الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن قُتل دون دينه فهو شهيد، ومن قُتل دون دمه فهو شهيد، ومن قُتل دون أهله فهو شهيد" (1).
7 -
وعن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال:"فلا تعطه"، قال: فإن قاتلني، قال:"فاقتله"، قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: "فأنت شهيد"، قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "فهو في النار"(2).
وجه الدلالة:
دل الحديثان على تعظيم ضرورات النفس، والعرض، والمال، ودفع الصائل عليها؛ لحفظها ورعايتها، وأنه عند الاضطرار تهدر دماء كانت معصومة قبل التعدي والصّيال.
ثالثاً: الإجماع:
انعقد الإجماع على إباحة الأكل من الميتة في حالة الاضطرار؛ للنص عليه في القرآن الكريم، والسنة النبوية، وقيست عليها سائر المحرمات (3).
وقد استقرت قواعد الشريعة على نفي الحرج والمشقات البالغة، وإزالة الضرر، وتفويت أعلى المفسدتين بارتكاب أدناهما.
والمقاصد الخمسة أو الضرورات الخمس لا بد من حمايتها وحفظها، وقد قسَّم العلماء وسائل حفظ هذه المقاصد إلى ثلاثة أقسام رئيسة، هي: الضروريات، والحاجيات، والتحسينيات (4).
(1) أخرجه: أبو داود، كتاب السنة، باب: في قتال اللصوص، (4772)، والترمذي، كتاب الديات، باب: ما جاء فيمن قُتل دون ماله فهو شهيد، (1421) -واللفظ له-، والنسائي، كتاب تحريم الدم، باب: من قاتل دون دينه، (4094، 4095). قال الترمذي: "حسن صحيح"، وأخرجه: البخاري، كتاب المظالم، باب: من قاتل دون ماله، (2480)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره. . . (141)، من حديث عبد الله ابن عمرو رضي الله عنهما، مختصرًا مقتصرًا على جملة (الدِّين).
(2)
أخرجه: مسلم، كتاب الإيمان، باب: الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القصد مهدر الدم في حقه و. . .، (140).
(3)
المغني، لابن قدامة، (13/ 330).
(4)
الموافقات، للشاطبي، (2/ 8)، مقاصد الشريعة، لابن عاشور، (ص 78)، المستصفى، للغزالي، (ص 174).
والضروريات: هي ما لا استغناء عنه في الدارين، وما لا بد منه في قيام مصالح المكلفين في الدنيا والدين، وحفظ الضرورات الخمس بإقامة أركانها، وتثبيت دعائمها، وبدرء الفساد الواقع والمتوقع عليها، فالحاجة في الضروريات ملجئة ولا بد (1).
يقول الشيخ ابن عاشور رحمه الله: "ولست أعني باختلال نظام الأمة هلاكها، واضمحلالها؛ لأن هذا قد سلمت منه أعرق الأمم في الوثنية والهمجية، ولكني أعني به أن تصير أحوال الأمة شبيهة بأحوال الأنعام، بحيث لا تكون على الحالة التي أرادها الشارع منها، وقد يفضي بعض ذلك الاختلال إلى الاضمحلال الآجل بتفاني بعضها ببعض، أو بتسلط العدو عليها إذا كانت بمرصد الأمم المعادية لها، أو الطامعة في استيلائها عليها"(2).
وحفظ الشريعة للمصالح الضرورية يتم من جانبين:
الأول: حفظها من جانب الوجود؛ بتشريع ما يقيم أركانها ويثبت بنيانها.
الثاني: حفظها من جانب العدم؛ بتشريع ما يدرأ عنها الخلل.
وقد حاول بعض الباحثين أن يضع تعريفًا ضابطًا للضروري، فقال: كل ما يؤدي في الدنيا إلى تلف الأصل، أو انحرافه، أو زوال منفعته، أو ما ينزل منزلة ذلك كلًّا أو جزءًا، حقيقةً أو حكمًا سواء كان واقعًا أو متوقعًا، بشكل قطعي، أو قريب من القطعي، وما يؤدي فقده في الآخرة إلى دخول النار وحصول العذاب، ولو لفترة (3).
2 -
الحاجيات: ما دار كالسياج حول الضروريات ولم يبلغ درجتها في الافتقارِ إليها، وتَرَتُّبِ الهلاك على فقدها.
(1) الموافقات، للشاطبي، (2/ 8)، قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (2/ 123).
(2)
مقاصد الشريعة، لابن عاشور، (ص 79).
(3)
تأصيل فقه الأولويات دراسة مقاصدية تحليلية، د. محمد همام ملحم، دار العلوم، عمان، الأردن، ط 1، 2007 م، (ص 228 - 229).
فتتحقق الضروريات مع فقد الحاجيات، ولكن بعسر بالغ وحرج معنت، فالحاجيات تدور على ما تدفع به المشقات من الرخص والتوسعات، وسائر التخفيفات؛ وذلك لتسهل الحياة على المكلفين وتسير بهم في رفق ويسر (1).
فالحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيرًا أو تسهيلًا لأجل الحصول على المقصود، فهي دون الضرورة من هذه الجهة، وإن كان الحكم الثابت لأجلها مستمرًّا، والثابت للضرورة مؤقتًا (2).
وهي ما عبر عنه العز ابن عبد السلام رحمه الله بقوله: ما توسط بين الضروريات، والتكميلات، هذا بالنسبة لمصالح الدنيا، أما بالنسبة لمصالح الآخرة، ففعل السنن
المؤكدات الفاضلات (3).
وقد ضبطها الشاطبي بقوله: "إنها مفتقر إليها من حيث التوسعة، ورفع الضيق المؤدي في الغالب إلى الحرج والمشقة اللاحقة بفوت المطلوب، فإذا لم تراعَ دخل على المكلفين -على الجملة- الحرج والمشقة، ولكنه لا يبلغ مبلغ الفاسد العادي المتوقع في المصالح العامة"(4).
3 -
التحسينيات: وهي مقتضيات المروءات، ومكارم الأخلاق، ومحاسن العادات، وتجنب الأحوال المدنسات التي تأنفها العقول الراجحة، والنفوس الصالحة، فتكمل بذلك وتجمل الحياة (5).
فالتحسينيات لا تتوقف عليها حياة الناس الدينية أو الدنيوية، ولا ينال الناس بفقدها
(1) الموافقات، للشاطبي، (2/ 10 - 11)، نظرية الضرورة الشرعية، للزحيلي، (ص 51 - 52).
(2)
شرح القواعد الفقهية، لأحمد الزرقا، (ص 209).
(3)
قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام (2/ 60).
(4)
الموافقات، للشاطبي، (2/ 10 - 11).
(5)
الموافقات، للشاطبي، (2/ 11)، أثر الاضطرار في إباحة فعل المحرمات الشرعية، لجمال نادر الفرا، دار الجيل، بيروت، ط 1، 1414 هـ - 1993 م، (ص 42).