتُ، وإن افتقرتُ أكلتُ بالمعروف"(1).
وأيضًا ما ذكره القاضي أبو يوسف في "الخراج" حيث قال: "بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عمار بن ياسر على الصلاة والحرب، وبعث عبد الله بن مسعود على القضاء وبيت المال، وبعث عثمان بن حنيف على مساحة الأرضين، وجعل بينهم شاة كلَّ يوم، في بيت المال، شطرها وبطنها لعمار، وربعها لعبد الله بن مسعود وربعها الآخر لعثمان بن حنيف، وقال: إني أنزلت نفسي وإياكم من هذا المال بمنزلة ولي اليتيم، فإن الله تبارك
(1) أخرجه: ابن أبي شيبة في "مصنفه"، كتاب السير، باب: ما قالوا في عدالة الوالي وقسمه قليلًا كان أو كثيرًا، (12/ 324) -ومن طريقه: البيهقي في "معرفة السنن والآثار"(9/ 286) -، وابن جرير في "تفسيره"(7/ 582)، وسعيد بن منصور في "سننه" -كما في "تفسير ابن كثير" (2/ 218) -. وصححَّ إسنادَه: الحافظُ ابن كثير، والحافظ ابن حجر في "الفتح"، (13/ 151).