الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع
القواعد المتعلقة بالضرورات والحاجات
المطلب الأول: القواعد الأصولية والمقاصدية المتعلقة بالضرورات والحاجات:
القاعدة الأولى: الشريعة مبنية على المحافظة على الضرورات الخمس
(1).
المعنى العام للقاعدة:
الضرورة -في اللغة-: اسم المصدر من الاضطرار، والاضطرار: الاحتياج إلى الشيء، يقال: اضْطرَّه إليه وضَرَّه إليه، بمعنى: ألجاه، وأحوجه إليه (2).
و"اضْطُرَّ" افتعل من الضرر، أي: أدركه ضرر، وَوُجِدَ به.
وأصل مادة: "ضَّر" تأتي بمعنى خلاف النفع.
والضرورة تأتي بمعنى المشقة والحاجة، كما تأتي بمعنى الشدة التي لا مدفع لها (3).
والمضطر يَرِدُ على معنيين؛ أحدهما: مكتسب الضرر، والثاني: مكتسب دفعه.
فالسلطان يضطره، أي: يُلجئه للضرر، والمضطر يبيع منزله، أي: يدفع الضرر الذي يلحقه بامتناعه من بيع ماله (4).
والضرورة -في اصطلاح علماء الشريعة- تَرِدُ ويقصد بها أحد معنيين: معنى عام،
(1) الموافقات، للشاطبي، (2/ 8 - 10)، المستصفى، للغزالي، (ص 174)، شرح الكوكب المنير، لابن النجار، (4/ 159 - 160)، منهج التشريع الإسلامي وحكمته، للشيخ محمد الأمين الشنقيطي، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط 2، (ص 17)، حقيقة الضرورة الشرعية وتطبيقاتها المعاصرة، د. محمد حسين الجيزاني، دار المنهاج، الرياض، ط 1، 1428 هـ، (ص 17).
(2)
المصباح المنير، للفيومي، (2/ 360)، النهاية، لابن الأثير، (3/ 82 - 83).
(3)
القاموس المحيط للفيروزآبادي، (2/ 74)، مختار الصحاح، (ص 247)، المعجم الوسيط، (1/ 538).
(4)
أحكام القرآن، لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 3، 1424 هـ - 2003 م، (1/ 82).
ومعنى خاص.
أما المعنى العام للضرورة فهو: ما لا بد منه في قيام مصالح الدنيا والدين.
والمعنى العام للقاعدة يدور على أن مقصود الشرع من الخلق خمسة، وهو: أن يحفظ عليهم دينهم، وأنفسهم، وعقلهم، ونسلهم، ومالهم (1).
وهذه الضرورات الخمس أول من عُني بِعَدِّها على هذا النحو -فيما وصل إلينا- هو أبو المعالي الجويني حيث قال: "فالشريعة متضمنها: مأمور به، ومنهي عنه، ومباح، فأمَّا المأمور به فمعظمه العبادات. . .، وأما المنهيات فأثبت الشرع في الموبقات منها زواجر. . .، وبالجملة: الدم معصوم بالقصاص. . .، والفروج معصومة بالحدود. . .، والأموال معصومة عن السراق بالقطع. . ."(2).
وتحديد هذه الضرورات وعدُّها في خمس إنما عُلِمَ بالاستقراء التام الحاصل بتتبع نصوص الكتاب والسنة وقرائن الأحوال وتفاريق الأمارات، بحيث ثبتت مراعاة الشَّارع لها والتفاته إليها في جميع أحكامه، بل يستحيل أن يُفَوِّتَها في شيء من أحكامه، بل جميع التكاليف الشرعية تدور حولها بالحفظ والصيانة (3).
وذهب الآمدي إلى أن هذه الضرورات الخمس المحصورة لم تخلُ من رعايتها ملة من الملل فقال: "المقاصد الخمسة التي لم تخلُ من رعايتها ملة من الملل، ولا شريعة من الشرائع، وهي: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والمال،. . . والحصر في هذه الخمسة الأنواع، إنما كان نظرًا إلى الواقع، والعلم، ولانتفاء مقصد ضروري خارج عنها في العادة"(4).
(1) المستصفى، للغزالي، (ص 174).
(2)
البرهان، للجويني، (2/ 1150 - 1151).
(3)
روضة الناظر، لابن قدامة، (ص 170)، الموافقات، للشاطبي، (2/ 49 - 52)، شرح الكوكب المنير، لابن النجار، (4/ 159 - 160).
(4)
الإحكام، للآمدي، (3/ 300).
وأما المعنى الخاص للضرورة، فقد نقل فيه عن الفقهاء والأصوليين القدامى والمحدثين عدة تعاريف، منها:
تعريف الدردير المالكي (1) لها بقوله: "الخوف على النفس من الهلاك علمًا أو ظنًّا"(2).
تعريف الجصاص الحنفي لها بقوله: "خوف الضرر بترك الأكل، إما على نفسه أو على عضو من أعضائه"(3).
وقد عرفها د. وهبة الزحيلي بقوله: "هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر أو المشقة الشديدة؛ بحيث يخاف حدوث ضرر، أو أذى بالنفس، أو بالعضو، أو بالعرض، أو بالعقل، أو بالمال، وتوابعها، ويتعين أو يباح عندئذٍ ارتكاب الحرام، أو ترك الواجب، أو تأخيره عن وقته، دفعًا لضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع"(4).
وهو تعريف مبني على الضرورات الخمس، وعلى ما استُفِيد من قاعدة:"الضرورات تبيح المحظورات"(5)، وقاعدة:"الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة"(6).
وهي بالجملة: الحالة الملجئة لارتكاب محظور شرعي.
وهذا يدل على أن الضرورة حالة لا مدفعَ لها، كما يدل على أن الضرورة عذر معتبرٌ في ارتكاب المحرمات، وأما سقوط الواجبات فإنه لا يدخل تحت مفهوم الضرورة اصطلاحًا؛ وذلك لأن الوجوب تشترط فيه القدرة والاستطاعة، فعند العجز تسقط الواجبات.
(1) أبو البركات، أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي حامد العدوي المالكي، الأزهري، تولى الإفتاء بمصر، من تصانيفه: أقرب المسالك لمذهب الإمام مالك، الشرح الكبير على مختصر خليل، ولد سنة 1127 هـ، وتوفي سنة 1201 هـ. الأعلام، للزركلي، (1/ 244)، ومعجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، (2/ 67).
(2)
الشرح الكبير، لأبي البركات أحمد الدردير، دار الفكر، بيروت، (2/ 115 - 116).
(3)
أحكام القرآن، للجصاص، (ص 159).
(4)
نظرية الضرورة الشرعية، د. وهبة الزحيلي، (ص 64).
(5)
الأشباه والنظائر، لابن السبكي، (1/ 45)، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص 94).
(6)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 88)، الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص 100).