الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول
نشأة الأقليات المسلمة وتاريخها
البحث في نشوء الأقليات المسلمة في العالم يشير إلى وجود أسباب عملت منفردة وأحيانًا مجتمعة لتكوين نواة الأقليات المسلمة، وهذه الأسباب بطبيعة الحال يتفاوت تأثيرها من مكان لآخر، وفيما يلي عرض لأهم هذه الأسباب:
1 -
اعتناق الإسلام: فإنه من الممكن أن تشكل الأقلية المسلمة في أي بقعة من بقاع الأرض إذا اعتنق بعض أهلها الإسلام، كحال الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين أسلموا في بداية الدعوة الإسلامية وسط مجتمع مكة المشرك، ومن هؤلاء: الأقلية المسلمة في الهند، وفي أوروبا الشرقية.
2 -
هجرة بعض المسلمين إلى أرض غير مسلمة، وهذه الهجرة قد تكون لأسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، كما هو حال الأقليات المسلمة في أوروبا وأمريكا وغيرها.
3 -
احتلال أرض المسلمين، فقد يحدث أن تحتل أرض إسلامية من قِبَل دولة غير إسلامية، فتحاول الدولة المحتلة بطرق مختلفة طرد سكان الأرض الأصليين كما يحصل في فلسطين، أو أن يندمج هؤلاء المسلمون مع سكان البلد المحتل، كما حدث في شرق أوروبا والهند.
4 -
ويمكن أحيانًا أن تتكون الأقلية الإسلامية من أكثر من طريق في وقت واحد، كأن تتكون عن طريق الهجرة واعتناق الإسلام (1).
(1) الأحكام السياسية للأقليات المسلمة، لسليمان محمد توبولياك، (ص 30)، في فقه الأقليات المسلمة، د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، القاهرة، ط 1، 1422 هـ - 2001 م، (ص 17).
على أنه تجدر ملاحظة أن مفهوم الأقليات ارتبط غالبًا بالاستضعاف، وإن كان هذا لا يمنع من أن تتحول الأقلية المسلمة في بلد ما إلى أكثرية عددية قوية، ببركة الدعوة إلى الإسلام، وتتحول البلاد التي تقوم فيها الأقلية بالدعوة إلى بلاد إسلامية، وقد وقع هذا في ماليزيا، وإندونيسيا بحمد الله.
كما أنه لا يخفى أن بعض البلاد يوجد فيها المسلمون بعدد أكبر من غيرهم، فهم في الواقع العددي والإحصائي أكثرية، إلا أن مقاليد الأمور بيد غيرهم، وذلك واقع اليوم في مثل كوسوفا وألبانيا وتنزانيا ولبنان وأثيوبيا (1)، كما تجدر ملاحظة أخرى، وهي أن الأقليات المسلمة الممكَّنة لا ينبغي أن ينظر إليها على أنها أقلية إذا كانت مسيطرة سياسيًّا واجتماعيًّا، بل وتباشر الحكم أيضًا، كما هو الحال حين كانت شبه القارة الهندية تحت حكم الأقليات المسلمة لقرابة سبعمائة عام، وذلك قبل الاحتلال البريطاني للهند، واليوم ينظر للمسلمين في الهند على أنهم أقلية مستضعفة، وإن كان عددهم اليوم يصل إلى 150 مليون مسلم.
ولا تفوت الإشارة إلى أن الأقليات المسلمة في كل بلد لها خصوصيتها التاريخية والاجتماعية والسياسية، وأحيانًا كان للاستعمار دور خطير في إضعافها، ولها هي أيضًا دور كبير في إنهائه، كما أن لكل أقلية خصوصيتها في تحولها إلى الإسلام سواء أكان ذلك عن طريق الفتح الإسلامي، أم عن طريق الدعوة إلى الله عبر التجار المسلمين.
وأخيرًا -وقبل مغادرة هذه النقطة- يتعين إيضاحٌ بشأن أحد أسباب نشوء الأقليات، وهو هجرة المسلمين إلى بلاد غير المسلمين؛ إذ الأصل ألا يهاجر المسلم إلى غير بلاد الإسلام ليعيش فيها، ويقيم بشكل دائم ومستمر، كما سيأتي حكمه تفصيلًا،
(1) مسئولية المسلمين المواطنين في دول غير إسلامية، راشد دورياو، ضمن بحوث مؤتمر الأقليات المسلمة في العالم ظروفها المعاصرة، آلامها، وآمالها، دار الندوة العالمية للطباعة والنشر، 1420 هـ - 1999 م، (1/ 217).
إلا أن أسبابًا اجتمعت لتؤدي إلى ما نحن بصدد بحثه من أحكام الأقليات المسلمة في بلاد غير المسلمين، ويمكن إجمال هذه الأسباب فيما يلي:
1 -
ضعف الخلافة العثمانية أولًا، وضمور الدور الدعوي والحضاري الرائد للمسلمين؛ مما أدى إلى تفشي الجهل والضعف العام والتخلف، مما أظهر عجزًا فاضحًا في الموازين التجارية، فارتبكت الحياة العامة، واندفع عدد من الناس إلى الهجرة إلى بعض الدول الأوروبية أو الأمريكية.
2 -
انهيار الخلافة العثمانية أخيرًا، وتمزق العالم الإسلامي خاصة بعد الحرب العالية الأولى، حيث زادت فرص الهجرة، ومن ثم الاستيطان ونشوء الجاليات.
3 -
تنحية الشريعة عن الحكم بها بين المسلمين، وقيام القوانين الوضعية مقامها، وهي من أكبر النوازل التي حلت بديار المسلمين.
4 -
الاحتلال العسكري الأوروبي الغربي لأكثر أجزاء العالم الإسلامي؛ واحتلال فلسطين من قِبَل الصهيونية العالمية وما ترتب على ذلك من هجرة العديد من أبناء البلاد وتنقلهم بين قارات الدنيا، وصراع الحدود بين الدول العربية والإسلامية المختلفة، وهذا بدوره أفرز ما يعرف باسم اللاجئين المسلمين الذين بلغت نسبتهم عام (1983 م) 87 % من مجموع اللاجئين في العالم.
5 -
التحكم والاستبداد في أنظمة العديد من دول العالم الإسلامي حيث يُفرض على المعارضين والمخالفين السجن، أو يلجئون إلى الفرار إن تمكنوا من ذلك.
6 -
الرغبة بتحسين الوضع المعيمشي والاقتصادي عبر الهجرة إلى بلدان أكثر استقرارًا وازدهارًا، مع ما يستتبع ذلك من وجود ضمانات الحياة المختلفة الصحية والاجتماعية والتعليمية، وهي حاجات لا تزال بوجه عام دون المستوى المطلوب