الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بما لم يحصل لأحد قبله، إلا أنه لم يورد اصطلاحًا خاصًّا في تعريفها وضبطها، ولعله لم يشأ التقيد بالحدود المنطقية، ويؤيد ذلك انتقاده لنظرية الحد عن المناطقة.
تعريف العلماء المعاصرين للمقاصد:
لقد حظيت مقاصد الشريعة في العصر الحديث، بعناية خاصة من قبل المعاصرين؛ وذلك لأهميتها ودورها في الاجتهاد الفقهي، وفي معالجة قضايا الحياة المعاصرة في ضوء الأدلة والنصوص، والقواعد الشرعية، وكان من ضروب هذا الاعتناء: تدوين المقاصد وتأليفها واعتبارها علمًا شرعيًّا وفنًّا أصوليًّا له كسائر العلوم والفنون تعريفاته ومصطلحاته وتقسيماته، وغير ذلك.
وقد وردت عدة تعريفات معاصرة نوردها فيما يلي:
1 -
عرف الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور المقاصد بأنها:
"المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة، وغاياتها العامة، والمعاني التي لا يخلو التشريع عن ملاحظتها. . . ويدخل في هذا معانٍ من الحكم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام، ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها"(1).
وعرفها الشيخ علال الفاسي بقوله: "المراد بمقاصد الشريعة الإسلامية: الغاية منها والأسرار التي وضعها الشارع عند كل حكم من أحكامها"(2).
وعرفها فضيلة الدكتور أحمد الريسوني بقوله: "إن مقاصد الشريعة هي الغايات التي وضعت الشريعة لأجل تحقيقها لمصلحة العباد"(3).
(1) مقاصد الشريعة، لابن عاشور، (ص 51).
(2)
مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، لعلال الفاسي، (ص 3).
(3)
نظرية المقاصد عند الشاطبي، د. أحمد الريسوني، (ص 7).
وعرفها فضيلة الدكتور محمد اليوبي بقوله: "هي المعاني والحكم ونحوها التي راعاها الشارع في التشريع عمومًا وخصوصًا من أجل تحقيق مصالح العباد"(1).
كما عرفها فضيلة الدكتور نور الدين الخادمي بأنها: "المعاني الملحوظة في الأحكام الشرعية، والمترتبة عليها، سواء أكانت تلك المعاني حكمًا جزئية، أم مصالح كلية، أم سمات إجمالية، وهي تتجمع ضمن هدف واحد، هو: تقرير عبودية الله ومصلحة الإنسان في الدارين"(2).
وظاهر من التعريفات السابقة أن المقاصد تعني: الأهداف، والغايات، والحكم العليا من وضع الشريعة، وسن الأحكام في العاجل والآجل.
والوقوف على المقاصد العامة للشريعة نافع مفيد في جهات كثيرة، ومجالات عديدة، من ذلك: أن يكون قصد المكلف موافقًا لقصد التشريع، وفي ذلك تحقيق العبودية لله بما يريده الله.
والمقاصد الشرعية تنحصر في أقسام ثلاثة:
الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات.
والضروريات: هي كليات تنتظم الأحكام التي بها قوام الأديان والأبدان (3).
أو يقال: إنها ما ينتظم المحافظة على ضرورات الحياة الخمس من جهة الوجود، ومن جهة العدم (4).
وحفظ الشريعة للمصالح الضرورية وغيرها يتم على وجهين يكمل أحدهما الآخر، وهما:
حفظها من جانب الوجود، وذلك بشرع ما يقيم أركانها ويثبت قواعدها.
(1) مقاصد الشريعة الإسلامية وعلاقتها بالأدلة الشرعية، د. محمد سعد اليوبي، دار الهجرة، الرياض، ط 1، 1418 هـ - 1998 م، (ص 37).
(2)
علم المقاصد الشرعية، د. نور الدين الخادمي، (ص 17).
(3)
صناعة الفتوى، لابن بيه، (ص 228).
(4)
المرجع السابق، (ص 243).
حفظها من جانب العدم، وذلك بشرع ما يدرأ عنها الاختلال الواقع، أو المتوقع فيها (1).
والضروريات أصل للحاجيات والتحسينيات.
أما الحاجيات: فهي كليات أورث عدم اعتبارها مشقةً وحرجًا للخلق عامة، وأدَّى اعتبارها إلى يسر وسهولة (2).
والحاجيات رتبة متأخرة عن الضروريات، فما كان من قبيل الضروريات فهو أرفع رتبة مما هو من قبيل الحاجيات تأصيلًا وتعليلًا، فالحاجيات مثلًا لا تؤثر فيما ثبت فيه النهي بأدلة قوية، كتحريم الميتة والخمر والخنزير، وإنما الذي يؤثر فيها هو الضروريات.
والحاجيات تؤثر في مرتبة المنهيات التي لا توصف بأنها في أعلى رتب المنهيات؛ إذ إن محرمات المقاصد ليست في الحرمة كمحرمات الوسائل والذرائع.
وأما التحسينيات: فهي كليات أورث عدم اعتبارها غياب المكرمات، واستقباح الحياة، وأدى اعتبارها إلى تحصيل الكمالات في الأمور الدينية والدنيوية.
ورتبة التحسينيات دون رتبة الحاجيات؛ لأنه بفوات التحسينيات لا يترتب حرج، أو إعنات، وإنما تصبح الحياة مستقبحة في نظر العقول الراجحة، والنفوس الكريمة، فهي بمثابة المكمل للحاجيات، والحاجيات بمثابة المكمل للضروريات.
وبمعرفة هذه المقاصد يتبين للمسلم مقدار ما حققه منها، فيزداد إيمانًا وتمسكًا بشريعته، وفي حال نقصه يعمل على استدراك ما فرَّط فيه، وتحقيق هذه المقاصد التي جُعلت سببًا للفوز في الدارين.
تعريف المصالح -لغة-: المصالح: جمع مصلحة، وهي مصدر ميمي من صلُح يصلُح،
(1) الموافقات، للشاطبي، (2/ 8).
(2)
صناعة الفتوى، لابن بيه، (ص 228).
وهي ضد المفسدة، والصلاح ضد الفساد، ويقال: المصلحة كالمنفعة وزنًا ومعنًى (1).
تعريف المصلحة -اصطلاحًا-: المصالح هي: اللذات وأسبابها، والمفاسد: الآلام وأسبابها، أو الأضرار وأسبابها (2)، فتكون المصلحة متمثلة في جلب المنافع وما يوصل إليها، وتكون المفسدة متمثلة في درء الآلام والأضرار وما يوصل إليها (3).
ويقول الرازي (4): "المصلحة لا معنى لها إلا اللذة، أو ما يكون وسيلة إليها، والمفسدة لا معنى لها إلا الألم، أو ما يكون وسيلة إليه"(5).
وهذه المنفعة لا تقتصر على كونها مادية، بل قد تكون معنوية كذلك، وهو ما ينبه عليه الشاطبي بقوله:"أعني بالمصالح ما يرجع إلى قيام حياة الإنسان وتمام عيشه، ونيله ما تقتضيه أوصافه الشهوانية والعقلية على الإطلاق، حتى يكون منعمًا على الإطلاق"(6).
فقوله: ما تقتضيه أوصافه الشهوانية إشارة إلى الجانب المادي للمصلحة.
وقوله: والعقلية، تنبيه إلى الجانب المعنوي للمصلحة أيضًا.
وقال الشوكاني: "قال الخوارزمي والمراد بالمصلحة: المحافظة على مقصود الشرع بدفع المفاسد عن الخلق"(7).
(1) المصباح المنير، للفيومي، (1/ 345)، القاموس المحيط، (1/ 233).
(2)
قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (1/ 15).
(3)
المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، د. يوسف حامد العالم، المعهد العالمي للفكر الإِسلامي، ط 2، 1415 هـ - 1994 م، (136 - 137).
(4)
محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن بن علي التيمي البكري الرازي الشافعي، أبو عبد الله الملقب فخر الدين، المعروف بابن الخطيب، الأصولي المفسر المتكلم، له تصانيف كثيرة، منها: المطالب العالية، ونهاية العقول، والأربعين، والمحصل، والمحصول في أصول الفقه، وعيون المسائل، وتأسيس التقديس، توفي 606 هـ، انظر: سير أعلام النبلاء (21/ 500)، ووفيات الأعيان (4/ 248).
(5)
المحصول، للرازي، (6/ 240).
(6)
الموافقات، للشاطبي، (2/ 25).
(7)
إرشاد الفحول، للشوكاني، (2/ 990).
وقال ابن قدامة: والشرع لا يرد بتحريم المصالح التي لا مضرة فيها، بل بمشروعيتها (1).
والمصالح الشرعية هي المستندة إلى الشرع وهي التي لا تعارض نصًّا ولا إجماعًا، وهي ما يشمل الدنيا والآخرة معًا، ومصلحة الدنيا في إقامة الحياة على منهج الله تعالى بإقامة الدين وبحفظ النفس والنسل والعقل والمال، ومصلحة الآخرة فبإدراك نعيم الجنة، ومرضاة الله تعالى والنجاة من النار.
والمصلحة الشرعية لا تتوقف عند حدود الزمان وإنما تشمل كل زمان، وذلك "بخلاف المصلحة لدى أرباب النظم الوضعية؛ إذ يقيسون المصالح والمفاسد بمعايير ضيقة محدودة بعمر الدنيا وحدودها"(2).
وتبين مما سبق أن المصالح الشرعية هي مقاصد الشارع ومراده، أي: أن الشارع قد قصد تلك المصالح وأراد تحصيلها بالنسبة للمكلف من خلال القيام بالأحكام الشرعية، فالقيام بالفرائض والتعاليم الدينية يؤدي إلى تحقيق مصالح عبادة الله وجلب مرضاته والفوز بجناته وإراحة وطمأنة نفس المكلف.
وهذه المصالح أرادها الشارع بتشريعه الأحكام فهي مقصوده ومراده، غير أن هذه المصالح التي قصدها الشارع تعود على المكلف وتؤول إليه، وليس تؤول إلى الله. . . وعليه فإن المقاصد هي نفسها المصالح الشرعية (3).
وهذه القاعدة التي تؤكد على ابتناء الشريعة على رعاية المقاصد والمصالح معًا، قد توافق على القول بمضمونها الأصوليون قاطبة فيما يعتبر إجماعًا فهذا العز ابن عبد السلام رحمه الله، يقول:
(1) المغني، لابن قدامة، (6/ 437).
(2)
ضوابط المصلحة، للبوطي، (ص 31).
(3)
علم المقاصد الشرعية، د. نور الدين الخادمي، (ص 23).
"التكاليف كلها راجعة إلى مصالح العباد في دنياهم وآخرتهم"(1).
وابن تيمية رحمه الله يقرر هذه القاعدة بقوله: "الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها"(2).
وعلى نفس المنوال نسج القرافي رحمه الله فقال: "فإن أوامر الشرع تتبع المصالح الخالصة أو الراجحة، ونواهيه تتبع المفاسد الخالصة أو الراجحة"(3).
وقال الرازي رحمه الله: "إنا لما تأملنا الشرائع وجدنا الأحكام والمصالح متقارنين لا ينفك أحدهما عن الآخر، وذلك معلوم بعد استقرار أوضاع الشرائع، وإذا كان كذلك كان العلم بحصول هذا مقتضيًا ظنَّ حصولِ الآخر وبالعكس من غير أن يكون أحدهما مؤثرًا في الآخر وداعيًا إليه"(4).
وينقل الآمدي رحمه الله إجماع الأئمة على تعليل الشريعة بجلب المصالح ودفع المفاسد فيقول: "وأما الإجماع فهو: أن أئمة الفقه مجمعة على أن أحكام الله لا تخلو من حكمة مقصودة، وإن اختلفوا في كون ذلك بطريق الوجوب كما قالت المعتزلة، أو بحكم الاتفاق والوقوع من غير وجوب كقول أصحابنا"(5).
ونقل الطوفي هذا الإجماعَ، فقال:"وأما الإجماع فقد أجمع إلا من لا يعتد به من جامدي الظاهرية، على تعليل الأحكام، بالمصالح ودرء المفاسد"(6).
وبناءً على ما سبق فإن الظاهرية هم نفاة التعليل في الأحكام الشرعية إلا ما نص فيه على
(1) قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (2/ 126).
(2)
مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (1/ 265).
(3)
الفروق، للقرافي، (2/ 569).
(4)
المحصول، للرازي، (5/ 247).
(5)
الإِحكام، للآمدي، (3/ 316).
(6)
شرح حديث: لا ضرر ولا ضرار، ملحق بكتاب: المصلحة في التشريع الإسلامي، د. مصطفى زيد، عناية وتعليق: د. محمد يسري، دار اليسر، القاهرة. (ص 248).