الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ودلت الآية الثانية على تحقق المغفرة لمن تاب وآمن وعمل صالحًا، وزادت الثالثة لمن كملت توبته وصحت رجعته أن الله تعالى يبدل سيئاته حسنات (1).
ثانيًا: السنة المطهرة:
1 -
قوله صلى الله عليه وسلم: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه"(2).
2 -
وقوله صلى الله عليه وسلم: "التائب من الذنب كمن لا ذنب له"(3).
3 -
وقوله صلى الله عليه وسلم: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها"(4).
4 -
وقوله صلى الله عليه وسلم -وقد سئل أحدنا يذنب، فقال-:"يكتب عليه"، قيل: ثم يستغفر منه ويتوب؟ قال: "يغفر له ويتاب عليه". قيل: فيعود فيذنب، قال:"فيكتب عليه". قال: ثم يستغفر منه ويتوب. قال: "يغفر له ويتاب عليه، ولا يمل الله حتى تملوا"(5).
(1) تفسير ابن كثير، (8/ 168 - 170)، (5/ 308 - 309)، (6/ 127 - 130).
(2)
أخرجه: مسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب: استحباب الاستغفار والاستكثار منه، (2703)، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3)
أخرجه: ابن ماجه، كتاب الزهد، باب: ذكر التوبة، (4250)، والبيهقي في "الكبرى"، كتاب الشهادات، باب: شهادة القاذف، (10/ 154)، وغيرهما، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. وحسَّن إسنادَه الحافظ ابن حجر العسقلاني في "الفتح" (13/ 471). ورُوي من أحاديث: أبي سعيد، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأم المؤمنين عائشة، وغيرهم رضي الله عنهم.
(4)
أخرجه: الترمذي، كتاب البر والصلة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: ما جاء في معاشرة الناس، (1987)، والإمام أحمد في "مسنده"(5/ 153، 158، 177)، وغيرهما، من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اتقِ الله حيثما كنتَ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالِق الناس بخلق حسن". قال الترمذي: "حديث حسن صحيح". ورُوي من حديث معاذ بن جبل، وأنس بن مالك رضي الله عنهما.
(5)
أخرجه: الحاكم في "مستدركه"(1/ 58، 4/ 256) -وعنه في الموضع الأول: أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في "شعب الإيمان"، تحقيق: محمد السعيد بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1410 هـ، (5/ 408) -، وأبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في "المعجم الأوسط"، تحقيق: طارق بن عوض الله، وعبد المحسن إبراهيم، دار الحرمين، القاهرة، 1415 هـ، (8/ 298)، وفي "المعجم الكبير"(17/ 287) -مختصرًا-، من حديث عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه. وصححه الحاكم، وحسَّن إسناده: أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقيُّ في "تخريجه الكبير" لأحاديث إحياء علوم الدِّين -كما في "المغني عن حمل الأسفار"، اعتنى به: أشرف عبد المقصود، مكتبة طبرية، الرياض، ط 1، 1415 هـ / 1995 م، (1054/ 2) -، والهيثميُّ في "مجمع الزوائد"(10/ 200).
وجه الدلالة:
الأحاديث مصرحة بقبول توبة التائب والتجاوز عن ذنب المستغفر، وأن من تاب غفرت له سيئاته، وعفي له عن خطيئاته، والله تعالى حليم تواب، رحيم ودود، يقبل توبة عبده ما لم يغرغر (1).
وهذا كله يتعلق بذنوب العباد فيما بينهم، وبين ربهم تبارك وتعالى، وأما فيما يتعلق بذنوب العباد فيما بينهم فما لم يحصل فيه التغافر والتسامح في الدنيا كان فيه القصاص في الآخرة ولا بد، وذلك مقتضى أن ربنا تعالى هو العدل الحكيم.
وما عدا ذنوب العباد فيما بينهم فإنه مرجوُّ العفو والمغفرة بالتوبة والإنابة باستثناء الموت على الشرك، قال تعالى:{قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
قال ابن تيمية رحمه الله: "ليس في شريعتنا ذنب إذا فعله الإنسان لم يكن له مخرج منه بالتوبة إلا بضرر عظيم، فإن الله لم يحمل علينا إصرًا كما حمله على الذين من قبلنا"(2).
وقال ابن القيم رحمه الله: "فليس في شرع الله ولا قدره عقوبة تائب البتة"(3).
ولا شك أن من تاب من الشرك الأكبر والكفر الأكبر قبل موته فإن الله يتوب عليه، ولا عقوبة عليه بالإجماع، كما شهدت به القاعدة السابقة.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا
(1) أخرجه: الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، باب: في فضل التوبة والاستغفار وما ذُكر من رحمة الله لعباده، (3537)، وابن ماجه، كتاب الزهد، باب: ذكر التوبة، (4253)، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنَّ الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر". قال الترمذي: "حديث حسن غريب"، وصححه ابن حبان (2/ 394)، والحاكم (4/ 256). ورُوي أيضًا من حديثَي: عبادة بن الصامت، وأبي أيوب بشير بن كعب رضي الله عنهما.
(2)
القواعد الفقهية النورانية، لتقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار المعرفة، بيروت، 1399 هـ، (ص 267).
(3)
إعلام الموقعين، لابن القيم، (2/ 97).