الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لذلك فأعْلِمْهم أن الله قد افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وتُردُّ على فقرائهم" (1).
وجه الدلالة:
أن الكافر لا يخاطَبُ بفعل هذه العبادات إلا بعد أن يسلم (2)، فلا يجب عليه القضاء؛ لعدم خطابه بفعلها حالَ كفره.
ثالثًا: الإجماع:
قال أبو الخطاب الكلوذاني (3): "أجمعت الأمة الإسلامية على أنه لا يلزمه أن يفعل العبادات في حالِ كفره، ولا يجب عليه القضاء إذا أسلم"(4)، وقال المروزي (5):"لم يختلف المسلمون في أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدًا من الكفار أسلم بقضاء شيء من الفرائض، واتفق على القول بذلك أهلُ الفتوى من علماء أهلِ الإسلام"(6).
(1) أخرجه: البخاري، كتاب الزكاة، باب: وجوب الزكاة، (1395)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، (19)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذًا رضي الله عنه إلى اليمن فقال. . . فذكره، وفي بعض الروايات:"عن ابن عباس أنَّ معاذًا قال. . ."؛ فجعله من مسند معاذ رضي الله عنه.
(2)
شرح عمدة الفقه، كتاب الصلاة، لأحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: خالد بن علي بن محمد المشيقح، دار العاصمة، الرياض، ط 1، 1418 هـ - 1997 م، (ص 36).
(3)
أبو الخطاب، محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني الحنبلي، كان إمامًا علامة ورعًا صالحًا، وافر العقل غزير العلم كثير الفضل والأدب والكتابة، من مصنفاته: التمهيد، الانتصار في المسائل الكبار، والهداية، توفي سنة 510 هـ. شذرات الذهب، لابن العماد، (6/ 45)، وسير أعلام النبلاء، للذهبي، (19/ 348).
(4)
التمهيد في أصول الفقه، لأبي الخطاب محفوظ بن أحمد الكلوذاني، تحقيق: مفيد محمد أبو عمشة، جامعة أم القرى، مكة المكرمة، الكتاب السابع والثلاثون، ط 1، 1406 هـ - 1985 م، (1/ 301).
(5)
أبو عبد الله، محمد بن نصر بن الحجاج، المروزي، شيخ الإسلام، الحافظ، أحد أعلام الأمة وعقلائها وعبادها، ولد ببغداد، ونشأ بنيسابور، ورحل رحلة طويلة استوطن بعدها سمرقند وتوفي بها، له كتب كثيرة، منها: تعظيم قدر الصلاة، ورفع اليدين، وقيام الليل، ولد سنة 202 هـ، وتوفي سنة 294 هـ. سير أعلام النبلاء، للذهبي، (14/ 33)، طبقات الشافعية الكبرى، لابن السبكي، (2/ 246).
(6)
تعظيم قدر الصلاة، لأبي عبد الله محمد بن نصر المروزي، تحقيق: عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، مكتبة الدار، المدينة المنورة، ط 1، 1406 هـ، (2/ 991 - 992).
رابعًا: المعقول: وذلك من وجوه:
1 -
الكافر حالَ كفره كان منكرًا للوجوب والتحريم فكان الفعل والترك داخلاً في ضمن هذا الاعتقاد الباطل وفرعًا له، فلما تاب من هذا الاعتقاد وموجبه، غفر الله له الأصل وفروعه، فدخلت هذه الفروع فيه حالَ المغفرة، كما دخلت فيه حالَ المعصية.
2 -
لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ أحدًا ممن أسلم بضمان دم، ولا مال، ولا بشيء من هذه الأشياء.
3 -
فيما يتعلق بالذمي أو الحربي فإنه كان يؤدي ما عليه من عبادات دينه الذي كان يعتقد صحته، وأُقِرَّ عليه باستئمان أو جزية، فلا وجه لعقوبته أو مطالبته.
4 -
يُقصد بمخاطبة الكفار بالعبادات -عند من يقول بتكليفهم بفروع الشريعة- زيادة عقوبته في الآخرة بتركها، ولا يُقصد به مطالبته بأدائها في الدنيا؛ لأن العبادات لا تصح من الكفار لافتقارها للنية، والنية لا تصح من كافر، فلما لم تجب عليه في أحكام الدنيا، لم يلزمه قضاؤها إذا أسلم (1).
5 -
الشارع الحكيم متطلع إلى الترغيب في الإسلام، وإسقاط التكاليف يناسب هذا المعنى (2).
بل "إذا فعل الكافر الأصلي قربة لا تشترط النية لصحتها، كالصدقة، والضيافة، وصلة الرحم، والإعتاق، والقرض، والعارية، والمنحة، وأشباه ذلك:
فإن مات على كفره، فلا ثواب له عليها في الآخرة، لكن يطعم بها في الدنيا، ويوسع في رزقه وعيشه.
وإن أسلم فالصواب المختار أنه يثاب عليها في الآخرة؛ للحديث الصحيح أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أسلم العبد فحسن إسلامه كتب الله له كل حسنة كان
(1) المجموع، للنووي، (6/ 252)، كشاف القناع، للبهوتي، (1/ 223)، المبدع، لابن مفلح، (3/ 85).
(2)
مغني المحتاج، للخطيب الشربيني، (1/ 130)، كشاف القناع، للبهوتي، (1/ 223).
أزلفها. . . " (1)، أي: قدمها.
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: يا رسول الله أرأيت أمورًا كنت أتحنَّثُ بها في الجاهلية من صلة وعتاقة وصدقة هل لي فيها أجر؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسلمتَ على ما سلف لك من خير"(2).
فهذان حديثان صحيحان لا يمنعهما عقل، ولم يَرِد الشرع بخلافهما، فوجب العمل بهما، وقد نقل الإجماع على ما ذكرته من إثبات ثوابه إذا أسلم.
وأما قول أصحابنا وغيرهم: لا تصح من كافر عبادة، ولو أسلم لم يعتدَّ بها، فمرادهم: لا يعتدُّ بها في أحكام الدنيا، وليس فيه تعرض لثواب الآخرة.
فإن أَطلق مطلِقٌ أنه لا يثاب عليها في الآخرة، وصرح بذلك: فهو مجازف مغالط مخالف للسنة الصحيحة التي لا معارض لها" (3).
وحكم هذه القاعدة يتناول المرتد أيضًا عند أبي حنيفة والمالكية؛ لأن الأدلة لم تُفَرِّقْ في دخول الإسلام بين ما إذا كان بعد كفر أصلي، أو طارئ بالارتداد، بينما ذهب الشافعي إلى أنه يلزم المرتدَّ كلُّ حقٍّ لله وللآدمي (4).
ونطاق هذه القاعدة يتعلق بحقوق الله تعالى بالأصالة، فلا إثم عليه، ولا تدارك بالقضاء أو الأداء لما فات (5).
قال ابن العربي: "قال علماؤنا: هذه لطيفة من الله سبحانه منَّ بها على الخليقة؛ وذلك
(1) أخرجه: البخاري تعليقًا، كتاب الإيمان، باب: حسن إسلام المرء، (41)، والنسائي، كتاب الإيمان وشرائعه، باب: حسن إسلام المرء، (4998)، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. وصححه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة"(247).
(2)
أخرجه: البخاري، كتاب البيوع، باب: شراء المملوك من الحربي وهبته وعتقه، (2220)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: بيان حكم عمل الكافر إذا أسلم بعده، (123).
(3)
المجموع، للنووي، (3/ 4 - 5)، بتصرف يسير، وانظر أيضًا: الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 254).
(4)
أحكام القرآن، لابن العربي، (2/ 399)، قاعدة المشقة تجلب التيسير، د. يعقوب الباحسين، (ص 551).
(5)
الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص 255)، المنثور في القواعد، للزركشي، (1/ 161).