الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلا ما لا حرج فيه ولا عسر" (1).
وقال سحنون من المالكية فيما يبتلى به المرء من السباع: إن الهر أيسر من الكلب، ،وإن الكلب أيسر حالًا من السباع، وذلك بقدر الحاجة إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل طهارتها بتطوافها علينا (2).
تطبيقات القاعدة في تأصيل فقه الأقليات:
بلاد غير المسلمين عمت بها مخالفات ومنكرات تتعلق بالحياة بأسرها، فلا يكاد يخلو مجال من مجالات الحياة إلا ودخله ما يشوبه ويعكره على أهل الإسلام، ومن ذلك: ما هو نزر يسير، ومنه: ما هو فاحش كثير، وقاعدة التخفيف بعموم البلوى وجدت تطبيقاتها في العبادات والمعاملات في السنة النبوية على حدٍّ سواء، وعليه فهي صالحة لإعمالها من قبل فقهاء الأقليات للترخيص في أعمال شابتها شوائب لا انفكاك عنها ولا بد منها في نفس الوقت، كاختلاط الرجال بالنساء في الأعمال ومرافق الحياة -مثلاً-، وشيوع منكرات اجتماعية عديدة في تلك الديار بشكل مطبق، ووجود مظلة قانونية مخالفة لشريعة الله لها أحكامها التي تنفذ جبرًا وقهرًا على كل مقيم هناك.
وعليه فإن القاعدة قد تُسهم في رفع كثير من الحرج والترخيص في النزر اليسير من تلك الأمور.
القاعدة الثانية: الإسلام يَجُبُّ ما قبله:
المعنى العام للقاعدة:
هذه القاعدة تتعلق برفع الحرج عن غير المسلم إذا دخل في الإسلام، فهي تتعلق بتوبة غير المسلم عن الكفر، وحاجته إلى الترغيب في الإسلام.
وصيغة القاعدة مستفادة من قوله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يهدم ما كان قبله"(3).
(1) المحلى، لابن حزم، (1/ 191).
(2)
المنتقى، لأبي الوليد الباجي، (1/ 326).
(3)
أخرجه: مسلم، كتاب الإيمان، باب: كون الإسلام يهدم ما قبله وكذا الهجرة والحج، (121)، من =
وقد عبَّر عنها الجويني رحمه الله فقال: "وزر الكفر ينحط بالإيمان"(1).
وعبَّر عنها ابن العربي مستفيدًا من روايات الحديث بقوله: "الإسلام يهدم ما كان قبله"(2).
وعبَّر بعضهم بالحتِّ بدلا من الجَبِّ (3).
والجَبُّ -لغة-: بمعنى القطع، والتغلب (4)، فالإسلام يقطع ما كان قبله عن أن يؤثر فيما بعده، ويمنع محاسبة من أسلم عما ارتكبه قبل إسلامه مما يُعتبر من المعاصي في الإسلام، فما صدر عن غير المسلم من أقوال أو أفعال أو تَركٍ حالَ كفره، إن كان يترتب عليها عقاب، لو صدرت عنه في حال الإسلام، فإن الإسلام يقطعها ويجعلها كالعدم، أي: أنه يرفع آثارها، ويمنع مِن ترتب الأحكام عليها (5).
كما اتفقت كلمة علماء أهل الإسلام قاطبةً على أن الكافر إذا أسلم لا يُكَلَّفُ بقضاء ما فاته من عبادات، سواء في ذلك الصلاة والصيام والزكاة، أو الحج إذا أعسر بعد يسر في كفره (6).
بل إنهم لم يصححوا قضاءه للعبادة إذا أراد أن يقضيها؛ لأنه ليس من أهلها، لا فرضًا ولا نفلًا، فلم يصحَّ ما فعله بعد الإسلام عما فاته في زمان الكفر، بخلاف الحائض
= حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، في سياق حكاية قصة إسلامه وهو على فراش الموت.
(1)
الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد، لأبي المعالي عبد الملك بن عبد الله الجويني، تحقيق: د. محمد يوسف مويس، د. علي عبد المنعم عبد الحميد، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1369 هـ - 1950 م، (ص 409).
(2)
أحكام القرآن، لابن العربي، (2/ 398).
(3)
السيرة النبوية، لابن هشام، (2/ 278).
(4)
لسان العرب، لابن منظور، (2/ 161)، الصحاح، للجوهري، (1/ 96).
(5)
القواعد الفقهية، للبجنوردي، (ص 39)، نقلًا عن قاعدة المشقة تجلب التيسير، د. يعقوب الباحسين، (ص 550).
(6)
حاشية العدوي، للشيخ علي الصعيدي العدوي، مطبوع بهامش: كفاية الطالب الرباني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني، تحقيق: أحمد حمدي إمام، مطبعة المدني، القاهرة، ط 1، 1407 هـ - 1987 م، (1/ 625)، المجموع، للنووي، (6/ 252)، روضة الطالبين، للنووي، (1/ 190)، المبدع شرح المقنع، لبرهان الدين إبراهيم بن مفلح، تحقيق: زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت، (2/ 292)، الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 526).