الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث
خصائص الأقليات المسلمة
إن الأقليات المسلمة هم جزء من الأمة الإسلامية، والتي تشمل كل مسلم في أنحاء العالم أيًّا كان جنسه أو لونه أو لسانه أو وطنه أو طبقته، وهم -من ناحية أخرى- جزء من مجتمعهم الذي يعيشون فيه، وينتمون إليه، فلا بد من مراعاة هذين الجانبين، بحيث لا يطغى أحدهما على الآخر، ولا نضخم أحدهما على حساب الآخر.
ويمكن أن نستخلص الخصائص التالية للأقليات الأسلامية خارج ديارها:
1 -
نشأت الأقليات المسلمة نتيجة عدة عوامل، منها: الهجرة الاختيارية بهدف العمل أو الإقامة، أو بناء على ظروف شخصية، ومن تلك العوامل: الهجرة الإجبارية، وهي تلك التي تنشأ عن أعمال عسكرية وسياسية عدوانية، وهذه تعرف اليوم باسم ظاهرة اللاجئين.
فأما الهجرة الاختيارية، فهي في كثير من الأحوال تكون طارئة في حياة المهاجر مع رغبة أكيدة في العودة إلى الوطن، غير أن تمادي أحد أسباب الهجرة، بالنسبة إلى وضعه الخاص، يحول الهجرة مع الزمن إلى استيطان دائم، خاصة إذا نشأت ظروف محلية جديدة في بلد الهجرة كالنجاح في العمل التجاري، أو طمأنينته إلى غده وتخوفه من التحول في بلده الأصلي إلى مكافح من جديد في طلب العيش أو إلى ارتباطه في المهجر بنشأة أبنائه وتقلبهم في مراحل الدراسة، مما يلزمه في كثير من الأحوال إلى تمديد حال الهجرة إلى حين تخرجهم، ثم قد تنشأ روابط الزواج من أهل تلك البلاد فتغدو العودة أكثر صعوية، فيتحول المهاجر إلى مستوطن، خاصة إذا ما اكتسب جنسية الدولة المقيم فيها، وأصبح حائزًا على حقوق المواطن الأصلي.
وعلاوة على ذلك، فإن المهاجر المسلم يشعر أن تبعات كثيرة تغدو ملقاة عليه، منها: العمل على المحافظة على وجوده الإسلامي ووجود أبنائه، فيعمل جاهدًا لبناء المؤسسات الإسلامية كالمساجد والمدارس والمعاهد والمراكز، وتصبح هذه بذاتها أسبابًا إضافية للاستيطان ليحافظ عليها من جهة، ولأنها هي نفسها تضمن -في نظره- حدودًا مقبولة في وجود إسلامي معقول.
وأما الثانية وهي الهجرة القسرية، والتي تسمى اليوم باللاجئين، فهي من أقسى ما مر ويمر على بعض البلدان الإسلامية، بل إن اللاجئين المسلمين الفارين من اضطهاد أو عدوان أو ظلم جماعي يفوق 87 % من مجموع اللاجئين في العالم عام (1983 م)، وهي نسبة كبيرة جدًّا تكشف مدى المخاطر التي تحيط بالمسلمين والمؤامرات الضخمة التي لا تزال تستهدفهم كأمة وشعوب.
فقد بلغ عدد اللاجئين المسلمين عام (1983 م)9.329.000 لاجئ من أصل 10.666.200 لاجئ في العالم، وقد أكدت إحصاءات لجنة الولايات المتحدة للاجئين: أن معظم هؤلاء قد فروا من الاضطهاد الذي يتعلق أحيانًا بعوامل عرقية، ولكنها دينية في الأصل. علمًا أن الرقم المبين آنفًا لا يشمل اللاجئين المسلمين في أفريقيا واللاجئين من الحرب بين العراق وإيران، ولا أولئك الذين هُجِّروا من ديارهم ونقلوا إلى نواحٍ مختلفة في الاتحاد السوفيتي أو الصين.
ويلاحظ من هذا التقرير أن نسبة إسهام الدول الإسلامية في حصيلة التبرعات لعام (1983 م) لم تتجاوز 2.3 % وهو أمر ملفت للنظر حقًّا، غير أنه لا بد من القول بأن بعض البلدان الإسلامية تقوم بالإغاثة أو الدعم بصورة مباشرة خاصة لأولئك الذين يقيمون على أراضيها، فباكستان مثلًا تدفع 50 % من جملة نفقات اللاجئين عندها (1).
(1) من بحث للسيد فضل الله ديلموت، مقدم إلى مؤتمر الأقليات في الرياض، عام 1986 م، (ص 395).
2 -
بصورة عامة فإن المهاجرين كجاليات، أو المستوطنين المسلمين كأقليات لا ترابط بينهم من جهة، ولا علاقة منظمة بينهم وبين دولهم الأم أو دول العالم الإسلامي أو منظماته الدولية؛ مما جعلهم معزولين إلى حد ما عن العالم الإسلامي ورقمًا مهملًا في حساب العالم الإسلامي وسياسته الخارجية.
وقد يكون من أبرز أسباب عدم الترابط فيما بينهم -خاصة في المراحل الأولى للهجرة والاستيطان- الرغبة في تحقيق المكاسب المادية، فيحملهم هذا على الاندماج في المجتمع الجديد والتفاني في العمل التجاري أو المهني، كما أن من الأسباب: صراع دول العالم الإسلامي فيما بينها، وانعدام أي سياسة توجيهية، غير أن الغربة مع ما تفرضه من تحديات تجعل التجمع واجبًا، بيد أن هذا التجمع كثيرًا ما أخذ المنحى القومي والإقليمي، حتى في بعض المناطق أخذ أسلوب تجمُّع المهاجرين من مدينة واحدة أو قرية واحدة أو حي واحد، ثم تختفي الصلات بين هذه التجمعات لتترابط من جديد تحت الضرورة وضمن قواسم إسلامية مشتركة في اتحاد واحد أو في جمعيات مشتركة.
وقد يكون المسلمون في دولة من الدول موزعين على جنسيات عديدة ويشعرون بضرورة إقامة مركز إسلامي، فيه المسجد والمدرسة ومكان التجمع، فيتعاونون فيما بينهم لإقامة هذا الصرح؛ وهنا تنشأ بالضرورة علاقة مع العالم الإسلامي، فتتشكل الوفود لزيارة دولة من دول العالم الإسلامي وبالذات الخليجية، طلبًا للمساعدة في إنشاء مثل هذه المراكز، وبسبب زيارات يقوم بها مسئولون في منظمات إسلامية شعبية أو رسمية للجاليات الإسلامية في العالم، وبسبب تكشف أحوال الجاليات والأقليات الإسلامية، وبسبب تنامي الصحوة الإسلامية؛ بدأت علاقات المسلمين المهاجرين تزداد شيئًا فشيئًا مع العالم الإسلامي، خاصة بعد أن تحسست بعض الدول الإسلامية والمنظمات العالمية الإسلامية أهمية الوجود الإسلامي في دول العالم الأخرى (1).
(1) الأقليات الإسلامية في العالم، د. محمد علي ضناوي، (ص 19، 20).
وفي الربع الأخير من القرن العشرين ظهرت ملامح عديدة لتنظيم هذه العلاقات وتقوية ذلك الوجود وتنميته، ومده بالقدرات والطاقات في محاولات جادة ومتميزة، ومن بواكيرها الأولى: المؤتمر العالمي الذي عقد في الرياض عام (1986 م)، بدعوة من الندوة العالمية للشباب الإسلامي، والذي خُصص لبحث مشاكل الأقليات المسلمة في العالم، وما تزال مختلف الدول والهيئات والجهات الخيرية تُعنَى بهذا الشأن، علاوة على ما توليه الجهات العلمية والأكاديمية من دراسة لتلك المشاكل ومحاولة لوضع الحلول العلمية السليمة، ووضع البدائل المناسبة في مختلف المجالات.
3 -
الأقليات الإسلامية سواء أكانت قوية قادرة أم ضعيفة مقهورة، تتأثر بشكل أو بآخر بما يجري في العالم الإسلامي من أحداث، وتتفاعل بصورة مباشرة أو غير مباشرة مع قضاياه، وسواء أكانت تلك الأحداث سلبية أم إيجابية، وكثيرًا ما تتأثر هذه الأقليات بالخلافات التي تنشأ في دول العالم الإسلامي، سواء أكانت الخلافات سياسية أم مذهبية.
4 -
إن استقراء واقع الأقليات المسلمة الذين يتجاوزون في عددهم أربعمائة مليون مسلم يؤكد على أن هذه الأقليات أقليات محتاجة للدعم التربوي والعلمي والاجتماعي والديني والسياسي، بل وحتى الدعم اللغوي الذي يُمَكِّن من التواصل مع لغة القرآن الكريم.
ومع الإقرار بالحاجة على كل مستوياتها إلا أنها تتفاوت وتتباين باختلاف المجتمعات التي تعيش فيها الأقليات المسلمة؛ وعليه فإن من المفيد إدراك هذه الحاجات تبعًا لاختلاف ظروف تلك الأقليات في مجتمعاتها.