الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
علته، وذلك الموقف اعتقادي لا يقبله عامة أهل السنة حيث يرى ابن حزم أن القول بتعليل الأحكام يلزم عنه اعتقاد أن الله شرع الشرائع لعلل أوجبت عليه أن يشرعها (1).
ثم يعود ابن حزم رحمه الله فيقرر أن الحكم قد يشرع لسبب، ويكون عندئذٍ سببًا بشرط أن يرد نص يفيد سببية حيث قال:"ولسنا ننكر أن يكون الله تعالى جعل بعض الأشياء سببًا لبعض ما شرع من الشرائع، بل نقر ذلك ونثبته حيث جاء به النص"(2).
أدلة القاعدة:
ولعله من المناسب أن يكون الرد على ابن حزم من خلال إقامة الأدلة على هذه القاعدة من الكتاب، والسنة، علاوة على ما سبق ذكره وتقريره من أقوال علماء الشريعة، وما نقل من الإجماع عليها.
أولًا: القرآن الكريم:
1 -
قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].
قال الشوكاني: "أي: ما أرسلناك لعلة من العلل إلا لرحمتنا الواسعة، فإن ما بعثتَ به سبب لسعادة الدارين"(3).
والرحمة التي جعلت علة لرسالة النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن تقوم أو تتحقق إلا إذا كانت الشريعة نفسها مقيمة لما يحقق مصلحة المكلفين على الجملة، ومانعة لما يلحق الفساد بهم؛ إذ لا تتصور الرحمة بحال إذا لم تكفل الشريعة إقامة المصالح ومنع المفاسد (4).
(1) الإحكام، لابن حزم، (8/ 97 - 98).
(2)
الإحكام، لابن حزم، (8/ 102).
(3)
فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير، لمحمد بن علي بن محمد الشوكاني، تحقيق: د. عبد الرحمن عميرة، دار الوفاء، المنصورة، (3/ 587).
(4)
قواعد المقاصد عند الإمام الشاطبي، عرضًا ودراسةً وتحليلًا، د. عبد الرحمن الكيلاني، دار الفكر بدمشق، ط 1، 1421 هـ، (ص 132).
2 -
قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: 204، 205].
وجه الدلالة:
نعيه سبحانه على المفسدين في الأرض يدل على أنه يطلب من الإنسان أن يكون تصرفه في هذا العالم موافقًا لصلاح ما تقتضيه الحكمة من خلقه.
كما بين سبحانه في ختام الآية أنه لا يحب الفساد، ومفهومها أنه يحب الصلاح؛ ولذا أقام التشريع محققًا للصلاح، ومانعًا من الفساد.
3 -
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70].
وجه الدلالة:
إكرام بني آدم يقتضي تشريع ما فيه صلاح الإنسان، وتحصيل سعادته في الدارين.
4 -
الأدلة التي فيها تعليل الأحكام بتحصيل المنافع الدينية في الدنيا والآخرة:
قال تعالى في ختام آية تشريع الوضوء: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 6].
وعقب تشريع الصيام: {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
وعقب تشريع الصلاة: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت: 45].
وتعليل العبادة بغاية التقوى: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21].
5 -
النص على علل الأحكام الجزئية، ومن ذلك: قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ