الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: القواعد الفقهية:
القاعدة الأولى: المشقة تجلب التيسير
المعنى العام للقاعدة:
المشقة في أصلها اللغوي تدور حول الجهد والعناء والشدة والتعب (1)، وفي القرآن الكريم:{وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ} [النحل: 7].
وفي الحديث: "لولا أن أشق على أمتي -أو: على الناس- لأمرتهم بالسواك مع كل صلاة"(2)، يعني: لولا أن أثقل على أمتي من المشقة وهي الشدة (3).
والتيسير يقصد به التسهيل بما لا يجهد النفس أو يثقل الجسم (4) واليسر يقابل العسر.
والمقصود بجلب المشقة للتيسير أنها تصير سببًا فيه (5).
ويكون معنى القاعدة، أن الصعوبة والعناء التي يجدها المكلف في تنفيذ الحكم الشرعي تصير سببًّا شرعيًّا صحيحًا للتسهيل والتخفيف عنه بوجه ما (6).
فكل مشقة خارجة عن معتاد المشقات فإنها تجلب التيسير ويشترط في المشقة التي تجلب التيسير أن تكون منفكة عن العبادة؛ لأن ما لا ينفك عن العبادة من المشقات لا
(1) لسان العرب، لابن منظور، (7 - 166)، معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، (3/ 170 - 171).
(2)
أخرجه: البخاري، كتاب الجمعة، باب: السواك يوم الجمعة، (887)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب: السواك، (252)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين أبي السعادات المبارك ابن محمد الجزري المعروف بابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، (2/ 491).
(4)
محاسن التأويل، لمحمد جمال الدين القاسمي، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، ط 1، 1376 هـ - 1957 م، (3/ 427).
(5)
قاعدة المشقة تجلب التيسير، د. يعقوب الباحسين، (ص 26).
(6)
شرح المجلة، لسليم رستم باز، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط 3، (ص 27)، وشرح المادة (17)، في شرح المجلة، للأتاسي، نقلاً عن المشقة تجلب التيسير، د. يعقوب الباحسين، (ص 26).
أثر له في جلب التخفيف أو التيسير، ومن ذلك مشقة الصيام في الحر أو الوضوء في البرد، أو مشقة السعي إلى المسجد في الليل أو مشقة القتل في الجهاد.
قال المقَّري: قاعدة: الحرج اللازم للفعل لا يسقطه كالتعرض إلى القتل في الجهاد؛ لأنه قدر معه (1).
كما يطلب في المشقة أن تكون حقيقية واقعة فعلًا لا متوهمة ولا مظنونة، وذلك بأن تستند إلى ما رخص الشارع لأجله من أسباب كالسفر والمرض والجنون والصغر وغير ذلك.
ويشترط في المشقة أن تكون خارجة عن معتاد المشقات في التكاليف العادية، وأن يكون لها شاهد من جنسها في أحكام الشارع؛ فالمستحاضة أبيح لها الصلاة بشرط الوضوء عند كل صلاة، فكذا من به سلس بول لا ينقطع أو جرح لا يرقأ فإنه يأخذ حكم الرخصة التي للمستحاضة من حيث كون الحدث لا ينقطع (2).
كما يشترط ألا يؤدي بناء الحكم عليها إلى تفويت مصلحة أرجى وأرجح، وإلا لأدى ذلك إلى تفويت مصالح أكثر أو أكبر.
والمشقة التي ورد فيها دليل من الشارع يتبع فيها دليله، سواء كان ذلك بتعيين سببها (كالسفر)، أو بضبط السبب الذي تتحقق به المشقة نفسه (كمسافة القصر)، وما لم يرد بشأنه دليل أو ضابط من الشرع فهي إما أن تكون في العبادات أو في المعاملات، فإن كانت في العبادات مرتبطة بها فلا أثر لها في التخفيف، وما كان منفكًّا عنها أو متعلقًا بالمعاملات، فالمتبَع في ضبطها عرف الناس وعادتهم الجارية ما لم تخرج عن إطار الشرع.
فإن لم يكن هنا عرف محدد اعتبرت بأقرب المشاق إليها؛ لأن: "ما لا يحد ضابطه لا
(1) قواعد المقري، (1/ 326).
(2)
قاعدة المشقة تجلب التيسير، د. يعقوب الباحسين، (ص 36 - 39).