الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا على كل حال لا يتضمن إقرارًا لهم على باطل، وحسبنا أن يقال لهم: قال الله تعالى: {قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64](1).
كما لا يتضمن القيام بواجب الدعوة عدوانًا على أحد، أو اعتداءً على حرمة، بل البر والقسط هو أساس العلاقة بين المسلم والمسالم من غير المسلمين، قال تعالى:{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
ثالثًا: التيسير ورفع الحرج:
التيسير ورفع الحرج مقصد أساس من مقاصد الشريعة الإسلامية، ذلك أن الشريعة المطهرة نفت عن المكلَّف العسر والمشقة بنصوصها وقواعدها ومقاصدها.
قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]، وقال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185].
بل إن ابن القيم يسجل ملحوظة دقيقة حين ينبه إلى أن الله تعالى ما سمى شريعته تكليفًا إلا في سياق نفي المشقة عن العباد، كقوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وقوله:{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7].
وفي الحديث: "إن الدين يسر. . . "(2)، وقال صلى الله عليه وسلم: "يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا
(1) التعامل مع مجتمع غير مسلم من خلال الانتماء الصادق إلى الإسلام، د. عدنان علي النحوي، ط 1، 1417 هـ، دار النحوي للنشر والتوزيع، الرياض، (ص 179).
(2)
أخرجه: البخاري، كتاب الإيمان، باب: الدين يسر، (39)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
تنفروا" (1).
ومن مقاصد هذا الفقه الخاص بالأقليات: تيسير حياتها بإسلامها، ونفي الحرج عنها، ووضع الحلول العملية لمشكلاتها.
مظاهر التيسير ومجالاته:
لقد تعددت مظاهر التيسير في الشريعة الإسلامية، وتنوعت مجالاته، حتى صارت قاعدة:"المشقة تجلب التيسير"(2) من القواعد التي تدخل كل أبواب الدين، وهذا بيان موجز لمظاهر التيسير ومجالاته:
1 -
الرخص التي وضعها الله تعالى لأهل الأعذار: فبرغم أن الفرائض والواجبات جاءت من عند الله سهلة هينة، لا شدة فيها ولا آصار، إلا أن الحق تعالى -برحمته- جعل لأهل الأعذار رخصًا ترفع عنهم الحرج، وتميط عنهم العنت، فالمريض الذي لا يقدر على الصوم له أن يفطر ويقضي، وللمسافر أيضًا أن يقصر الصلاة الرباعية، وأن يجمع بين الصلاتين تقديمًا أو تأخيرًا، ومن لم يستطع أن يصلي قائمًا صلى قاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنبه ووجهه للقبلة، أو مستلقيًا على ظهره ورجلاه للقبلة، ومن افتقد الماء أو لم يقدر على استعماله فله أن يتيمم ويجزئه ذلك عن الوضوء وعن الغسل أيضًا؛ فيستبيح به الصلاة حتى يجد الماء أو يقدر على استعماله، والأعمى والأعرج والمريض لا حرج عليهم في التخلف عن الجهاد بنص القرآن، قال تعالى:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61].
(1) أخرجه: البخاري، كتاب العلم، باب: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، (69)، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب: في الأمر بالتيسير وترك التنفير، (1734) -وعنده:"وسكنوا" بدل "وبشروا"-، من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(2)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 76)، والمنثور في القواعد الفقهية، للزركشي، (3/ 169).
2 -
إباحة المحظور عند الاضطرار: يقول الله عز وجل: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3]، ويقول سبحانه:{فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145].
فقد دلت هاتان الآيتان على القاعدة التي قررها العلماء، وهي قاعدة:"الضرورات تبيح المحظورات"(1). وهي قاعدة مجالاتها ممتدة لتشمل التكاليف كافة، وكذلك قاعدة:"لا واجب مع العجز، ولا حرام مع الضرورة"(2).
3 -
أن الله تعالى رفع عن المكلفين الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه: قال تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286]، وقال سبحانه:{مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ} [النحل: 106].
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"(3).
4 -
العذر بالجهل في كل ما ليس معلومًا من الدين بالضرورة: فكل من جهل حكمًا ليس معلومًا من دين الله بالضرورة يعذر بجهله لهذا الحكم؛ وذلك لأنَّ الله تعالى لا يجازي أحدًا حتى يقيم عليه الحجة الرسالية، قال تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165]، وقال:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء: 15].
(1) انظر: الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 84)، والمنثور في القواعد الفقهية، للزركشي، (2/ 317).
(2)
تلقيح الأفهام العلية، لوليد بن راشد السعيدان، (1/ 49).
(3)
أخرجه: ابن ماجه، كتاب الطلاق، باب: طلاق المكره والناسي، (2045)، والبيهقي في "السنن الكبرى"، كتاب الخلع والطلاق، باب: ما جاء في طلاق المكره، (7/ 356)، وغيرهما، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. وصححه ابن حبان (16/ 202)، والحاكم (2/ 198)، وغيرهما.
وفي الباب: عن أبي ذر، وابن عمر، وثوبان، وعقبة بن عامر رضي الله عنهم.