الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فمن الأولى: قاعدة "الأقوى يقدم على الأضعف".
ومن الثانية: قاعدة "العام ظني الدلالة"(1).
ونظرًا لقرب المقاصد من الأصول وانبثاقها عنها فإن قواعدها ستكون مضمنة مع قواعد الأصول في هذا الفصل وملحقة بها جريًا على منهج أبي إسحاق الشاطبي رحمه الله في تصانيفه.
المطلب الثالث: تعريف القواعد الفقهية وبيان أهميتها:
تقدم تعريف القاعدة لغة واصطلاحًا، ومن أحسن تعريفات القواعد الفقهية اصطلاحًا أنها:
حكم كلي فقهي ينطبق على فروع كثيرة من أكثر من باب (2).
فقولنا: "حكم" هو: التعبير السليم في وصف القاعدة من حيث إنه أهم ما في القضية؛ لأنه مناط الفائدة والتصديق والتكذيب.
وقولنا: "كلي" أي: أن القاعدة شاملة لجميع أفرادها، ولا يُخِلُّ بكلِّيتها خروج بعض أفرادها لمعارض.
وقولنا: "فقهي" قيد لإخراج القواعد في الفنون الأخرى.
وقولنا: "ينطبق على فروع كثيرة" فالقاعدة تجمع كثيرًا من الفروع والجزئيات المندرجة تحت معناها وحكمها العام.
وقولنا: "من أكثر من باب" قيد لإخراج الضابط؛ إذ هو الشامل لجزئيات من باب واحد فقط، فقاعدة:"الأمور بمقاصدها" تدخل في عامة أبواب الفقه، كما قال
(1) نظرية التقعيد الأصولي، د. أيمن البدارين، (ص 180 - 181).
(2)
القواعد، للباحسين (13 - 54)، القواعد الفقهية، للندوي، (ص 39 - 45)، نظرية التقعيد الفقهي، للروكي، (ص 38 - 48)، مقدمة قواعد المقري (1/ 103 - 108)، مقدمة قواعد الحصني (1/ 21 - 24) وغيرها.
الشافعي رحمه الله: إنها تدخل في سبعين بابًا (1)، أما الضابط فهو يجمعها من باب واحد، مثل:"كل ما أوجب غسلًا أوجب وضوءًا إلا الموت"(2)، ومثل:"البدن في الغسل كالعضو الواحد"(3). فهذه الضوابط تجمع فروعًا، ولكن من باب واحد.
وقد نبه على هذا الفرق بين القاعدة والضابط بعض الفقهاء والأصوليين، منهم: التاج السبكي والبناني (4) في حاشيته على شرح المحلي (5) والفتوحي (6) والسيوطي (7) وابن نجيم رَحِمَهُمَا اللهُ (8) وقد استقر على هذا الفرق عامة المتأخرين.
ومن الفروق التي ذكرها بعض المعاصرين: أن القاعدة في الغالب متفق على مضمونها
(1) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 8).
(2)
زاد المستقنع في اختصار المقنع، لأبي النجا موسى بن أحمد الحجاوي، تحقيق: عبد الرحمن العسكر، دار الوطن، الرياض، ط 1، 1425 هـ - 2004 م، (ص 32)، شرح منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيع وزيادات، لمنصور ابن يونس البهوتي، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط 1، 1421 هـ - 2000 م، (1/ 145).
(3)
المجموع، للنووي، (2/ 234)، مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (21/ 166).
(4)
عبد الرحمن بن جاد الله، البناني، المغربي، فقيه أصولي،. قدم مصر وجاور بالأزهر، من مصنفاته: حاشية على شرح المحلي على جمع الجوامع، توفي سنة 1198 هـ. الأعلام، للزركلي، (3/ 302)، معجم المؤلفين، لعمر رضا كحالة، (5/ 132).
(5)
جلال الدين، محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم، المحلي، الشافعي، الإمام العلامة، كان آية في الذكاء والفهم، من مصنفاته: شرح جمع الجوامع في الأصول، وشرح المنهاج في الفقه، ولد سنة 791 هـ، وتوفي سنة 864 هـ. شذرات الذهب، لابن العماد، (9/ 447)، الأعلام، للزركلي، (5/ 333).
(6)
شهاب الدين، أحمد بن عبد العزيز بن علي، الفتوحي، الحنبلي، المعروف بابن النجار، الإمام العلامة شيخ الإسلام، من مصنفاته: منتهى الإرادات وشرحه، ولد سنة 862 هـ، وتوفي سنة 949 هـ. شذرات الذهب، لابن العماد، (10/ 396)، السحب الوابلة، لابن حميد، (1/ 156).
(7)
أبو الفضل، جلال الدين، عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد بن سابق، السيوطي، الشافعي، كان من أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه مشاركًا في علوم كثيرة، من مصنفاته: تدريب الراوي، والدر المنثور، وألفية الحديث، والأشباه والنظائر، ولد سنة 849 هـ، وتوفي سنة 911 هـ. شذرات الذهب، لابن العماد، (10/ 74)، الأعلام، للزركلي، (3/ 301).
(8)
الأشباه والنظائر، لزين الدين بن إبراهيم بن نجيم، تحقيق: محمد مطيع الحافظ، دار الفكر، بيروت، 1986 م، (ص 192)، والأشباه والنظائر، للتاج السبكي، (1/ 11)، شرح الكوكب المنير، لابن النجار، (1/ 30)، الأشباه والنظائر في النحو، اللسيوطي، (1/ 9).
بين المذاهب أو أكثرها، أما الضابط فيختص بمذهب معين، بل قد يخالف فيه فقهاء من نفس الذهب (1).
أهمية القواعد الفقهية:
يعتبر علم القواعد الفقهية من أهم العلوم للفقيه والمفتي والقاضي والحاكم والمجتهد؛ إذ به تتدرب العقول في مآخذ ومدارك الأحكام، ومن استوعب القواعد وأحاط بها فقد استوعب الفقه كله، وانفتح له باب للتعرف على أحكام النوازل والمستجدات من خلال معرفة نظائر الفروع وأشباهها وضمِّ المفردات إلى أخواتها وأشكالها.
ومن فوائد هذا العلم:
1 -
أنه يضبط الأمور المنتشرة المتعددة، وينظمها في سلك واحد مما يُمَكِّنُ من إدراك الروابط بين الجزئيات المتفرقة ويزوِّد الطلعَ عليها بتصور سليم يدرك به الصفات الجامعة بين هذه الجزئيات؛ ولهذا قال الحافظ ابن رجب رحمه الله عن القواعد الفقهية:"تنظم له منثور المسائل في سلك واحد، وتقيد له الشوارد، وتقرب عليه كل متباعد"(2).
2 -
الضبط بالقواعد يسهل حفظ الفروع، ويغني العالم بالقواعد عن حفظ كثير من الجزئيات والأفراد؛ إذ المسائل الفقهية تعد بمئات الألوف؛ ولا تتسع حافظة أحد للإحاطة بها، فلا بد أن يفوته منها شيء كثير، ولو أدرك أكثرها بمعزل عن القواعد، فقد لا يعرف الرابط بينها ووجه الجمع والفرق، أما حفظ القواعد فهو يكفل له هذا كله بحول الله تعالى وقوته.
ولهذا قال القرافي رحمه الله: "ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات"(3).
(1) موسوعة القواعد الفقهية، للبورنو، (1/ 35).
(2)
تقرير القواعد وتحرير الفوائد، لابن رجب، (1/ 4).
(3)
الفروق، للقرافي، (1/ 3).
3 -
فهم هذه القواعد وحفظها يساعد الفقيه على فهم مناهج الفتيا ويُطلعه على حقائق الفقه ومآخذه، ويُمَكِّنه من تخريج الفروع بطريقة سليمة واستنباط الحلول للوقائع المستجدة، قال السيوطي رحمه الله:"اعلم أن فن الأشباه والنظائر فن عظيم؛ به يطلع على حقائق الفقه ومداركه ومآخذه وأسراره، ويتمهر في فهمه واستحضاره، ويقتدر على الإلحاق والتخريج ومعرفة أحكام المسائل التي ليست بمسطورة والحوادث والوقائع التي لا تنقضي على مر الزمان"(1).
وبذلك تصبح القواعد مَعِينًا ثَرًّا للفقهاء ومبعثَ حركةٍ دائمة ونشاط متجدد يُبعد الفقه عن أن تتحجر مسائله، وتتجمد قضاياه.
4 -
أن تخريج الفروع استنادًا إلى القواعد الكلية يجنب الفقيه التناقض الذي قد يترتب على التخريج من المناسبات الجزئية، قال التقي السبكي (2) كما نقله عنه ولده التاج السبكي رحمه الله:"وكم من آخر مستكثر في الفروع ومداركها، قد أفرغ جمام ذهنه فيها غفل عن قاعدة كلية؛ فتخبطت عليه تلك المدارك وصار حيرانَ، ومن وفقه الله بمزيد من العناية جمع له بين الأمرين فيرى الأمر رأي العين"(3).
5 -
ومن فوائد هذا العلم ما أشار إليه القرافي رحمه الله وصرح به ابن عاشور رحمه الله، وهو أنها -وبخاصة الكبرى منها- تساعد على إدراك مقاصد الشريعة؛ لأن القواعد الأصولية تركز على جانب الاستنباط، وتلاحظ جوانب التعارض والترجيح وما شابه ذلك من الأمور التي ليس فيها ملاحظة لمقاصد الشارع، أما القواعد الفقهية فهي مشتقة من الفروع والجزئيات المتعددة بمعرفة الرابط بينها،
(1) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 6).
(2)
أبو الحسن، تقي الدين، علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف، السبكي، الشافعي، الشيخ الإمام الفقيه المحدث الحافظ المفسر المقرئ الأصولي المتكلم النحوي، من مصنفاته: إبراز الحكم من حديث رفع القلم، الابتهاج في شرح المنهاج، والاعتبار ببقاء الجنة والنار، ولد سنة 683 هـ، وتوفي سنة 756 هـ.
طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي، (10/ 139)، البدر الطالع، للشوكاني، (1/ 320).
(3)
الأشباه والنظائر، للسبكي، (1/ 309).