الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الرحمة بالعباد والتيسير عليهم، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وفي تشريع الرخص عند وجود المشقات برهان ناطق على بيان رعاية مصالح العباد كل العباد، حتى إن أشد الحدود وهو القصاص معلل تشريعه بالمصلحة الراجعة لأولي الألباب.
قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179].
والأمر بالقتال وإعداد العدة -وهو شديد على النفس أيضًا- معلل بالمصلحة، قال تعالى:{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60]، وإرهاب العدو مصلحة؛ لأنه ينكفُّ عن عدوانه على المسلمين إذا رأى قوتهم (1).
وقد تحققت مرونتها بمراعاتها للظروف القاهرة، والأعذار الطارئة، وتغير الفتوى فيما بني على الأعراف بتغير جهاتها من الزمان والمكان والأحوال.
المطلب الثالث: شمولها لجميع شئون الحياة:
فكل ما يحتاج إليه الإنسان في حياته قد تكفلت به شريعة الرحمن، فهي أعم من أن تكون أصولًا اعتقادية أو أحكامًا فقهية فروعية أو آدابًا أخلاقية واجتماعية، أو تنظيمات سياسية دولية أو داخلية.
ومن شمولها: أنه لا تخلو حادثة عن حكم للشريعة وتوجيه في جميع الأقطار وعلى مر الأعصار، وإذا كانت نصوصها متناهية فإن معانيها وما يستنبط منها ليس بمتناهٍ مطلقًا.
قال تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 89].
(1) المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية، د. عبد الكريم زيدان، دار عمر بن الخطاب، الإسكندرية، (ص 45 - 57).
قال الإمام الشافعي رحمه الله-تعليقًا على هذه الآية-: "فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها"(1).
والدلالة هنا إما نصًّا أو جملة (2)، وبيَّن ذلك القرطبي رحمه الله فقال:"إما دلالة مبينة مشروحة، وإما مجملة يتلقى بيانها من الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من الإجماع أو من القياس الذي ثبت بنص الكتاب"(3).
والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة، منها قوله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3]، {وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا} [الإسراء: 12]،، ومنها:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9]، ودلالة هذه الآيات قطعية؛ ولذلك سمي هذا القرآن "فرقانًا، وهدًى وبرهانًا، وبيانًا وتبيانًا لكل شيء، وهو حجة الله على الخلق على الجملة والتفصيل والإطلاق والعموم"(4).
ثم السنة بعد ذلك مفصلة لما أجمل، وشارحة ومبينة لما أبهم، قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 4].
فقد جمع القرآن الكليات، ونص على بعض التفصيلات، وتولت السنة بعد ذلك الإكمال، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7].
وقد شمل بيان السنة للقرآن ما يتعلق بمعاملة العبد لربه، ومعاملة العبد لنفسه، ومعاملة العبد لغيره، فعلوم التوحيد والعقيدة والأخلاق والسلوك والعبادات والمعاملات
(1) الرسالة، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، (ص 20).
(2)
الأم، للإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: د. رفعت فوزي عبد المطلب، دار الوفاء، المنصورة، ط 2، 1425 هـ - 2004 م، (9/ 69).
(3)
تفسير القرطبي، (6/ 420).
(4)
الموافقات، للشاطبي، (3/ 354).