الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجميع المشكلات الاجتماعية التي يصنعها أعداء الإسلام تخدم هذه المشكلة مهما تنوعت وتكاثرت.
وعليه فإن التحدي الأكبر هو بقاء الأقلية المسلمة متميزة بعقيدتها وشريعتها وأخلاقها وفي الوقت نفسه تسعى لتقوية شوكتها العلمية والاقتصادية والسياسية، وهذا لا يتأتى إلا من خلال التفاعل الإيجابي الحذر مع هذه المجتمعات التي يكثر في حياتها الانحراف ويتنوع الفساد، ويجاهَر بالمنكرات.
المطلب الثالث: المشكلات اللغوية والتعليمية:
إن العربية عنوان شخصية المسلم، وبقدر ما تتعمق العربية في عقول المسلمين وألسنتهم يرتبطون بالإسلام؛ إذ إن العربية مدخل لفهم القرآن، كما أنها مدخل لإبراز معالم أساسية في شخصية المسلم.
العربية لغة القرآن، فهي اللغة الإسلامية الأم التي ينبغي على المسلمين عربًا وعجمًا تعلمها حتى يؤدوا العبادة على أكمل وجه.
واللغة العربية تعد الآن رابع لغة قومية في العالم من حيث عدد المتحدثين بها كما قرر أحد الباحثين (1)، إذ يتحدث بها نحو 150 مليون، بعد اللغة الصينية والإنجليزية والأسبانية، غير أن الإنجليزية -مثلًا- تعد لغة ثانية في كثير من البلاد مما يزيد عدد المتحدثين بها إلى نحو 800 مليون أيضًا.
وبغض النظر عن أن أعدادًا ضخمة من المسلمين غير العرب في العالم الإسلامي لا يحسنون العربية، كما أن مدارسهم لا تعلمهم العربية، حتى كلغة ثانية بعد اللغة القومية الأولى، فإن الأقليات يشعرون بارتباك كبير في هذا الصدد، فالأقليات تعيش حالة أشبه بعزلة، فالتحديات
(1) دراسات إسلامية وعربية، د. مجاهد مصطفى بهجت، العدد الثاني، بغداد، (1982 م).
المتنوعة تحاصرها من كل جانب، وهي تجالد في مقاومة مستمرة حفاظًا على الوجود ومنعًا من ذوبان الشخصية في عالم الأكثرية الذي تعيش فيه، فكيف يتسنى للأقلية تعلم العربية وتعليمها للناشئة؟ وبعض الأقليات تفتقد العالِم أو الشيخ أو ما يعرف برجل الدين، ليلقنها مبادئ دينها؛ فكيف بالعربية؟ وعلى افتراض وجود بعض المسلمين المتحدثين بالعربية، فإن إلزام الأطفال تلقنها أمر في غاية الصعوبة.
وبعض الأقليات تعيش في جهل أو تجهيل ضمن سياسة الدولة وظروف حياتهم الزراعية والريفية، كأكثر مسلمي الكتلة الشيوعية والصين، وهم غير ملمين بلغاتهم القومية فكيف بالعربية؟ وبعض الأقليات كالجاليات الجديدة في أستراليا وأوروبا وأمريكا وبعض الدول الأفريقية، غير ممنوعين من استعمال العربية وتعلمها، إلا أن الظروف الحياتية الضاغطة وانعدام التوجيه والتخطيط العام بشأن الجاليات والأقليات في العالم يجعل من العربية لسانًا ثقيلًا على الناشئة، ففي أستراليا -مثلًا- نجد أبناء المسلمين العرب الذين وفدوا إلى أستراليا وهم أطفال أو خلقوا فيها، نجدهم يعانون صعوبات في النطق بالعربية مع محاولة خجولة من آبائهم لتعليمهم إياها ولتدريسهم لها، وبالرغم من محاولات خجولة أيضًا في إيجاد مدارس السبت والأحد الأهلية لتعليم الأطفال العربية ومبادئ الدين، فإن الأجواء العامة في البلد تشد الطفل إلى ترك العربية أو الانسلاخ عنها واللواذ بالإنجليزية؛ فمدارسهم تعلمهم الإنجليزية وكذلك المذياع، حتى الوالدان قد يتكلمان الإنجليزية الأمر الذي يؤدي وسط حركة الحياة إلى ضياع اللسان العربي في الطفولة الجديدة، فيجعل الأجيال القادمة أكثر انسلاخًا من شخصيتهما العربية والدينية، وأكثر التصاقًا بالمجتمع الجديد الذي يحملون جنسيته وهويته ويتكلمون لغته ويأكلون من خيراته.
ويشعر المسلم -مهما ضعفت ثقافته- أن عليه واجبًا أمام أطفال الجيل الجديد، كما يشعر الآباء
بعبء الأمانة الملقاة على كواهلهم وهم يرون أبناءهم وقد تفلتوا من العربية.
ومع المحاولات الجادة والجاهدة من قبل الأكثرية غير المسلمة في تذويب اللغة العربية وطمسها من قاموس الأقلية تبدو المشكلة متفاقمة.
وكثيرًا ما حاولت الأكثريات إلغاء اللغات القومية بحجة تطويرها، فتمنع كتابتها بالأحرف العربية مثلًا، وتفرض كتابتها بأحرف اللغة المركزية أو الأحرف اللاتينية، وذلك في محاولة أولى منها لقطع حاضر الأقليات بماضيها الثقافي والديني.
وهكذا وجدنا روسيا تمنع مسلمي جمهورية الشيشان وأنجوشيا المتحدة مع روسيا -74 % من الجمهورية مسلمون- من كتابة لغتهم بالأحرف العربية، وتفرض روسيا ذلك على سائر القوميات، كما وجدنا الصين تمنع أبناء القومية الإيغور -التركستان، 8 مليون نسمة- من كتابة لغتهم بالأحرف العربية وألزمت المسلمين جميعًا باللغة الصينية، وفي الهند -أيضًا- يُطلب من المسلمين كتابة اللغة العربية -وهي لغة المسلمين الأولى- بالأحرف اللاتينية وتمنع تدريسها في معظم المدارس، حيث تولي الحكومة المركزية اهتمامها بتدريس الهندية والإنجليزية، وتعتبر اللغة الهندوكية لغة الوظيفة الرسمية، وكذلك الأمر في تايلاند، حيث أصرت الحكومة على السيطرة على التعليم في فطاني وعلى نشر اللغة السيامية بدلًا عن اللغة الماوية لغة أهل فطاني، وكانوا يكتبونها بالأحرف العربية، واشترطت الإلمام باللغة التايلاندية للحصول على الوظائف الحكومية.
غير أن رفض المسلمين -عمومًا- ترك لغاتهم القومية والإصرار على التمسك بها وتداولها واعتبارها رسمية في مقاطعات الحكم الذاتي، ساعد كثيرًا على حفظ وجودهم وعدم الذوبان في المجتمع الأكثري المفروض، ولو أنهم أتقنوا اللغة المركزية؛ مما أربك السلطات المركزية التي لا تزال تصر على الاستيعاب العام ضمن فرض اللغة الواحدة.
ولا شك أن وجود مدارس يمكن أن تعلِّم العربية منهاجًا متكاملًا ولو كلغةٍ ثانية بين الأقليات؛ أمر يساعد على معالجة المشكلة؛ ذلك أن وجود مثل هذه المدارس