الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولم تبح سلوكها لظلم الآخرين وأخذ ما ليس بحق.
ومن أدلة القيد الثالث، وهو كراهة القلب للتحاكم إلى القانون الوضعي: قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106]، ومنها: حديث: "فليغيره. . . فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"(1)، وحديث:"ولكن من رضي وتابع"(2).
يجب على المسلمين المقيمين خارج ديار الإسلام أفرادًا وجماعات أن يسعوا إلى إيجاد البديل الشرعي عن القضاء الوضعي، وذلك عن طريق مجالس الصلح والتحكيم ونحوه، والسعي إلى التسكين القانوني لهذه الآليات، والحصول على إقرار دول إقامتهم بأحكامها، وعليهم أن يتواصوا فيما بينهم بالأخلاق الإسلامية الكريمة التي تقيهم الخصومات ابتداءً.
ودليله أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ومن الواجب: تحكيم شرع الله، والتحاكم إليه، ومن الواجب على المقيم خارج بلاد الإسلام: أن يظهر بها دينه، وهذه الواجبات لا تتم إلا بما ذكر في قرار المجمع، والله تعالى أعلى وأعلم (3).
المطلب الثاني: القواعد الفقهية المتعلقة بالمقاصد:
قاعدة: الأمور بمقاصدها:
معنى القاعدة:
(1) قطعة من حديث أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان و. . .، (49)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن رأى منكم منكرًا فليغيره بيده. . . " الحديثَ.
(2)
أخرجه: مسلم، كتاب الإمارة، باب: وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا، ونحو ذلك، (1854)، من حديث أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع"؛ قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: "لا ما صلوا".
(3)
قرارات وتوصيات المؤتمر الثاني لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، باختصار، (ص 21 - 31).
هذه القاعدة على وجازة ألفاظها أجمع القواعد الكلية الكبرى؛ حيث إن أعمال المكلَّف وتصرفاته القولية والفعلية تختلف نتائجها وتتباين أحكامها الشرعية المترتبة عليها بحسب مقصود المكلف وغايته من تلك الأقوال والأفعال والتصرفات.
ولفظة الأمور عامة بدليل دخول "أل" الجنسية عليها، ولفظة "مقاصدها" عامة؛ لإضافتها إلى ضمير لفظ عام.
فالقاعدة تشمل جميع ما يثاب عليه العبد، أو يعاقب، فتشمل بعمومها الواجب، والمندوب، والحرام، والمكروه، والمباح، وكما تشمل الفعل تشمل الترك إذا كان مقصودًا بنية، فأحكام الأمور بمقاصدها التي دعت إليها وبعثت عليها (1).
وقد يعبر عن القاعدة بدليلها، وهو حديث:"إنما الأعمال بالنيات"(2)، فيقال: قاعدة: "إنما الأعمال بالنيات"، والمقاصد معتبرة في العبادات والعادات (3).
والنية في اللغة: العزم على الشيء، يقال: نويت نية، أي: عزمت (4).
وهي بمعناها العام: "انبعاث القلب نحو ما يراه موافقًا لغرض من جلب نفع، أو دفع ضرٍّ، حالًا أو مآلًا، والشرع خصَّها بالإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاءَ وجه الله تعالى وامتثالًا لحكمه"(5).
والنية تعرف اصطلاحًا بأنها: قصد الشيء مقترنًا بفعله، أو: القصد الكلي الشامل للعزم والقصد المقارن للفعل (6).
(1) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 8)، الأشباه والنظائر، للسبكي، (1/ 67)، المقاصد الشرعية في القواعد الفقهية، د. عبد العزيز عزام، دار البيان للنشر والتوزيع، ط 1، القاهرة، 2001 م، (ص 57).
(2)
أخرجه البخاري: كتاب بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي (1)، وهذا لفظه، ومسلم: كتاب الإمارة، باب: قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات"(1907)، من حديث عمر بن الخطاب مرفوعًا.
(3)
القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها، للسدلان، (ص 41 - 42).
(4)
لسان العرب، لابن منظور، (14/ 343)، المصباح المنير، للفيومي، (2/ 632).
(5)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 30)، وفيض القدير شرح الجامع الصغير، لمحمد عبد الرءوف المناوي، ضبط وتصحيح: أحمد عبد السلام، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1415 هـ - 1994، (1/ 40)، نقلًا عن البيضاوي.
(6)
نهاية الإحكام في بيان ما للنية من أحكام، لأحمد بك الحسيني، وقد حقق بكلية الشريعة، بالرياض، عام =
أو هي: قصد كلي نسبي، شامل للعزم والقصد المتقدم على الفعل، أو المقارن له في بعض أحواله (1).
وللنية مرادفات متعددة، منها: القصد والإرادة والعزم.
وتقترب ألفاظ أخرى من معناها مع وجود فروق، مثل: الهم، والمشيئة، والرغبة، والابتغاء، ونحوها.
والنية بمعناها العام وهو: الإخلاص لله تعالى في القول والعمل تدخل في جميع الأعمال الأخروية دخولًا أوليًّا، وقد صاغ بعض الفقهاء من ذلك المعنى قاعدة فقهية واعتبرها قاعدة الفقه الكلية الأولى، فقال ابن نجيم:"لا ثواب إلا بالنية"(2).
والمقصود من النية في العبادات أمران:
أولهما: تمييز العبادات عن العادات:
فالإمساك عن المفطرات -مثلًا- قد يكون بنية الصيام فيكون قربة، وقد يكون حمية أو تداويًا، فلا يكون عبادة.
ثانيهما: تمييز العبادات:
سواء بين الفروض كالظهر والعصر، أو بين الفروض والنوافل كسنة الفجر وفريضته.
والنية محلها القلب إجماعًا؛ لأنها من عمله (3)، ولا يكفي التلفظ باللسان دون عقد القلب، ولا يشترط مع عمل القلب التلفظ.
ولم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة رضي الله عنهم تلفظ بالنية إلَّا في الحج، وقد قيل: إن هذا من
= 1401 هـ للباحث مساعد بن قاسم الفالح، (ص 8 - 9).
(1)
النية وأثرها في الأحكام الشرعية، د. صالح السدلان، مكتبة الخريجي، الرياض، 1403 هـ، (1/ 96).
(2)
الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص 14).
(3)
المقاصد الشرعية، د. عبد العزيز عزام، (ص 59).