الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني: القواعد الفقهية المتعلقة بالضرورة والحاجة:
قاعدة: الحاجة تنزل منزل الضرورة:
المعنى العام للقاعدة:
سبق أن الشريعة ترعى الضرورات؛ لتستبقي الحياة، كما ترعى الحاجات؛ لتنفي المشقات، والتحسينيات؛ لتحقق الجمال والراحات.
والضروري يقدم على ما عداه، والحاجي يقدم على التحسيني.
وهذه القاعدة تتناول أثر الحاجة في الترخيص ونفي الحرج، كما تتناول العلاقة بينها وبين الضرورة.
وفيما يلي شرح لكلا الجانبين:
تعريف الحاجة -لغةً-:
يقول ابن فارس: "إن الحاء والواو والجيم أصل واحد وهو الاضطرار إلى الشيء"(1).
كما تأتي الحاجة بمعنى: الفقر، ومنه قولهم: الحُوج: الفقر، والمحوج: المعدِم (2).
كما تأتي بمعنى: المأربة، أو البغية، أو الأمنيَّة، قال تعالى:{وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْهَا حَاجَةً فِي صُدُورِكُمْ} [غافر: 80].
وفي حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا: "إن لله عبادًا خلقهم لحوائج الناس، يفزع الناس إليهم في حوائجهم! أولئك الآمنون يوم القيامة"(3).
(1) معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، (2/ 114).
(2)
لسان العرب، لابن منظور، (3/ 379).
(3)
أخرجه: الطبراني في "المعجم الكبير"(12/ 358)، وأبو نعيم "أحمد بن عبد الله الأصبهاني في "حلية الأولياء وطبقات الأصفياء"، دار الكتاب العربي، بيروت، ط 4، 1405 هـ، (3/ 225)، وأبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعي في "مسند الشهاب"، تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 2، 1407 هـ / 1986 م، (2/ 117، 118). قال أبو نعيم: "حديث غريب من حديث زيد عن ابن عمر. . ."، وضعفه الشيخ الألباني في، "السلسلة الضعيفة" (3319).
وأصلها حائجة، وجمعها: حاج، وحوج، وحاجات.
وتجمع على حوائج، كما سبق في الحديث (1).
والحاجة -اصطلاحًا-:
ذهب بعض أهل العلم إلى أن الحاجة لفظة مبهمة لا يضبط فيها قول (2).
وعرفها الشاطبي بأنها ما يفتقر إليه من أجل التوسعة، ورفع الحرج (3).
وتنقسم الحاجة إلى قسمين: عامة، وخاصة.
أولًا: حاجة عامة: بحيث يكون الاحتياج شاملًا جميعَ الأمة بمعنى: أن الناس جميعًا يحتاجون إليها فيما يمس مصالحهم العامة من زراعة، أو صناعة، أو تجارة، أو سياسة عادلة وحكم صالح (4).
وتسمى الحاجة العامة بالحاجة الأصولية، وربما سميت بالضرورة العامة، فهي لا تختص بفرد بعينه، ولا بفئة بخصوصها، ولا ببلد بحدوده، وعنها قال إمام الحرمين: "ما يتعلق بالحاجة العامة، ولا ينتهي إلى حدِّ الضرورة، وهذا مثل: تصحيح الإجارة، فإنها مبنية على مسيس الحاجة إلى المساكن مع القصور عن تملكها وضِنَّةِ مُلَّاكِها بها على سبيل العارية، فهذه حاجة ظاهرة غير بالغة مبلغ الضرورة المفروضة في البيع وغيره، ولكن حاجة الجنس قد تبلغ مبلغ ضرورة الشخص الواحد؛ من حيث إن الكافة لو منعوا عما تظهر الحاجة فيه للجنس لنال آحاد الجنس ضرار لا محالة تبلغ مبلغ الضرورة في حق الواحد، وقد يزيد أثر
(1) لسان العرب، لابن منظور، (3/ 378 - 391)، القاموس المحيط، للفيروزآبادي، (1/ 183)، تاج العروس، للزبيدي، (5/ 495).
(2)
كإمام الحرمين في غياث الأمم، (ص 345).
(3)
الموافقات، للشاطبي، (2/ 10 - 11).
(4)
القواعد الفقهية الكبرى وما تفرع عنها، د. صالح بن غانم السدلان، دار بلنسية، الرياني، ط 2، 1420 هـ - 1999 م، (ص 287 - 288).
ذلك في الضرر الراجع إلى الجنس على ما ينال الآحاد بالنسبة إلى الجنس" (1).
وأكد هذا المعنى الغزالي بعبارة أخرى، فقال:"والحاجة العامة في حق كافة الخلق تنزل منزلة الضرورة الخاصة في حق الشخص الواحد"(2).
وقال ابن العربي: "القاعدة السابعة: اعتبار الحاجة في تجويز الممنوع كاعتبار الضرورة في تحليل المحرم"(3).
ومن الأمثلة على الحاجة العامة: "مشروعية الإجارة، والجعالة، والحوالة، ونحوها، جُوِّزت على خلاف القياس؛ لما في الأولى من ورود العقد على منافعَ معدومةٍ، وفي الثانية من الجهالة، وفي الثالثة من بيع الدين بالدين، لعموم الحاجة إلى ذلك، والحاجة إذا عمت كانت كالضرورة"(4).
ثانيًا: حاجة خاصة: وهي ما قابلت الحاجة العامة، أي: ما كانت مختصة بفرد معين، أو طائفة محصورة، أو بلد معين، أو زمن معين، وأما الشخص المحتاج إلى أمر معين في جميع الظروف والأحوال والأزمنة والأمكنة فيمكن أن تُعَدَّ حاجته حاجةً عامةً لا خاصةً (5)، وحكمها مؤقت، وتعتبر توسيعًا لمعنى الضرورة (6).
ومن أمثلتها: تضبيب الإناء بالفضة؛ لإصلاح موضع الكسر، ولبس الحرير لحاجة الجرب والحكة ودفع القمل، والأكل من الغنيمة في دار الحرب، ولا يشترط للآكل أن يكون معه غيره (7).
والمقصود بالقاعدة أن الحاجة قد تنزل منزلة الضرورة في كونها تبيح المحظور.
(1) البرهان، للجويني، (2/ 924).
(2)
شفاء الغليل، للغزالي، (ص 246).
(3)
القبس في شرح موطأ مالك بن أنس، لأبي بكر محمد بن ولد كريم، دار الغرب الإسلامي، بيروت، ط 1، 1992 م، (2/ 790).
(4)
الأشباه والنظائز، للسيوطي، (ص 88).
(5)
قاعدة المشقة تجلب التيسير، د. يعقوب الباحسين، (ص 506).
(6)
صناعة الفتوى، لابن بيه، (ص 200).
(7)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 88)، المنثور في القواعد، للزركشي، (2/ 25 - 26).