الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيفرض هجرة بعض المثقفين العرب أو أساتذة التعليم، وهؤلاء سيشكلون بذاتهم تطورًا في توعية أبناء الجالية، فإذا ما رافقهم توجيه مدروس ومخطط له، أمكن تجاوز بعض المخاطر والعقبات.
كما تجدر الإشارة إلى أسلوب اعتنت به الأقليات المسلمة في السنوات الأخيرة، حيث عمدت الجاليات المسلمة إلى إرسال أبنائها وبناتها ليدرسوا اللغة العربية في بلادها، وبين الناطقين بها، ففي مصر نشطت مراكز تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، حيث افتتح في العشر سنوات الأخيرة نحو من ثلاثين مركزًا أهليًّا ليسد حاجة طلاب العربية من غير أهلها، والذين يفدون من دول الجمهوريات الإسلامية المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي سابقًا، ومن أفريقيا وجنوب شرق آسيا، إضافة إلى دول أوروبا بأسرها وأمريكا.
وكذا الحال في سوريا والأردن والسودان، وأما في المملكة العربية السعودية فقد تأسس عدد من الجمعيات الخيرية التي جابت العالم بأسره تدعم الأقليات وترعى قضاياها، وذلك كالندوة العالمية للشباب، ومؤسسة الوقف الإسلامي، التي وضعت نصب عينيها رعاية الأقليات الإسلامية في الدول الإسلامية المنفصلة عن الاتحاد السوفيتي، ودول أوروبا الشرقية إضافة إلى دول البلقان، فهي تمنح الطلبة منحًا دراسية للدراسة بمعاهد اللغة العربية في بلاد العرب، وتعين على مواصلة الدراسة الجامعية في الكليات الشرعية واللغوية بالجامعة الأزهرية وغيرها من الجامعات الشرعية واللغوية بالمملكة العربية السعودية.
المطلب الرابع: المشكلات السياسية:
إن قضايا ومشكلات الأقليات عامة، وقضايا ومشكلات الأقليات الدينية خاصة من الدراسات التي يعتبرها الباحثون في مجال العلوم السياسية من الموضوعات القديمة
الجديدة في نفس الوقت، فهي قديمة قدم التميز بين مفهوم الـ (نحن) والـ (غير)، وهي كذلك جديدة نظرًا لإلحاحها الشديد، بل والمستمر على آليات الصراع السياسي، وخاصة في آخر حقب القرن العشرين، وفي أعقاب القرن الحادي والعشرين، حيث غدا الانتساب إلى الإسلام جريمة يجب أن يعاقب عليها، بحيث أصبح من غير المتصور أن توجد أقليات إسلامية ذات كيان سياسي؛ بل غدت كثير من الأكثريات الإسلامية محرومة من حقوقها السياسية!!
ومن الملحوظ أنه بعد الحرب الباردة انفجرت صراعات ونزاعات دينية وعرقية في مناطق كثيرة، فهذه البوسنة والهرسك، ومن قبلها كشمير، ومن بعد بورما والفلبين وكوسوفو والشيشان، وغيرها من البلدان التي وجهت فيها اتهامات كثيرة لعدد من الدول والمنظمات والجماعات بممارسة ما يسمى بالتطهير العرقي ضد الأقليات المسلمة.
ومع أن الصراعات الطائفية ليست جديدة كظاهرة ضمن التفاعلات السياسية في العالم، إلا أن مظاهر العنف التي برزت في العشرين سنة الأخيرة أصبحت لافتة للنظر والاهتمام، الأمر الذي يفضي إلى تدخلات أجنبية ويفتح الباب أمام ثغرات التدخل الأجنبي بالجملة.
والأقليات الإسلامية التي تعيش في مجتمعات لا تدين بالإسلام تتفاوت حجم مشكلاتها السياسية، بدءًا من عدم الاعتراف بوجودهم وحقوقهم السياسية، وتمثيلهم في الوظائف العامة بما يتناسب وتعدادهم وإمكاناتهم وانتهاءً بعدم الاعتراف بالدين الذي ينتمون إليه.
وإذا تأملنا في حال الأقلية المسلمة في أفريقيا؛ فإن سياسة الإبعاد والعزل الإجباري عن المشاركة في صنع القرار داخل الدولة -هي التي تعمل، حتى إن دول الأغلبيات المسلمة، والتي قد تصل نسبة المسلمين بها إلى 80 % تعامل معاملة الأقلية، بيمنا الأقلية المسيحية من حيث الوزن العددي هي الأكثر تأثيرًا والأقوى سلطانًا؛ بل وتتحكم في الشعب المسلم، وبلد كنجيريا يمثل
نموذجًا لهذا التسلط؛ حيث تعداد المسلمين بها 80 مليونًا من أصل مائة مليون، ولكن اللافت للنظر أن جميع السلطات مخولة للأقلية المسيحية، بل ويتولى الرئاسة أحيانًا بعض القساوسة كالقس "إزيكو" عام (1960 م)، ويعقوب حون عام (1967 م).
ولا يختلف الحال في السنغال التي تتمتع بأغلبية مسلمة (94 %) وتولى حكمها كاثوليكي هو "سينجور" ليحكمها من (1960 م - 1980 م)(1).
وأما في البلاد الآسيوية، فإن قضية مسلمي كشمير تتصدر المشكلات السياسية الأكثر سخونة، وما تزال رحى الحرب دائرة لتحرير كشمير من دولة الهندوس، ومع أن قرارات الأمم المتحدة نصت في مجملها منذ عام (1948 م) وحتى الآن على وجوب انسحاب القوات الهندية من كشمير وتحررها، واستقلالها سياسيًّا إلا أن شيئًا من هذا لم يكن، بل وتحرص الهند على علاقات حسنة اقتصادية وسياسية مع دولة اليهود لتنال دعمًا في قضية كشمير بوجه من الوجوه (2).
ولقد عاشت الجمهوريات الإسلامية في كيان ما يسمى بالاتحاد السوفيتي تطالب بالانفصال لعشرات السنين؛ لتحقق هويتها، وتقرر مصيرها، ومن أجل ذلك ثار المسلمون مرات عديدة إلى أن تحررت عدة دول فعليًّا، منها: كازاخستان، وأوزبكستان، وقرغيزستان وطاجيكستان، وتركمانستان، وأذربيجان.
وتبقى أقليات مسلمة لا تزال تحت الوصاية الروسية، كما في بلغاريا، وقرتشاي، وأوسيتيا الشمالية، وأنجوشيا (3).
وتبقى المأساة السياسية للشعب الشيشاني المسلم قائمة ظاهرة للعيان، حيث إنها
(1) أوضاع الأقليات والجاليات الإسلامية، د. مجدي الداغر، (ص 108 - 109).
(2)
العجز الدولي في كشمير، أليف الدين الترابي، مجلة كشمير، عدد سبتمبر (1998 م)، (ص 30).
(3)
انهيار الاتحاد السوفيتي، د. إيمان يحيى، مجلة مستقبل العالم الإسلامي، مالطا، العدد الخامس (1992 م)، (ص 122).
إحدى الجمهوريات ذات الحكم الذاتي التابعة لروسيا الاتحادية، والتي يفرض الدستور الروسي حظرًا عليها في إعلان استقلالها دون موافقة روسيا.
ولقد خاض الشيشانيون حروبًا منذ إعلانهم الاستقلال في (1/ 11/ 1991 م) وإلى وقت كتابة هذا البحث، ولا يزال الروس يصرون على عنادهم برغم خسائر هائلة تكبدوها منذ اجتياح "جروزني" العاصمة (1).
وفي بلاد الديمقراطية العلمانية نجد مسلمي شرق أوروبا يعانون في البوسنة، والهرسك، وكوسوفو، وسائر دول البلقان من التطهير العرقي الذي أعاد إلى الأذهان مجددًا محاكم التفتيش وفكرة الحرب المقدسة عند الصلبيين (2).
أما مسلمو غرب أوروبا فلا شك أنهم وإلى أحداث سبتمبر (2001 م) لم يعانوا كما عانى غيرهم، إلا أن الحال تبدل في السنوات الخمس الأخيرة حيث كيلت التهم جزافًا للمسلمين في بريطانيا وعلى لسان رئيس الوزراء الحالي (توني بلير)(3)، بل واتهام الإسلام نفسه بأنه دين يحمل مشاعر الكره والبغضاء للآخرين.
ومع سماح بريطانيا للمسلمين بالمشاركة في مجلس العموم، وكذلك في بلجيكا؛ إلا أن المسلمين ما يزالون الأقلية الأقل حقوقًا في أوروبا الغربية (4).
وفي بلاد الديمقراطية يعاني المسلمون المقيمون بأمريكا من التمييز ضدهم وخاصة في المؤسسات الحكومية (5).
(1) أوضاع الأقليات والجاليات الإسلامية، د. مجدي الداغر، (ص 259 - 261).
(2)
محنة الأقليات المسلمة في أوروبا، د. محمود عبد الرازق، القاهرة، مطبعة أولاد عبد العال (1996 م)، (ص 146، 147).
(3)
هذا وقت كتابة البحث.
(4)
الأحكام السياسية للأقليات المسلمة، د. سليمان توبولياك، (ص 39).
(5)
مشاركة المسلمين في الانتخابات الأمريكية، وجوبها وضوابطها الشرعية، د. صلاح الدين سلطان، سلطان للنشر، الولايات المتحدة الأمريكية، ط 1، 1425 هـ 2004 م، (ص 38، 39).